الحياة ما بعد التراب.. حلم نجوم السنغال اللامعة
السنغال أصبحت واحدة من البلدان الأفريقية اللامعة في عالم كرة القدم، وهي من البلدان التي يحلم شبابها بالخروج من الظلمات إلى النور من بوابة اللعبة الشعبية.
لم ينسَ السنغاليون يوم رُفع العلم ثلاثي الألوان تتوسطه النجمة فوق علم فرنسا في مونديال 2002، يومها سجل الراحل بابا ديوب هدف الانتصار للسنغال على منتخب "الديوك" في افتتاح بطولة كأس العالم كوريا واليابان.
لم يكن ذلك الانتصار مجرد فوز فوق "المستطيل الأخضر"، لم يكن ذلك فوزاً بعد 90 دقيقة من كرة القدم، بل كان بالنسبة إلى السنغاليين فوزاً للحرية ضد الاضطهاد، كان فوزاً للاستقلال ضد الاستعمار، كان فوزاً تحت عنوان "أفريقيا قادرة".
وبعد سنوات، عادت السنغال إلى كأس العالم في روسيا 2018، وشاركت في مونديال قطر 2022، عاد الأمل وحققت السنغال لقب بطولة أفريقيا في العام 2021، زئير "أسود التيرانغا" بات مدوياً، صوت كرة القدم بات عالياً.
بطبيعة الحال، عندما تشاهد شغف الأفارقة بكرة القدم، عليك أن تركب نسراً يحلق في سماء "القارة السمراء" لتشاهد كيف يخرجون من المعاناة والفقر إلى الحرية والنجومية، يهاجرون في مراكب ويصلون إلى أوروبا ويصبح اسمهم لامعاً، واللافت في السنوات الأخيرة أن نسبة كبيرة من اللاعبين الأفارقة باتوا يفضلون تمثيل منتخبات بلادهم الأصلية على البلدان الأوروبية، حيث سيمنحهم الجمهور كامل القدسية والتعلق.
رحلة إلى داكار
بعد أسبوعين من الأحاديث في مجموعة عبر تطبيق "واتس آب"، ستنطلق "مباراة Match of Ze day، إذ تمكن الشيخ ثيام وأصدقاؤه أخيراً من جمع مبلغ 35 ألف فرنك أفريقي (53 يورو) المطلوب لحجز ملعب صغير لكرة القدم الاصطناعية.
وكان من الصعب الحصول على هذا المبلغ بالنسبة إلى عشاق كرة القدم الـ 14، الذين ما زالوا في معظمهم يدرسون أو عاطلين من العمل، فدفع كل فرد بحسب إمكانياته، 2500 فرنك أفريقي (نحو 4 يورو) و5000 فرنك أفريقي (7.5 يورو)، لكن بالنسبة لهم اللعب على العشب الصناعي يستحق ذلك.
في السنغال، يرغب العديد من الشباب في ممارسة رياضتهم المفضلة على العشب الصناعي، ويجدون أنه أسهل للعب عليه من الملاعب الرملية التقليدية التي اعتادوا عليها.
تم بناء العشرات من الملاعب الصناعية في داكار خلال السنوات الخمس الماضية. ويتدفق عليها الشباب السنغالي. هبة من السماء لأصحاب المشاريع الخاصة، الذين يشارك المزيد والمزيد منهم في هذا الاستثمار المربح.
ويفسر شيخ هذا الهوس بـ "الرغبة في اكتشاف" المواد المستوردة عادة من الصين. ويقول: "لقد نشأ الكثير منا وهم يلعبون على ملاعب رملية فقط".
ويرجع ذلك أيضاً إلى ندرة الأماكن المخصصة للعب كرة القدم، والتي يصعب العثور عليها بشكل متزايد في داكار بسبب الضغط العالي في المدينة، بالإضافة إلى ندرة الأماكن للعب كرة القدم، والتي يصعب العثور عليها بشكل متزايد في داكار بسبب الأراضي القوية والضغط الديموغرافي.
الملعب الذي يرتاده شيخ والأصدقاء أطلق عليه اسم "كامب نو"، تيمناً باسم ملعب برشلونة الإسباني، هناك يمكنك أن تسمع صيحات الفرح والاحتجاج أو التوبيخ، يمكنك أن تشعر بحرارة الشمس وبشغف السنغاليين بكرة القدم.
يعد هذا الملعب الصناعي الذي يبلغ طوله نحو 30 متراً والمحاط بشبكات عالية، واحداً من 3 ملاعب رياضية في المجمع الرياضي Temple du Foot الواقع بين منازل أحد أحياء داكار المزدحمة.
ما بين الرمل والعشب الصناعي.. حلم واحد
في زاوية أخرى، يوجد ملعب أطلق عليه اسم "أولد ترافورد"، تيمناً باسم ملعب مانشستر يونايتد الإنكليزي، وهناك يكافح محمد لامين درامي وزملاؤه الـ 5 الذين يرتدون ملابس زرقاء فاتحة لتعويض تأخرهم بسبعة أهداف (10-3) أمام منافسهم.
وعلى الرغم من الهزيمة، فإنهم لا يحرمون أنفسهم من المتعة. ويقول اللاعب البالغ من العمر 23 عاماً، والذي لا يزال يحلم بأن يصبح لاعباً محترفاً: "من الرائع أن أكون هنا مرة أخرى. الملعب متساوٍ، ما يجعل اللعب والتقدم فنياً أسهل. إنه أفضل بكثير من اللعب على الرمال". ومن حوله، يلتقط أصدقاؤه صوراً ذاتية لالتقاط الذكريات ومشاركتها في شبكات التواصل الاجتماعي.
لكن عليك أن "تدفع المال" للمشي على هذا العشب الصناعي وهو سهل الصيانة مقارنة بالعشب الطبيعي، الذي يتطلب الكثير من المياه، بحسب بيير داو، صاحب المجمع الذي تم إنشاؤه في عام 2015.
View this post on Instagram
في Temple du Foot تتراوح أسعار الإيجار بين 30.000 و50.000 فرنك أفريقي (بين 46 و76 يورو) في الساعة، حسب الملعب. وفي مواقع أخرى، يمكنهم الحصول على ما يصل إلى 80 ألف فرنك أفريقي (121 يورو) لتنظيم مباراة 11 في مواجهة 11 لاعباً.
في السنغال، حيث يبلغ متوسط الدخل الشهري نحو 100 ألف فرنك أفريقي (150 يورو)، فإن هذه الأسعار "باهظة"، كما يعترف السيد داو، وهو جالس على مقعد على بعد أمتار قليلة من جدارية كبيرة للرمز الأرجنتيني ليونيل ميسي.
لكن في الأحياء أو في شبكات التواصل الاجتماعي، ينظم الشباب أنفسهم بأفضل ما يستطيعون لجمع الأموال وحجز قطعة أرض من أجل كرة القدم، فلا شك أنهم يريدون أن يكونوا مثل نجم السنغال ساديو ماني، ويحلمون في أن يلمع اسمهم مثل جيل 2002 الذي لعب فيه أليو سيسيه والحجي ضيوف وتوني سيلفا والراحل بابا بوبا ديوب.
تطوير كرة القدم المحلية
بحسب مباي جاك ديوب، المستشار الفني في وزارة الرياضة، فإن السنغال تمتلك ما لا يقل عن 43 ملعباً إقليمياً وإدارياً مجهزاً بالعشب الصناعي، يعود أولها إلى عام 2003.
وقد ساهم قدومهم في "تطوير كرة القدم" وشجع على احتراف البطولة المحلية منذ 2009، حسب ما أكد ديمبا فاروري، الصحافي الرياضي السنغالي.
في ما يتعلق بهذه الملاعب "يتمكن اللاعبون من السيطرة على الكرة، ويمكنهم اللعب بسرعة في الأرض والتحرك بسهولة أكبر. إنهم يتحسنون فنياً وتكتيكياً"، وهو ما يؤكده سيري ديا، اللاعب الدولي السنغالي السابق والمدرب المساعد في فريق سنغالي.
كرة القدم السنغالية تسير بشكل جيد، وربما نشاهد في المستقبل ساديو ماني جديداً، ففي كل بيت في داكار وعلى طول الأراضي السنغالية، يوجد ساديو ماني صغير يسكن قلوب عاشقي كرة القدم.
View this post on Instagram