هل تتسبّب كرة القدم في "الخرف"؟

لاعبو كرة القدم عُرضة لبعض الأمراض أكثر من عامة الناس، وهناك العديد من الأسباب لهذا الأمر. فما هي هذه المخاطر وما الأمراض التي من الممكن أن تتسبب بها.؟

  • راؤول خيمينيز بعد ارتطام رأسه برأس ديفيد لويز في مباراة وولفرهامبتون وأرسنال
    راؤول خيمينيز بعد ارتطام رأسه برأس ديفيد لويز في مباراة وولفرهامبتون وأرسنال

تُعتبر كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى والأكثر انتشاراً في العالم، ويُمارس هذه الرياضة ما يزيد على 250 مليون شخص في أكثر من 200 دولة.

وكما هو معروف، فإن لاعب كرة القدم يتبع أنظمة غذائية ليحمي نفسه من الأمراض، ويهتم بجسده كي يبقى جاهزاً بدنياً ولائقاً للمشاركة في المُباريات، لكنه عرضة لبعض الأمراض أكثر من غيره، وربما يتفاجأ البعض بذلك، لكن هذه هي الحقيقة. وأحد الأمور التي تعرّضه للخطر، ارتطام الكرة بالرأس.

تزن كرة القدم نحو نصف كيلوغرام، وبحسب العلماء، فإنَّ بإمكانها إصابة رأس اللاعب بسرعة قد تصل إلى 128 كيلومتراً في الساعة، وعند ارتطام الكرة بالرأس، فإن المُخ يتأرجح ويتخبّط في العظم الخلفي للجمجمة.

  • صورة توضيحية لوزن الكرة
    صورة توضيحية لوزن الكرة

وفي دراسة أجرتها جامعة بريتش في كولومبيا في العام 2018، تبيّن أن مستويات البروتين المرتبطة بتلف الخلايا العصبية تزيد في الدم بعد ضرب الكرة بالرأس، لكن من الصعب أن تتسبّب ضربة واحدة في الخطر، لكن التكرار على المدى البعيد يسبّب أثراً سلبياً.

وفي دراسة ثانية أجرتها جامعة غلاسكو (إحدى كبريات جامعات اسكتلندا من حيث عدد الطلاب، وواحدة من أقدم جامعات بريطانيا)، كَشفت عن النتائج الصحية لدى لاعبي كرة القدم المحترفين السابقين. وفي النتائج التي نُشرت في مجلة "نيو إنغلاند الطبية" بتاريخ الـ 21 من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وفي الموقع الرسمي للجامعة، وبتمويل من اتحاد كرة القدم واتحاد لاعبي كرة القدم المحترفين، قارن الباحثون أسباب وفاة 7676 من لاعبي كرة القدم المحترفين الاسكتلنديين السابقين، الذين ولدوا بين عامي 1900 و1976، مع أكثر من 23000 فرد من عامة السكان.

وتوصلت الدراسة التي قادها استشاري الأمراض العصبية، الدكتور ويلي ستيوارت، من جامعة غلاسكو، إلى أن معدل الوفيات بين لاعبي كرة القدم المحترفين السابقين يزيد بنحو 3 أضعاف ونصف على معدل الوفيات بسبب مرض التنكّس العصبي (وهو فقدان تدريجي متفاقم لبنية أو وظيفة الخلايا العصبية، ويُعتبر من الأمراض غير القابلة للشفاء).

وقال الدكتور ستيوارت: "هذه أكبر دراسة تبحث في تفاصيل حالات الإصابة بأمراض التنكّس العصبي في أي رياضة، وليس فقط لدى لاعبي كرة القدم المحترفين".

وتابع ستيوارت: "مخاطر الإصابة بألزهايمر ارتفعت 5 أضعاف، و4 أضعاف في مرض الخلايا العصبية الحركية، وضعفين في مرض باركنسون، لدى لاعبين كرة القدم المحترفين السابقين".

  • أثارت وفاة لاعب المنتخب الإنكليزي السابق نوبي ستايلز، الجدل في إثر انتشار بيانات تؤكد معاناته من ألزهايمر بسبب كثرة الضربات الرأسية
    أثارت وفاة لاعب المنتخب الإنكليزي السابق نوبي ستايلز،الجدل في إثر انتشار بيانات تؤكد معاناته من ألزهايمر بسبب كثرة الضربات الرأسية

وعلى الرغم من أن لاعبي كرة القدم كانوا أكثر عرضة للوفاة في أمراض التنكّس العصبي، فإنهم كانوا أقل عرضة للوفاة من أمراض شائعة أخرى، مثل أمراض القلب وبعض أنواع السرطان، بما في ذلك سرطان الرئة، حيث وجدت الدراسة أن الوفيات بين لاعبي كرة القدم السابقين كانت أقل من المتوقع حتى سن 70 عاماً، وأعلى من المتوقع فوق ذلك العمر.

وفي السياق نفسه، أكّد ستيوارت أنّ أحد أهم جوانب هذه الدراسة هو القدرة على النظر في النتائج الصحية للاعبي كرة القدم المحترفين السابقين، ما سيسمح ببناء صورة أكثر اكتمالاً للصحة لدى هذه الفئة من السكان.

وأضاف: "بينما تُظهر البيانات أن معدلات الخرف مُرتفعة لدى لاعبي كرة القدم السابقين، فإن معدلات الوفيات أقل بسبب الأمراض الشائعة الأخرى، كالقلب والضغط وغيرهما، مؤكداً أنه يجب بذل جهود إضافية لتحديد العوامل التي تسهم في زيادة خطر الإصابة بالأمراض العصبية، للسماح بالتخفيف من هذه المخاطر".

لاقت الدراسة إشادة كبيرة من قبل المعنيين بالرياضة؛ فبعد صدور نتائجها، رَحَّب رئيس الاتحاد الإنكليزي السابق غريغ كلارك، وغوردون تايلور، الرئيس التنفيذي السابق لرابطة لاعبي كرة القدم المحترفين، بالنتائج التي تم التَوَصُل إليها، وأكدا ضرورة التعاون عالمياً لإيجاد الحلول والتخفيف من المخاطر في المستقبل.

وفي سياق مُتصل، طالب العديد من مدربي أندية الدوري الإنكليزي الممتاز السابقين، أمثال فرانك لامبارد (مُدرب إيفرتون)، وسلافن بيليتش (مدرب وست بروميتش ألبيون السابق)، ودين سميث (مدرب أستون فيلا السابق)، بمنع الضربات الرأسية خلال التدريبات، لأنها، وبحسب الأبحاث، تسهم في الإصابة بالخرف مع تقدّم العُمر. وطالب لاعب المنتخب الإنكليزي السابق تيري بوتشر بإيقاف الضربات الرأسية، منعاً للمزيد من الخسائر على مستوى اللاعبين في المُستقبل، لأن الدماغ يهتز مع كل ضربة للكرة بالرأس.

هذا الموقف برز بعد تسليط الضوء على وفاة لاعب المنتخب الإنكليزي السابق نوبي ستايلز، في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2020. يُذكر أن ستايلز كان يكافح مرض ألزهايمر والخرف الوعائي لمدة 18 عاماً، بينما كشف أسطورة مانشستر يونايتد، السير بوبي تشارلتون (84 عاماً)، عن معاناته من الخرف أيضاً في الآونة الأخيرة.

وفي وقت سابق من العام 2019، طالب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، "يويفا"، بتغيير بعض القوانين، لإعطاء الأطباء مزيداً من الوقت لتقييم إصابات الرأس خارج الملعب، بحيث لا يعود أي لاعب مصاب بالارتجاج إلى اللعب.

هذا وقام اتحاد لاعبي كرة القدم المحترفين بإنشاء مجموعة استشارية للتنسيق مع اللاعبين الحاليين وعائلات اللاعبين السابقين، لمعرفة مدى تأثرهم بالخرف والأمراض العصبية الأخرى.

فهل سنرى إجراءات أو قوانين جديدة في مستقبل كرة القدم؟ وهل من الممكن أن تُلغى الضربات الرأسية، أو يجري التخفيف منها؟

  • في يمين الصورة بيتر تشيك في أثناء إصابته بالرأس، وعلى يسارها وهو يرتدي واقي الرأس بعد عملية الشفاء
    في يمين الصورة بيتر تشيك في أثناء إصابته بالرأس، وعلى يسارها وهو يرتدي واقي الرأس بعد عملية الشفاء