جرائم "إسرائيل" تشعل التوتر بين موظفي ورؤساء شركات التكنولوجيا الكبرى

دعم الشركات الأميركية للإرهاب الإسرائيلي، ليس بالأمر الغريب، فهي لطالما كانت وما زالت تمدّه بكل أسباب القوة المالية والاقتصادية والعسكرية، رغم معرفتها بـ الفظائع والمجازر وجرائم الحرب التي يرتكبها هذه الكيان في غزة وغيرها.

  • جرائم
    رؤساء شركات التكنولوجيا لا يلتفتون إلى مجازر العدو بحق الأطفال

بينما يراقب العالم ارتفاع أعداد الشهداء الفلسطينيين الذين تحوّلوا الى مجرد أرقام في عداد ما يسمى بالدول الديمقراطية الداعمة للإرهاب الإسرائيلي، انتقلت التوترات بشأن العدوان  في غزة، وما سبقه من عملية طوفان الاقصى،  إلى داخل جدران عالم الشركات الأميركية خصوصاً، التكنولوجية العملاقة منها، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع "إسرائيل"، ووصلت بالتالي إلى حدّ الغليان.

زدّ على ذلك، إن عدداً يعتدّ به من الأشخاص – بما في ذلك طالب قانون، وطيار، ومؤثر محتوى للبالغين، وأصحاب شركات، وموظفين– في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، فقدوا وظائفهم، أو واجهوا تأديباً أو رد فعل عنيفاً، بسبب منشوراتهم عبر الإنترنت التي تنتقد العدو.  

 ماذا يحصل داخل الشركات الاميركية؟

 في الوقت الذي أدلى العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين في تلك الشركات بتصريحات علنية لدعم "إسرائيل" بعد عملية طوفان الاقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بدأ بعض الموظفين الأميركيين في الضغط على  إداراتهم، للإدلاء بمواقف مماثلة، حول مقتل الفلسطينيين في أعقاب المجازر الاسرائيلية في غزة.

وفي حين دفع الموظفون في شركات مثل "جوجل" و "أمازون" مسؤوليهم إلى اتخاذ موقف سياسي عام من  الجرائم الإسرائيلية في غزة، أشار بعضهم إلى أن الدعوات لوقف إطلاق النار، خضعت للرقابة غير العادلة والجدل المثير.  

أما سبب هذا التوتر، فيعود إلى أن غالبية قطاعات التكنولوجيا والمالية والعلوم والطاقة في الولايات المتحدة، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بـ "إسرائيل"، بل ان بعضهم لا يجد حرجاً في دعم حربها الدموية على القطاع، خصوصاً وأن شركات كبيرة مثل "أمازون" و"ميتا" و"جوجل" تمتلك مكاتب فيها، وتوظف آلاف الأشخاص هناك، وقد تم استدعاء بعضهم كجنود احتياطيين للقتال في جيش  الاحتلال الإسرائيلي.

إضافة الى ذلك، فإن سيطرة اللوبي الإسرائيلي على المفاتيح المالية والاقتصادية في الولايات المتحدة، يدفع بالشركات الاميركية إلى مواقف متناقضة تأخذ بالاعتبار المصلحة الإسرائيلية أولاً.  ولهذا واجهت شركة ماكدونالدز، دوامة من التوتر وسط ردود الفعل المتضاربة من أصحاب الامتيازات التابعة لها.

ففي حين قدمت إحداها في "إسرائيل" وجبات مجانية لأفراد جيش الإسرائيلي، أدلى الفرع الماليزي لماكدونالدز بتصريحات أشار فيها إلى أنها "مملوكة للمسلمين بنسبة 100٪" وتبرعت بالمال للمساعدات الإنسانية في غزة.

وما هي أسباب التوتر بين الموظفين ورؤسائهم في الشركات العملاقة؟

 في الواقع، يتعامل الموظفون الأميركيون، مع الحرب على غزة،  انطلاقاً من أنها قضية حساسة وشخصية بشكلٍ خاص. فالعمال الأميركيون، خصوصا الأجيال الشابة، يتوقعون على نحوٍ متزايد أن يتخذ أصحاب العمل مواقف سياسية.

من هنا، وبعد 3 ايام من عملية "طوفان الاقصى، غرّد الرئيس التنفيذي "لشركة غوغل"، ساندر بيتشاي، قائلاً إنه "يشعر بحزن عميق بسبب الهجمات الإرهابية على "إسرائيل" والصراع المتصاعد الجاري"، مضيفاً أنه "لا يمكن تصوّر ما  يعانيه موظفو الشركة في "إسرائيل".

ومع بدء "إسرائيل" عدوانها على غزة –الهجوم الذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من 8000 شهيد، وفقاً لمسؤولين فلسطينيين – أصبح بعض موظفي جوجل يشعرون بالفزع بشكل متزايد لأن الشركة لم تصدر أي بيان، بشأن الخسائر في أرواح الفلسطينيين.

 كما ان ساندر بيتشاي وقيادة جوجل، التزموا بشكلٍ عام الصمت علناً بشأن الإبادة الجماعية التي تتكشف، معبرين عن مخاوف عامة بشأن الإسرائيليين ولكنهم لم يقولوا شيئاً عن الفلسطينيين.  

والأنكى، إن كل فعله بيتشاي داخلياً، أنه أعرب بهدوء عن تعاطف جوجل مع المجتمعات الفلسطينية والعربية والمسلمة، غير أنه لم يقدّم أي بيانات عامة عن التضامن أو التأييد.

والمثير أنه وجّه كلامه من خلال بريده الإلكتروني، بحيث جرى نشر على مدونة جوجل فقط،  وامتنع عن الإدلاء بتصريحات عامة حول الفلسطينيين حتى الآن.

 في المقابل، أشعلت الحرب على غزة من جديد وبقوة، قضية عقد الحوسبة السحابية الذي أبرمته الشركة مع "إسرائيل" والذي يسمى "مشروع نيمبوس" ، وكان عارضه (منذ العام 2022)  المئات من الموظفين . ولهذا بادروا، في 18 الجاري، إلى توزيع عريضة تطالب بإلغاء الصفقة، وطالبوا بيتشاي بالإدلاء ببيان علنيّ بشأن الفلسطينيين.

ودعت العريضة بيتشاي ورئيس قسم السحابة في "جوجل"، توماس كوريان،  الى إدانة الإجراءات الإسرائيلية علنًا، وشدد موقعو العريضة على: "أي شيء أقل من ذلك هو إذعان وتواطؤ".

وتعقيباً على ذلك، قال أحد الموظفين المشاركين في تنظيم العريضة،  (تحدّث للواشنطن بوست بشرط عدم الكشف عن هويته لحماية وظيفته)  إن أكثر من 500 موظف وقعوا عليها. كما وصف الهجوم الإسرائيلي على غزة بأنه "إبادة جماعية"،  وكشف انه من خلال "تزويد "إسرائيل" بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الأخرى، فإن جوجل متواطئة في المراقبة الجماعية التي تمكن من احتلال الفلسطينيين واخضاعهم".

وليس بعيداً عن ذلك، يشعر الموظفون في شركة أمازون، لاسيما أعضاء مجموعة موارد الموظفين العرب، بالإحباط بشكل متزايد بسبب استجابة الشركة لدعم "إسرائيل" - أو عدم وجودها وغيابها عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.  ومثل غوغل، أبرمت أمازون عقداً مع الحكومة الإسرائيلية، ما دفع بعض موظفيها  إلى الضغط على الشركة لإسقاطه من خلال الاحتجاج والإدانات العامة.

 وعلى خطى رئيس "جوجل" أيضاً، وبعد هجوم حماس على مستوطنات غلاف عزة، أرسل الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، آندي جاسي، رسالة بريد إلكتروني إلى الموظفين في "إسرائيل" يشارك فيها دعمه لهم.

 لكن على المقلب الآخر، تجاهل  جاسي المجازر في غزة، ولم يتم إرسال أي بريد إلكتروني إلى الموظفين الفلسطينيين في الولايات المتحدة أو في الخارج، ما أثار الذعر بين حوالى 2000 عضو في مجموعة الموظفين العرب. 

 لماذا تساند الشركات الأميركية العملاقة "إسرائيل"؟ 

كان جيفري سونينفيلد، العميد المشارك الأول لدراسات القيادة في كلية ييل للإدارة، يتتبع ردود أفعال الشركات تجاه هجوم حماس على "إسرائيل".  وتحدث مع ما يقرب من 150 شركة لمعرفة موقفها ــ بما في ذلك الأسماء الكبيرة مثل وول مارت، وفايزر، وجي بي مورجان، وديزني، وسيلزفورس، وستاربكس ـــ  من هجمات حماس ومعاداة السامية، أو للتعبير عن التضامن والدعم لـ "إسرائيل". 

وخلص سونينفيلد، إلى القول إن أحد العوامل التي تبسط حسابات العلاقات العامة للشركات في هذا الوضع هو أنه "لا توجد شركة واحدة من هذه الشركات تقوم بأعمال بقيمة دولار واحد في غزة. لذا لا داعي للقلق بشأن الإساءة للموظفين هناك."

ماذا عن ترهيب الموظفين المناصرين لغزة؟ 

 في الحقيقة، واجه المسؤولون التنفيذيون في مجال التكنولوجيا الذين اختاروا التحدث علنًا عن دعمهم لغزة عواقب وضررا بالغ الاثر. وفي هذا الصدد أعلن بادي كوسغريف، المؤسس الأيرلندي لقمة الويب لمؤتمر التكنولوجيا الشهير، استقالته  في 21 الجاري، بعد انسحاب شركات التكنولوجيا الكبرى بما في ذلك "ميتا" و"غوغل" وإنتل"، من الحدث بسبب تعليقاته بشأن "إسرائيل"، والتي وصف فيها بتغريدة بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول، الهجوم الإسرائيلي على غزة بأنه "جريمة حرب".

 الأسوأ بالرغم انه أدان في وقت لاحق هجوم حماس، ونشر في 7 أكتوبر/تشرين الأول اعتذاراً علنياً عن تصريحاته على الموقع الإلكتروني لقمة الويب، إلا أن موقفه استمر في إثارة الغضب.

 ولهذه الغاية، غرد ديفيد ماركوس، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين السابقين في ميتا والذي يدير الآن شركة ناشئة للمدفوعات، وتوجه الى كوسغريف بالقول : "لقد اخترت دعم الإرهابيين.. على هذا النحو، لن أحضر أبدًا أو أرعى أو أتحدّث في أي من الأحداث الخاصة بك مرة أخرى".

 وفي السياق ذاته،  صُدِم مصمم في شركة جوجل مقيم في كاليفورنيا ومعه مئات الأشخاص عندما وجدوا  انفسهم في قائمة عامة تم توزيعها  في منتصف الشهر الحالي، تضم "موظفين مناهضين لإسرائيل" قاموا بنشر منشورات "يحتمل أن تدعم الإرهاب" على وسائل التواصل الاجتماعي.

 وبموازاة ذلك، نشرت موظفة، مقطع فيديو لنفسها وهي تغني على موقع LinkedIn فيما وصفته بأنه "تحية صادقة لإخواني الفلسطينيين والأطفال الأبرياء الذين فقدوا حياتهم بشكل مأساوي بسبب القصف الإسرائيلي المستمر".

وفي غضون أيام قليلة، تم نشر منشورها واسمها الكامل مع صاحب عملها، على الموقع الإلكتروني، الذي أنشأه مهندس برمجيات في تل أبيب.

 علاوة على ذلك، رد أحد الأشخاص على منشورها على موقع LinkedIn بتعليق قال فيه: "إن دعمك للإرهاب تتم مراقبته وتسجيله... حظًا موفقًا في العثور على وظيفة في المستقبل."

 في المحصلة، إن دعم الشركات الأميركية للإرهاب الإسرائيلي، ليس بالأمر الغريب، فهي لطالما كانت وما زالت تمدّه بكل أسباب القوة المالية والاقتصادية والعسكرية، رغم معرفتها بـ الفظائع والمجازر وجرائم الحرب التي يرتكبها هذه الكيان،  وبالتالي تعتبر شريكة أساسية في "حفلة القتل" القائمة في غزة حالياً.