نيالا.. حاضرة دارفور التي تنافس الخرطوم على الرغم من العنف والصراعات
تعد مدينة نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، وواحدة من أهم حواضر الإقليم بجانب (الفاشر، الجنينة، زالنجي)، وتقع عند مفترق طرق يجعلها واسطة بين ولايات الإقليم المختلفة وبقية ولايات السودان.
على سني الدرس، وفي عز الصراع بإقليم دارفور غربيِّ السودان (2003–2008)، فاجأني لاعب كرة قدم في إحدى فرق الدرجة الممتازة، بأن أمنيته تتمثل في اللعب لفرق الصدارة بمدينة نيالا (حاضرة ولاية جنوب دارفور)، بدلاً من أحلام أنداده المتوجهة نحو فريقي القمة (الهلال والمريخ)، وحين سألته عن السبب لا سيما أن فرق نيالا، لا تنافس في البطولة الكروية بالبلاد، أجابني صراحة وصدقاً: "سأجني أموالاً طائلة".
إجابة اللاعب دفعتني وقتذاك لأنكبّ في البحث عن معلومات عن مدينة نيالا، وإقليم دارفور خلافاً للصورة التي يقدمها الإعلام، وهي صورة بائسة عن الاقتتال ومعسكرات النزوح أو صورة زاهية لسردية نشاطات مسؤولين تبيّن هدوء الأوضاع، وعيش المواطنين الرغيد في كنف الدولة.
صورة مكبرة
بشكلِ غير خافٍ، يعاني عدد من السودانيين قلة المعرفة ببلادهم، وأحد أسباب ذلك عدم شيوع ثقافة السفر والترحال وتموضع المواطنين معظم حياتهم في مناطق معينة، فضلاً عن رضوخ الإعلام لرغبات الساسة في نقل صورة مجتزأة لدارفور، أو الاكتفاء بالنظر إليها من خلال دفتي الكتب المدرسية باعتبارها (دارفور القرآن) لما فيها من "خلاوي" تحفيظ لكتاب الله، أو دارفور (السلطنة الزرقاء) آخر الأقاليم انضماماً إلى السودان، بعد سقوطها بيد المستعمر البريطاني بعد أكثر من 17 عاماً على سقوط الخرطوم على يد الانجليز عام 1899.
تعد مدينة نيالا (900 كيلومتراً غرب العاصمة الخرطوم)، حاضرة ولاية جنوب دارفور، وواحدة من أهم حواضر الإقليم بجانب (الفاشر، الجنينة، زالنجي)، وتقع عند مفترق طرق يجعلها واسطة بين ولايات الإقليم المختلفة وبقية ولايات السودان.
وتحتضن ولاية غرب دافور، ثاني أكبر تعداد للسكان، وتقدر إحصاءات غير رسمية سكانها بما يفوق 600 ألف مواطن، انضم إليهم قرابة 250 ألف نازح بمعسكر كلمة الشهير.
مدينة تجارية
الميزة الرئيسة لمدينة نيالا، هي أنها ثاني مدن البلاد من حيث القيمة الاقتصادية بعد العاصمة الخرطوم، واحتفظت بهذا الترتيب على الرغم من عن التوترات الأمنية التي لا يزال يشهدها إقليم دارفور.
وساهمت وسطية المدينة، وارتباطها منذ قديم الزمان بالسكك الحديد التي تنتهي عندها غرباً، في جعلها مركزاً للتصدير والاستيراد، حيث تعد سوقاً لعرض المنتجات الحيوانية والزراعية والغابية، وتعد أيضاً موطناً لتصدير كثير من المنتجات إلى بقية مدن السودان، وموانئه الرئيسة على البحر الأحمر.
يعزو المحلل الاقتصادي، أحمد آدم، تسارع النشاط التجاري في نيالا إلى كونها مركزاً للتجارة الحدودية مع دول جنوب السودان، وأفريقيا الوسطى، وتشاد، وليبيا ما يجعلها محطةً لكثير من البضائع الواصلة من خارج البلاد، هذا في مقابل كونها أحد أهم مراكز تصدير الصمغ العربي والفول السوداني والماشية.
وأشار آدم في حديثه إلى الميادين نت، إلى ظهور أنماط اقتصادية جديدة، كظهور تجارة السيارات الواصلة من دور الجوار، وتعرف شعبياً بـ"البوكو"، نسبة إلى جماعة بوكو حرام، ما جعل المدينة سوقاً كبيراً للسيارات، ووجهةً للمشترين والباعة من مختلف مدن البلاد.
بيد أن آدم عاد وحذّر بشدة من أن يؤدي الاهتمام بالاقتصاد الاستهلاكي المتمثّل في زيادة العاملين بقطاع السيارات، في تراجع بقية القطاعات الإنتاجية، وأنّ تؤدي التفلتات الأمنية التي تستهدف التجار الكبار، إلى هجرة كثير منهم إلى ولايات أخرى.
تنوع أثني وثقافي
تعد مدينة نيالا إحدى حواضن التنوّع الإثني والقبلي، إذ تضم مجموعات القبائل الأفريقية وأبرزها الداجو، والقبائل العربية وأشهرهم الرزيقات والمسيرية، بجانب مجموعات المهاجرين الواصلين من أنحاء مختلفة داخل البلاد.
يقول الناشط في العمل المجتمعي، باسل نور الدين، إن نيالا اشتهرت بالتسامح بين مكوناتها السكانية، ما جعلها بدرجةٍ كبير بعيدة من الاحتراب الذي شهدته دارفور في الفترة ما بين عامي 2003 و2008، وهو ما يظهر في كونها قبلة مفضلة للنازحين.
بيد أن نور الدين لا يخفي في حديثه إلى الميادين نت خشيته من انزلاق الأوضاع، نتيجة لاحتضان المدينة عدة جيوش ذات عقائد قتالية مختلفة، أبرزها قوات الدعم السريع التي تكونت في نيالا بقيادة الرجل الثاني في انقلاب السودان، محمد حمدان (حميدتي)، فضلاً عن جيوش الحركات المسلحة الموقعة اتفاق جوبا للسلام 2020.
وأضاف أن الخطر لا ينتهي هنا، ويمتد إلى انتشار جرائم السرقات والسلب والسطو المسلح، التي عادة ما تتحول إلى صراع قبلي في ظل الأجواء المشحونة.
فعاليات ونشاطات
ترتبط نيالا حضارياً بمملكة الداجو التي سادت بين القرنين 12 و15 ميلاديين، وإليها تعود تسمية المدينة التي تعني (المسرح) ما يعطي ملمحاً لمدى ارتباط المدينة بالثقافة.
وتشتهر نيالا بالنشاطات الثقافية، والعروض التراثية الفولكلورية، والفعاليات الثقافية، وتضم أحياؤها مكتبة مركزية، ومسرحاً باسم (نيالا البحير) ومتحفاً، ومعارض، فضلاً عن انتشار الفرق والأندية الثقافية والنشاط المسرحي.
يقول الناقد في مجال الثقافة والفنون، حامد ضوينا، للميادين نت، إنّ إحدى عواصم المدينة من العنف، كان النشاط الثقافي الذي لطالما شكّل بخطابه الواعي المحترم للتعدد، درعاً من السقوط في براثن القبلية والجهوية، وفق تعبيره.
وشدد على أن فترة الحرب في دارفور، جعلت الخطاب الثقافي في المدينة موجّهاً نحو تعزيز التعايش السلمي والأمن المجتمعي وعكس ثقافة مختلف المكونات السكانية.
وفي مجال السياحة، توجد في المدينة عوامل عدة ساعدت في التعريف بها، يجملها المحلل الاقتصادي، أحمد آدم، باعتدال المناخ نتيجة لارتفاع المدينة أكثر من 600 متراً عن مستوى سطح البحر، وبوجود صادر للمياه العذبة (أودية وآبار)، وانتشار المساحات الخضر، فضلاً عن احتواء المدينة على نشاط فندقي بدأ بوصول بعثات حفظ السلام في مطلع عام 2007.
ولفت إلى أن صعود فريق "حي الوادي" إلى الدوري الممتاز قبل سنوات، ساهم في زيادة مداخيل المدينة، جراء العمليات الاقتصادية المترتبة على تباريه مع فرق كبيرة من داخل والبلاد وخارجها.
تكملة النقص
ما الذي ينقص نيالا لتزيح الخرطوم عن مركز أهم المدن السودانية؟ سؤال اتفق على إجابته جميع من استطلعهم الميادين نت بالقول: عودة الأمن والتعايش السلمي.
وأوضح آدم أن استمرار نيالا في مقارعة الخرطوم طوال عقود على الرغم من تأثرها المباشر بالصراع في دارفور، يعني ضمناً أن توافر الأمن يعني تجاوز هذه الحاضرة الدارفورية للعاصمة السودانية.
الناشط الاجتماعي باسل نور الدين يقول بدوره، إن عودة الأمن تمهد لعقد المصالحات المستدامة بين المكونات السكانية، بما يحول دون تحول المشكلات الشخصية إلى صراع قبلي يروح ضحيتها المئات.
أما الناقد حامد ضوينا، فيرى أن النشاط الثقافي الذي سخّر في معظمه سابقاً لإشاعة ثقافة السلام، سيتوجّه بعد حلول الأمن نحو ضروب فنية جديدة شُغل الوسط الثقافي عنها فترات طويلة.