إيران تنافس العالم في مجال الذكاء الاصطناعي

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تتخوّف أميركا من التطوّر التكنولوجي والعلمي الإيراني، وخصوصاً في مجالات النانو والتطوّر السيبراني وتخصيب اليورانيوم والذكاء الاصطناعي.

  • تعطي إيران أهمية بالغة لمجال الذكاء الاصطناعي والتقدّم به
    تعطي إيران أهمية بالغة لمجال الذكاء الاصطناعي والتقدّم به

يرتبط مفهوم الذكاء الاصطناعي بالذكاء المرتبط بالأجهزة الرقمية أو الإلكترونية، مثل الحواسيب والأجهزة الخلوية والروبوتات. ويعبّر الذكاء الاصطناعي عن قدرة هذه الأجهزة الرقمية على أداء المهمات المرتبطة بالكائنات الذكية، ويُعرَّف أيضاً بأنَّه "محاكاة الدماغ البشري في القيام ببعض وظائفه المعقّدة".

أصبح مجال "الذكاء الاصطناعي" ميداناً لتنافس الدول في ما بينها، وإجراء استثمارات ذات فائدة مادية ومدخول لميزانية الدول. وقد تحوّل إلى سلاح فعّال مثله مثل الأسلحة العسكرية، وبات يشكّل تهديداً للأمن القومي للدول.

تصدّرت الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً جامعاتها، طيلة السنوات السابقة، المراتب الأولى في إنتاج المقالات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. ويوجد اليوم تخوّف أميركي من ظهور لاعبين جدد في هذا المجال، أبرزهم الصين وروسيا وإيران، ما اعتبره المعلّقون الأميركيون ساحة حرب جديدة.

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تتخوّف أميركا من التطوّر التكنولوجي والعلمي الإيراني، وخصوصاً في مجالات النانو والتطوّر السيبراني وتخصيب اليورانيوم والذكاء الاصطناعي، ولا سيما بعد التصنيفات الدولية التي أشارت إلى تصدر إيران أعلى مؤشرات التقدّم العلمي في بعض المجالات.

وتعطي إيران أهمية بالغة لمجال الذكاء الاصطناعي والتقدّم به. في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، اقترح المرشد السيد علي خامنئي "أن يكون الذّكاء الاصطناعي واحداً من القضايا التي يجري التركيز عليها والاهتمام بها والتعمّق فيها، إذ سيكون له دورٌ في التحكّم في مستقبل العالم"، وقال: "علينا أن نعمل بما يجعلنا على الأقلّ في عِداد الدّول العشر الأولى في العالم في قضيّة الذكاء الاصطناعي، فنحن لسنا كذلك اليوم".

وفي تقريرها الأخير في العام 2017، أشارت مجلة "نيتشر" العلمية البريطانية إلى أنّ الجمهورية الإسلامية أنتجت منذ العام 1997 ولغاية العام 2017، 34 ألفاً و28 مقالة في مجال الذكاء الاصطناعي، وارتقت من الموقع الرابع عشر عالمياً إلى الموقع السابع. 

وفي تقرير آخر من إعداد مؤسسة "سينا" للأبحاث المستقبلية في مجال العلوم والتكنولوجيا، حلت إيران في المركز السابع في العالم من حيث إصدار المقالات التي يُستشهد بها بمجال الذكاء الاصطناعي، وكانت الوحيدة على مستوى الشرق الأوسط التي تعد ضمن الدول الـ10 في العالم من حيث إنتاج المقالات العلمية المستشهد بها في هذا المجال، "بما نسبته 1،3% و0،02% من المقالات الساخنة في هذا المجال".

بناءً على ذلك، يشير الباحث الأميركي في مجال التكنولوجيا في مدونة "War on the rocks"، إيفان ليشمان، إلى أن "إيران مصممة على الاستمرار بتطوير أنظمة دفاعية وموجّهة"، لافتاً إلى أنّ ذلك يهدد استقرار المنطقة، وخصوصاً من حلفاء إيران.

يعتبر الأميركي أنّ مسألة العلم ثابتة في عقيدة الثورة الإسلامية الإيرانية، ولا مجال للتفاوض بشأنها، إذ تعتبر محل اقتدار وحصانة بهدف البقاء. ويعتبر الإيرانيون أنّ هذا التفوّق في مجال الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يكون مفتاح التفوّق العسكري في المستقبل.

 بناءً على ذلك، يشير الباحث إلى وجود "تخوّف من توظيف إيران جيشاً من مهندسي الكومبيوتر في البلاد. وثمة يقين لدى الأميركيين بأنّ هذا التوظيف أمر ممكن وقابل للتطوير". وأفادت دراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي للعام 2016 بأن الجامعات الإيرانية خرّجت حوالى 335000 من طلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات سنوياً، ما جعلها تحتل المرتبة الخامسة في العالم، بما يشكّل مجالاً للمنافسة بعد التحدي الصيني في هذا المجال، ما حتم على لجنة الأمن القومي الأميركية للذكاء الاصطناعي تأييد الاستثمار الاستراتيجي في الذكاء الاصطناعي لمقارعة الصين.

التقدّم الإيراني موضع قلق أميركي يجب أن لا يبقى بلا رد، بما يشكله من خطر على مكانة أميركا في العالم وأمن قواتها. ويشير الباحث إيفان لوشمان إلى "أنّ العقوبات على الشركات الإيرانية غير مشجّعة وغير كافية وحدها للردع"، ويرى أنّ "التحدي السياسي الكبير هو كيفية ردع إيران ووكلائها عن استخدام أنظمة الحكم الذاتي لشنّ هجمات أكثر تدميراً على أهداف عالية القيمة".

في دراسة بعنوان "الدبلوماسية العامة الأميركية في إيران، خفض التكاليف وتحسين التأثير"، لكلّ من الباحثين آرش علائي ومهدي خلجي في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يقول الباحثان: "مع اقتراب المفاوضات النووية مع إيران من نهايتها، وفقاً لبعض التقارير، لدى الحكومة الأميركية مصلحة قوية في أن تشرح للجمهور الناطق باللغة الفارسية التطوّرات في هذا المجال وما تعنيه مواقف واشنطن، ولكن الدبلوماسية العامة الأميركية باللغة الفارسية كانت متواضعة حتى الآن. وقد يكون لاتِّباع نهج مختلف تكلفة أقل مما هي عليه الآن وتأثير أكبر على الصعيد الإعلامي".

ووفقاً لـ"الوكالة الأميركية للإعلام العالمي"، وصلت إذاعة "صوت أميركا" إلى ما يقارب 16% من البالغين الإيرانيين في العام 2020، لكن المعلومات الواردة من مصادر غير حكومية لا تدعم هذا التقدير. ويشير تحليل البيانات الَّتي تم جمعها بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي (على سبيل المثال، أثناء المشاريع البحثية التي أجرتها شركة "مترو ستار" MetroStar) إلى معدل وصول ضئيل جداً إلى الجماهير داخل إيران.

ويضيف الباحثان أنَّ "نسبة المشاهدة الضعيفة لإذاعة "صوت أميركا" باللغة الفارسية مخيّبة للآمال بشكل خاص، نظراً إلى المزايا المتأصلة التي تملكها واشنطن في الوصول إلى الجماهير الإيرانية. على سبيل المثال، اللغة الإنكليزية هي أساساً اللغة الثانية في أجزاء مختلفة من إيران. يرجع ذلك في الغالب إلى الدورات العلمية المفتوحة المصدر والمواد التعليمية الأخرى المتاحة للمقيمين في هذه المناطق باللغة الإنكليزية. إضافة إلى ذلك، يرغب عدد كبير من الإيرانيين المثقفين في الهجرة إلى البلدان الناطقة باللغة الإنكليزية، ما يجعلهم أكثر تقبّلاً للبث الإذاعي بشأن الولايات المتحدة ومنها".

ويقدم الكاتبان توصيات للحكومة الأميركية مفادها: "يجب أن يكون مجال التركيز الأكثر أهمية هو تطبيقات الهاتف المحمول ذات معدلات المشاركة الإيرانية العالية، مثل "إنستغرام" و"تلغرام" و"كلوب هاوس"، مع التركيز بشكل أقل على "تويتر" و"فيسبوك". ومع بروز تطبيقات ومنصات إعلامية جديدة في المستقبل، يجب أن تكون الحكومة الأميركية على استعداد للتكيف بسرعة، وعلى واشنطن تقليل عنصر التلفزيون الفارسي وإعادة تركيزه. وبدلاً من محاولة إرضاء جميع الناس بجميع البرامج، يجب أن تكون هذه البرامج متعلّقة حصريّاً بالولايات المتحدة وسياستها والمناقشات المتعلقة بالسياسة، ويجب أن يركّز أيّ محتوى ثقافي على تأكيد الاختلافات بين المجتمع الأميركي المفتوح والقيود الصارمة التي تفرضها الجمهورية الإسلامية".