عزل "إسرائيل" من الرياضة.. اليوم وليس غداً
كيانٌ أقلّ ما يمكن قوله عنه إنه لا يقيم وزناً لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، ضارباً بعرض الحائط جميع قوانين المجتمع الدولي. السؤال إلى متى سيستمرّ الجسم الرياضي العالمي في التغاضي عن صرخات غزة والجرائم التي يرتكبها الاحتلال؟
لطالما تغنّت الرياضات العالمية بالروح النبيلة والقيم والمبادئ والنزاهة. اليوم، وبعد مرور أكثر من 8 أشهر، وجدت نفسها مجبرة على مواجهة الحقيقة المرّة: عزل كيان محتلّ أقلّ ما يمكن قوله عنه إنه لا يقيم وزناً لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، ضارباً بعرض الحائط جميع قوانين المجتمع الدولي، أصبح ضرورة ملحة.
التواطؤ والنفاق من قبل الدول والمنظمات الرياضية في التغاضي عن هذه الجرائم يضع مصداقية الرياضة العالمية على المحك. فإلى متى سيستمر الجسم الرياضي العالمي في التغاضي عن صرخات غزة.
طالب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، في مطلع شهر أيار/مايو الجاري، خلال نقاش الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال الكونغرس الـ74 لاتحاداته، في العاصمة التايلاندية بانكوك، بتعليق عضوية الاحتلال الإسرائيلي "فوراً" في الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهذا الطلب لاقى دعماً كبيراً.
اقرأ أيضاً.. يوم طردنا "إسرائيل" من كأس آسيا.. المواجهة في كلّ الساحات
وطالب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، جبريل الرجوب، "الفيفا" بتحرّك فوري وصارم ضدّ "إسرائيل" كما فعلت في حروب سابقة، من خلال تعيين لجنة من "الفيفا" لوضع عقوبات على "الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم".
هذه المطالب تأتي في ظلّ استمرار الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والرياضة الفلسطينية، حيث قال الرجوب "على الرياضة أن تكون وسيلة لتحقيق العدالة ومنع استغلالها للتغطية على الجرائم".
وتضمّن مشروع القرار الفلسطيني نقطتين أساسيتين: الأولى تنصّ على توفير كلّ الظروف الإيجابية والقدرات للاتحاد الفلسطيني للعمل على تطوير الرياضة ونشرها في كلّ أراضي دولة فلسطين؛ الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة، وضمان حقّ الفلسطينيين في تطوير الرياضة وفق القوانين والأنظمة واللوائح في الفيفا.
اقرأ أيضاً.. الاتحاد الفلسطيني يطالب بتعليق عضوية "إسرائيل" في اتحاد "الفيفا"
والنقطة الثانية تتناول الجرائم التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني، والتي طالت أيضاً الكوادر الرياضية، مما يعزّز ضرورة اتخاذ موقف حازم وعادل ضد هذه الانتهاكات المستمرة بحسب الرجوب.
ومع ذلك، أبدى رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني إنفانتينو، في بانكوك، موقفاً بإعلانه عن عقد اجتماع استثنائي لمجلسه قبل 20 تموز/يوليو المقبل "للتحليل واتخاذ قرارات" بشأن طلب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بتعليق عضوية "الاتحاد الإسرائيلي" بشكل فوري، وبدلاً من اتخاذ موقف حازم وفوري، أكد إنفانتينو أن القرار في هذا الشأن متروك للمجلس، وأعلن عن إنشاء لجنة استشارية خارجية لدراسة المقترحات التي قدّمها الاتحاد الفلسطيني.
هذه الخطوة التي تقف في وجه تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني من بوابة الرياضة، تطرح تساؤلات حول جدية "الفيفا" في مواجهة الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين، مما يتيح الفرصة للمماطلة بدلاً من اتخاذ إجراءات فورية.
كرة القدم في فلسطين.. ما قبل السابع من أكتوبر
تاريخياً، عملت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على العرقلة بشكل ممنهج لتطوير البنية التحتية الرياضية في فلسطين المحتلة، بما في ذلك منع تشييد الملاعب وتدمير البنية التحتية الموجودة. وتقييد حركة اللاعبين والإداريين والصحافيين داخل وخارج فلسطين، وتأخير الشحنات الرياضية ومنع أو تأخير استلام الشحنات المرسلة من الفيفا والاتحادات الرياضية الأخرى.
وتدخّل دائماً الاحتلال في تنظيم اللقاءات الكروية الودية بين المنتخب الفلسطيني وغيره من الدول، ما منع إقامة العديد منها. واستمرّ في انتهاك ما يسمّى حقوق الإنسان عبر اعتقال الرياضيين وخطفهم من دون سبب.
ومن أبرز الممارسات القمعية للاحتلال، منع اللاعبين من التنقّل بحرية بين الضفة الغربية وقطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك، يخضع التصريح لفترة محدّدة ويتطلّب إجراءات تجديد تزيد من معاناة الرياضيين.
على مرّ السنين، لم يتمكّن رياضيو غزة من السفر إلى الخارج للمشاركة في المسابقات الرياضية الدولية، بسبب عدة عقبات، أبرزها منع نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية من السفر على الإطلاق.
ما بعد السابع من أكتوبر
وفقًا لإحصائية نشرها الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر الماضي 256 رياضياً فلسطينياً، بينهم 42 طفلاً، وأصيب 8 آخرون، 7 منهم في قطاع غزة وواحد في الضفة. كما تمّ اعتقال 11 رياضياً في الضفة الغربية وعدد غير معروف في غزة، بالإضافة إلى تدمير 45 منشأة رياضية، 38 منها في قطاع غزة و7 في الضفة.
الفيفا وسياسة الكيل بمكيالين
في بداية ستينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من غياب وسائل الإعلام المتطورة ووسائل التواصل الاجتماعي، استطاعت اتحادات الرياضة العالمية على رأسها الفيفا واليويفا، رؤية حجم الفصل العنصري الحاصل في جنوب أفريقيا، وسارعت إلى حظرها حينها.
وفي مطلع التسعينيات من القرن نفسه أيضاً، تمكّن "الفيفا" من ملاحظة ما قالت عنه "الاستخدام المفرط للقوة من قبل الصرب ضد الألبان" خلال فترة الحرب التي أدّت لاحقاً إلى تفكّك يوغوسلافيا، وطُردت صربيا قبل 10 أيام من بطولة أمم أوروبا عام 1992 كجزء من عقوبات الأمم المتحدة على يوغوسلافيا.
في عام 2022، لم تكن الفيفا ولا اليويفا بحاجة إلى "عقد اجتماع استثنائي لمجلسيهما" أو "إنشاء لجنة استشارية خارجية" لفرض العقوبات على روسيا وعزلها رياضياً، بسبب قرارها بدء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا.
واليوم، جميع أعضاء الفيفا، بدءاً من موظفي الاستقبال داخل حرم الاتحاد وصولاً إلى رئيسه جياني إنفانتينو، يشاهدون ما يجري في قطاع غزة عبر هواتفهم أو حتى شاشات التلفزة، خلال الأشهر الثمانية للعدوان، وما جرى من حرق وقتل الفلسطينيين في غزة ومنذ 1948. جميع هذه الأرقام والمشاهد والدلائل ما زالت بحاجة إلى الاستعانة بـ "لجان استشارية خارجية" كي تستطيع الفيفا طرد "إسرائيل" وعزلها رياضياً.