مشروع لبناني لتبريد معرض بغداد ضمن مسابقة عالمية
الطالب المميّز ينفّذ فكرة التهوئة مستلهماً الجنائن المعلّقة في بابل، بمجسّمات تعطي أول طبقة للشرفات التي ستحدث تفاعلات خارجية، لأن "البافيون" المطلوب كان يشترط أماكن خارجية أو سوقاً تتيح أعمالاً ونشاطات من الخارج،
حلّ الطالب اللبناني أسامة سليمان بين العشرين الأوائل في المسابقة الدولية للهندسة تحت عنوان "جناح العراق لمعرض عالمي" (Iraq Pavilion for a Global Exposition) في أرض المعارض الدولية في بغداد، من بين 188 متسابقاً، من 34 دولة، وحلّ أولاً من بين مشاركي الجامعات اللبنانية في المسابقة.
المسابقة أطلقتها جائزة "ديوان للعمارة والمهندسين" المنبثقة عن جائزة تميّز" (Tamayoz Award) بنسختها السابعة 2024، وتشكّلت لها لجنة تحكيم دولية.
أمّا سليمان، فهو طالب سنة خامسة في الهندسة المعمارية في الفرع الثالث لكلية الفنون والعمارة في الجامعة اللبنانية.
سليمان تميّز بين المشاركين
وتنناول مدير الفرع الثالث للكلية (طرابلس شمال لبنان) الدكتور عصام عبيد، فكرة الجائزة وخلفيّاتها قائلاً لــ "الميادين نت" "منذ استلامنا موجز الجائزة، عمدت إدارة الكلية، وقسم الهندسة المعمارية إلى التواصل مع الطلاب، وحثّهم على المشاركة، موضحة لهم معاني المسابقة وأهميتها، مع إرشادات للبحث والتصميم"، لافتاً إلى أنّ المشاركات كانت ضمن مجموعات -من 5 أو 6 مشاركين- بينما خاض الطالب سليمان المسابقة منفرداً".
ولفت عبيد إلى "تميّز سليمان بأنه الأول بين المشاركين لبنانياً، حيث شاركت عدة جامعات لبنانية بالمسابقة"، وقال إن الحائزين على المراتب الثلاثة الأولى كانوا من كبريات الشركات العالمية، ولذلك أهمية ومفارقة لأنّ "جهد فرد يختلف عن جهد مجموعة، خصوصاً في حال الانضواء في مؤسسات كبيرة من شأنها أن تؤمن لهم الإمكانات المادية، والمعنوية، والداتا، والأبحاث، والمعلومات".
فكرة المسابقة، عادة، يلجأ إليها مهتمون بتطوير مشاريع تتعلق بالشأن العام، فالمعروف في دول العالم، بحسب عبيد، أنهم عندما يقرّرون إنشاء مشاريع لها علاقة بالشأن العامّ، يقيمون مسابقة من شأنها أن تقدّم لهم خيارات واسعة، يمكنها أن تعبّر عن وجه البلد الثقافي والحضاري.
أسبوع واحد فقط!
ونوّه عبيد أنها "ليست المرة الأولى التي تشارك فيها كليتنا بمسابقات عالمية من هذا النوع، وقد نال طلابنا جوائز هامة في العديد من المرات".
وقال الطالب سليمان سنة خامسة هندسة معمارية لـ "الميادين نت" إنه عندما تقرّر مشاركته في المسابقة، كان أمامه أسبوع واحد لإنجاز المشروع، وذلك بسبب ظروف الحرب، ولذلك انكبّ على العمل فيه في بلدته عاصون- شمال لبنان، وتمكّن من إنجازه في الفترة المطلوبة.
ويشرح أن الفكرة كانت إيجاد حل لمشكلة اجتماعية في بغداد من خلال التصميم، والمشكلة الأكثر أهمية هناك هي ارتفاع درجة الحرارة إلى مستويات عالية، وقال إنه انطلق بالفكرة بقناعة أن لا يستخدم التقنيات الحديثة المكلفة، بل فضّل استلهام الأساليب التقليدية التي اتبّعها العراقيون القدماء المعروفون بعراقتهم، وتطورهم الحضاري، وتنوّع أساليبهم، وعمارتهم المحلية.
فكرة حدائق بابل المعلّقة!
كانت أولى التجارب التي يمكن الاستناد إليها هي حدائق بابل المعلقة، التي تتميز بطريقة تصميمها، والبناء بين الخضار، والمياه المتوافرة بكثرة، حتى على ارتفاعات عالية جداً، كما قال، مضيفاً أن "اختبرت كيف تمكنوا من دمج الطبيعة الخضراء والماء في عمارتهم، واستلهمت منها فكرة التهوئة الملائمة لمناخ البلد وأدخلتها في التصميم الخارجي لمشروعي".
اقرأ أيضاً: فوق بيروت.. الميادين نت يواكب الطفل الذي أذهل مدربي الطيران!
بالإضافة لذلك، هناك نظام التهوئة في جوامع بغداد، حيث كان الجامع يعتمد على الفناء الداخلي لتأدية وظيفة التهوئة والتبريد بآلية تصريف الهواء الساخن حيث كان يدخل الهواء البارد، فترتفع حرارته داخل الفناء، ومن الطبيعي أن يرتفع إلى أعلى فضاء الجامع، ومنه يتم تصريفه عبر منافذ علوية، ليتيح المجال لدخول البارد من الأسفل. وبذلك كان الفناء الداخلي يؤدي دوراً هاماً في التهوئة والتبريد.
وقال: استعملت مفهومهم في تصميمي، وطبّقته في المشروع، بطريقة محدّثة، تضيف إلى وظيفتها السابقة عناصر أخرى، وبعد أن حدّدت المفهوم، أبعدت المجسّمات عن بعضها البعض، فتوافرت لي ممرات لها وظائف متعددة، منها توافر منافذ الخروج في الحالات الطارئة كالحرائق وما شابه، مع الحفاظ على دورها في تنظيم الهواء وتناوب البارد والساخن للتخلص من الحرارة الشديدة.
فكرة الأسواق القديمة
هذه الممرات، تترك ظلالاً من بعضها على بعضها الآخر استناداً إلى فكرة الأسواق القديمة الضيقة المعابر، وبذلك يتأمّن تظليل قوي للمجسمات في المشروع.
استكمالاً للفكرة، يقول سليمان، رفعت مستوى المعرض مستخدماً التصميم الدائري الذي يعكس الحقبة الذهبية لبغداد، أي زمن الازدهار البابلي الحضاري، فالشكل الدائري الذي اعتمده البابليون في تصاميمهم، استفدت منه في المستوى العالي حيث يؤمن لي درجة رؤية تتراوح بين 30 و60 درجة للمدينة وللمعرض، فحقّقت بذلك أحد أهم أهداف المشروع، كما فتحت 30 درجة على الفناء الداخلي واستكملت عملية تصريف الهواء الساخن من الفناء الداخلي.
اقرأ أيضاً: "شباب الشرق الأوسط: جيل يترقب ووعود لا تتحقق"
نفّذ سليمان فكرة التهوئة مستلهماً الجنائن المعلّقة، بمجسّمات تعطي أول طبقة للشرفات التي ستحدث تفاعلات خارجية، لأنّ "البافيون" المطلوب كان يشترط أماكن خارجية أو سوقاً تتيح أعمالاً ونشاطات من الخارج، كما قال، موضحاً إنه وفّر هذا الشرط، والطبقة التالية كانت طبقة خضراء وظيفتها تصفية وتنقية الهواء قبل دخوله الممرات الضيقة لكي يتمّ تبريد الجو في الداخل.