أوكرانيا تحاول مهاجمة روسيا.. ماذا في الأبعاد؟
الخطوة الانتحارية من جانب أوكرانيا أعطت كييف إنجازاً معنوياً مكلفاً، وستتكرر، ليس ضد روسيا فقط، بل ضد بيلاروسيا أيضاً، لكنها لن تكون قادرة على تغيير مسار هذه الحرب.
الوضع في الجبهة الروسية الأوكرانية غريب في كل يوم تفقد أوكرانيا عدة مواقع، وتتعرض لهزائم كبيرة في اتجاه دونيتسك، وهي على وشك أن تفقد بوكروفسك، آخر محطة لتعدين الفحم.
وبعد ذلك ستُضطر إلى شراء الفحم من دول أخرى. يمكن القول إن المبادرة على خط الجبهة بأكملها في يد الجيش الروسي، والتقدم ليس سريعاً، ولكنه أكثر ثقة وثباتاً.
في ظل هذه الخلفية، يبدو تحرك زيلينسكي لمهاجمة الأراضي الروسية في كورسك غريباً جداً، فلقد حشدت كييف قوات كبيرة، وعدداً كبيراً من المدرعات والدفاع الجوي لهذه العملية. من المنطقي أن نفترض أن كل هذه الموارد يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة على خط الجبهة، بحيث يعاني جيش كييف فعلاً نقصاً شديداً في عدد القوات والتجهيزات اللازمة للدفاع.
لكنّ زيلينسكي، ورعاته الغربيين، على خلفية كل الخسائر والإخفاقات، يحتاجون إلى انتصار صغير وملوّن وسريع، لأن هذه هي الفرصة الأخيرة للحصول على أموال جديدة لأوكرانيا، وفي أميركا انتخابات قريبة ويحتاجون إلى أن يُظهروا أن الأموال التي أنفقت لم تذهب سدى، وبالطبع للتسبب بمضايقات جديدة لروسيا رداً على دعمها إيران، التي تسعى للرد على "إسرائيل"، في ظل وضع غير مريح للأميركيين حالياً في هذا الصراع الكبير الجديد في الشرق الأوسط، والضغط على إيران للتفاوض، من منطلق ضعيف.
الأخبار عن الطائرات، التي تم ترويجها منذ فترة طويلة، انتهت إلى 10 طائرات أف 16، تم تسليمها إلى أوكرانيا الأسبوع الماضي. روسيا تلقّت هذا الخبر بهدوء. طيارو الجيش الروسي يتطلعون بشغف إلى خوض المعركة الجوية الأولى، لأنه، في مقابل أول مقاتلة أميركية يتم إسقاطها، سيحصل الرابح من الطيارين الروس على نحو 200 ألف دولار، كما أنه في مقابل أول دبابة أبرامز تم تدميرها دُفعت 60 ألف دولار.
في هذا الواقع، احتاج زيلينسكي إلى عملية رفيعة المستوى. وفي الـ 6 من آب/أغسطس بدأت عند الحدود الروسية. دخل الجيش الأوكراني منطقة كورسك، وتمكن في اليوم الأول من التقدم 15 كيلومتراً في عمق الأراضي الروسية. تم الكشف عن خطط كييف حتى قبل الغزو، وبدأ تدمير القوافل بالصواريخ والطائرات في الأراضي الأوكرانية.
لم يكن لدى روسيا عدد كبير من القوات في هذه المنطقة، فهناك مجموعات صغيرة يجب أن تعوّق العدو حتى تقترب القوات الرئيسة. أُنجزت هذه المهمة بالكامل في اليوم الأول من الاشتباك، بحيث خسرت كييف أكثر من 100 قتيل و300 جريح ونحو 100 قطعة من المعدات. هذه الخسائر لم توقف كييف. فمن المهم جداً بالنسبة إليها أن تكون صورتها جميلة في الـ7 من آب/أغسطس. على الرغم من الخسائر الفادحة، فإن الغزو لم ينتهِ، واستمر الجيش الأوكراني، عبر احتياطيات جديدة، في محاولة التقدم في عمق الأراضي الروسية. ووفقاً لمصادر متعددة تمركز ما يصل إلى 2000 جندي من الجيش الأوكراني في شبكة نتسا.
كانت هذه القبضة الضاربة القوية ضرورية لكييف لاختراق الدفاعات بسرعة واجتياز مسافة 60 كيلومتراً، بحيث خططوا من أجل الاستيلاء على محطة الطاقة النووية في كورسك، الأمر الذي كان سيمنحهم صورة جيدة أمام العالم، وموقفاً تفاوضياً قوياً مع بوتين. تم إحباط هذه الخطة، على الرغم من صعوبة الموقف، لكن بحلول مساء اليوم الثاني، لم يتمكن الجيش الأوكراني من التقدم في عمق الأراضي، إذ اقتربت بالفعل قوات كبيرة من الجيش الروسي، وكان من المفترض أن تقوم هذه القوات بمحاصرة العدو عند الحدود، ثم التوغل داخل الأراضي الأوكرانية.
لا شك في أن هذه الخطوة الانتحارية من جانب أوكرانيا أعطت كييف إنجازاً معنوياً مكلفاً، وستتكرر، ليس ضد روسيا فقط، بل ضد بيلاروسيا أيضاً، لكنها لن تكون قادرة على تغيير مسار هذه الحرب. في خطاب فلاديمير بوتين بشأن قضية كورسك، كان هادئاً وأوضح أنه يعرف الوضع. ومهما تكن صعوبتة، فلا داعي للذعر، وعلينا أن نواصل تنفيذ مهماتنا.