إلعاد غورين حاكم غزة العسكري.. نسخة "بريمير" العراق
يثير طرح الاحتلال المتمثل بتعيين غورين حاكماً مدنياً لغزة، عدة تساؤلات بشأن فحوى هذا القرار وأبعاده، من ناحية الترتيبات الأمنية والسياسية للقطاع، وعمّا إذا كان ذلك مؤشراً حقيقياً على ما يشبه الانتداب على غزة.
في خطوة مشبوهة الأهداف والغايات لنيات الكيان الصهيوني، تمهيداً لإعادة إنتاج احتلال قطاع غزة، وفي ترجمة واضحة للمساعي الإسرائيلية لإيجاد بديل بعد فشل محاولات اختراق المجتمع الفلسطيني والتواصل مع قادة العشائر في غزة لتشكيل قوة أمنية فلسطينية تكون بمنزلة "هيكل حكم موقت" لإدارة القطاع، استحدث "الجيش" الإسرائيلي منصباً جديداً لفترة طويلة، تحت مسمى "رئيس الجهود الإنسانية - المدنية في القطاع".
العقيد إلعاد غورين، اسمٌ وقع الاختيار عليه لتولي هذا المنصب الجديد، بعد ترقيته إلى رتبة عميد، من أجل إدارة "الجوانب الإنسانية وتنسيق القضايا المدنية" في القطاع، في قرار رسمي غير معلن حتى الآن، وإن كانت الصحف العبرية كشفت عنه، ليكون بذلك تابعاً لمكتب منسق عمليات الحكومة في الأراضي الفلسطينية، والذي أُضيف "القطاع" إلى مهمّات عمله بعد "طوفان الأقصى"، بعد أن كان مقتصراً على الضفة الغربية المحتلة.
لا تعريف واضح لمنصب غورين "ضابط غزة الرئيس"، وهو الذي ترعرع في قيادة تنسيق أعمال حكومة الاحتلال في الأراضي المحتلة، لكن المؤكد أنه أول من سيتولى منصباً موازياً لرئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية المحتلة، العميد هشام إبراهيم.
إدارة "مدنية" جوهرها سياسي - عسكري
ترويج فكرة وجود حاكم عسكري في غزة، بذريعة المساعدات الإنسانية والإغاثة وإعادة ترميم البنى التحتية في القطاع المدمر بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر، أمر لا بد من الالتفات إليه.
فوفقاً للمخطط الإسرائيلي تم إيكال مهمات عدة إلى غورين لأداء دور محوري تحت غطاء المساعدات، منها التعامل مع القضايا التكتيكية اليومية في القطاع، كـنقل المعونات والتنسيق مع المؤسسات المعنية، والبحث في مشاريع إعادة بناء البنى التحية والإدارة الكاملة لمعبر رفح، ومتابعة عودة مليون نازح فلسطيني إلى شمالي القطاع، مروراً من نتساريم، وذلك بعد إجبارهم على النزوح إلى جنوبي غزة بأمر من جيش الاحتلال منذ بدء معركة طوفان الأقصى.
وما اختراع منصب حاكم مدني برتبة عسكرية سوى تطبيق عملي للسؤال الذي يدور داخل مؤسسات الاحتلال، وفي المحادثات الدولية، بشأن اليوم التالي للحرب، ومراوغة سياسية وأمنية خطيرة لتكريس مخططات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وتشكيل مؤسسة عسكرية لإدارة القطاع بصورة غير علنية، من جهة، ولاحتلال رفح عسكرياً بطرائق قسرية، من جهة أخرى، وخصوصاً أن إشراف غورين على المعبر بإدارة مستمرة من شأنها أن تؤدي إلى إعادة فرض الرقابة الدولية، على غرار الترتيبات التي كانت قائمة قبل انسحاب "إسرائيل" من قطاع غزة عام 2005.
معضلة جديدة في طريق المفاوضات ومخطط "ضم" ناعم
القرار الإسرائيلي، مع ما يدور في فلكه، يأتي اليوم بمعضلة جديدة وحجر عثرة أمام المفاوضات، ومحاولة للضغط على حركة حماس للانسحاب من المحادثات، وبالتالي تحميلها مسؤولية تعطلها. وبذلك يكون نتنياهو أغلق الباب أمام إمكان التوصل إلى اتفاق تهدئة، وخصوصاً مع تمسك الاحتلال بمحوري فيلادلفيا ونتساريم، تمهيداً لتثبيت مساعي "تل أبيب" لإعادة تجربة الحكم العسكري لغزة، لكن بصورة مدنية، مع إمكان استحداث مناصب أخرى لإدارة القطاع.
يقول، في هذا الخصوص، أمين السر للعلاقات في حركة الجهاد الاسلامي في لبنان هيثم أبو الغزلان، إن بقاء قوات الاحتلال في محوري نتساريم وفيلادلفيا وما يرافقه من مخططات لتقسيم القطاع والتحكم في حركة الغزيين بين مناطق شمالي قطاع غزة، على اعتبار أنه مسألة أمنية لـ"تل أبيب"، أمر ترفضه المقاومة الفلسطينية بشدة.
المخططات الاسرائيلية لا تقتصر على غزة فحسب. ففي الوقت، الذي يقود الاحتلال حرب إبادة في القطاع، يمارس حرب إلغاء في الضفة الغربية المحتلة، في مسعى منه لإفشال جهود إقامة الدولة الفلسطينية، والتي تشكل تهديداً وجودياً له. وما يجري اليوم في الضفة، إضافة إلى الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى المبارك، خير دليل على ذلك.
البحث عن الشرعية الدولية
أدرك الاحتلال أن البحث عن الشرعية الدولية لتخفيف الضغوط عليه وتقليلها، عامل مهم لمواصلة الحرب على قطاع غزة الصامد، فرأى في المساعدات الإنسانية مدخلاً، وفي تعيين غورين وما أوكل إليه من مهمات حلاً لكسب صمت المجتمع الدولي.
صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية قالت، في هذا الإطار، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي كبير، إن تعيين غورين اتُّخذ بهدف إعطاء الجيش شرعية لاستمرار العدوان على غزة من دون أن تتأثر الجوانب الإنسانية، كحدوث مجاعة أو أزمة إنسانية.
تقول الصحيفة أيضاً إن تعيين غورين في منصب جديد جاء لتقليل الضغوط الدولية على "إسرائيل"، واستعداداً لتنفيذ صفقة تبادل الأسرى، وإن الهدف من هذا التعيين، وفق "تل أبيب"، أن يكون غورين "حلقة وصل للأنشطة الإنسانية" في القطاع بالتنسيق مع المجتمع الدولي. وبذلك، يكسب، من جهة، صمت المجتمع الدولي المدعو إلى إعادة إعمار المنشآت المدنية التي دمرها الاحتلال في غزة، ومن جهة اخرى إزاحة حركة حماس، التي تؤكد أن مستقبل إدارة القطاع يقرره الشعب الفلسطيني فقط.
غورين "بريمير" العراق
أعادت خطوة تعيين غورين إلى الأذهان الخطوة المماثلة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأميركية قبل 21 عاماً، حين عيّنت بول بريمر، حاكماً مدنياً للعراق، بمهمة أساسية تتمثل بإعادة إعمار البلاد، وفقاً لأمر رئاسي أصدره الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، بعد نحو شهرين على إطاحة نظام الرئيس صدام حسين، والذي أصدر حينها، على مدار عام، عشرات القرارات الخاطئة، وكانت ترجمة لمطامع الإدارة الأميركية على الأرض.
اليوم، يثير طرح الاحتلال المتمثل بتعيين غورين حاكماً مدنياً لغزة، عدة تساؤلات بشأن فحوى هذا القرار وأبعاده، من ناحية الترتيبات الأمنية والسياسية للقطاع، وعمّا إذا كان ذلك مؤشراً حقيقياً على ما يشبه الانتداب على غزة، ولاسيما بعد حديث رئيس الأركان الأسبق لدى الاحتلال، غادي آيزنكوت، عن أن خطة نتنياهو الخفية هي احتلال قطاع غزة وفرض حكم عسكري عليه، وهو ما لن تقبله المقاومة الفلسطينية.