ملاجئ الحيونات في الجزائر تعيد حقّ الحياة لـ"كلاب الشوارع"

أنقذت جمعية جمعية "من أجل سعادة ذوات الأرجل الأربعة" منذ اعتمادها في 2019، 1500 كلب، تمّ تحويل العدد الأكبر منها إلى الشركات وورشات البناء والمزارع للحراسة، ووجدت بضع عشرات من يتكفّل بها، في حين ظلّت المعاقة والمعطوبة وكبيرة السن في المأوى.

  • ملاجئ الحيونات في الجزائر تعيد حقّ الحياة لـ
    ملاجئ الحيونات في الجزائر تعيد حقّ الحياة لـ"كلاب الشوارع"

داخل غرفة العمليات، في ملجأ حيوانات بعيد عن مدينة وهران الجزائرية، يحاول الفريق الطبي إنقاذ الوافدة الجديدة، بعدما نجت من محاولة قتل بطلق ناري أصابها في الرجل.

لا يجد المعالجون حلّاً سوى بتر السّاق بسبب تعفّن الإصابة، وذلك يعني أن فرداً جديداً سينضم إلى العائلة، ليكمل حياته في الملجأ، إلى جانب عشرات المصابين والمعاقين، بينما سيُعرض صغاره بعد ستة أشهر للتبني، أو يُحوّلون لإحدى الشركات أو المزارع لحراستها.

مثل هذا المشهد يتكرّر بصورة شبه يومية، في ملجأيّْ الحيوانات اللذان تديرهما جمعية "من أجل سعادة ذوات الأرجل الأربعة"، حيث يستقبل البياطرة المتطوّعون حالات مشابهة، لقطط وكلاب أصيبت في حملات الإبادة، التي تقوم بها "اللجنة العمومية للوقاية والحفاظ على البيئة والصّحة".

المجزرة الأخيرة

  • ملجأ للكلاب في وهران
    ملجأ للكلاب في وهران

أنقذ القائمون على الملجأ نحو 200 كلب في الأشهر الأخيرة، وتأمل رئيسة الجمعية السيدة نسيمة تهامي (متقاعدة) أن تكون هذه آخر "مجزرة" يتمّ ارتكابها، بعد توقيع اتفاقية مع ولاية (محافظة) وهران تنصّ على وقف عمليات قتل الحيوانات الضالّة بصفة نهائية، وتحويل محشر الإبادة التابع لها إلى ملجأ للكلاب، تسيّره الجمعية وتموّله الخزينة العمومية إلى جانب مساهمات المتطوعين.

لتصبح بذلك وهران الولاية الأولى والوحيدة في الجزائر، التي تصدر تشريعاً يحفظ لحيوانات الشوارع حقها في الحياة. وذلك في إنجاز كبير حقّقته جمعية "من أجل سعادة ذوات الأرجل الأربعة". 

هكذا تُباد الحيوانات

قبل 11 عاماً أضاعت نسيمة قطتها، فتوجهت إلى محشر الحيوانات الضالة، بحثاً عنها، لكنها عادت من هناك بفكرة بناء بيت ليكون ملجأً تحتمي به الكلاب والقطط من سوء المعاملة.

ذلك أنها رأت مشهداً مريعاً لدرجة لا تحتمل، لا تزال ذاكرتها تحتفظ بتفاصيله، التي ترويها لـلميادين نت بحسرة وألم: "عشرات الكلاب والقطط يتم تكديسها فوق بعضها البعض داخل أقفاص حديدية، ثمّ تُرشّ بالماء وتصعق بالكهرباء، وأخيراً يتمّ إحراق جثثها، أو رشّها بمادة الكلور لتتحلّل".

ما شاهدته نسيمة من معاملة غير إنسانية ومجازر في حقّ تلك الأرواح البريئة، دفعها لإطلاق نداء من أجل تأسيس جمعية للدفاع عن الحيوانات، وحمايتها من "القالوفة" وهو اسم يُطلق على الشاحنة التي تطارد القطط والكلاب في الشوارع للإمساك بها ونقلها إلى المحشر.

لقي النداء استجابة عشرات الأشخاص، لكن أربعة نسوة فقط استطعن الصمود واستمرّين في الدفاع عن حقوق الحيوان، نسيمة وثلاث أخريات.

تعهّد رسمي يعيد الحياة لحيوانات الشارع

  • وهران الولاية الأولى والوحيدة في الجزائر، التي تصدر تشريعاً يحفظ لحيوانات الشوارع حقها
    وهران الولاية الأولى والوحيدة في الجزائر، التي تصدر تشريعاً يحفظ لحيوانات الشوارع حقها

بدأت رحلة نسيمة ورفيقاتها مع الحيوانات المتشرّدة في 2011، البداية لم تكن سهلة حيث قمن بصرف مدّخراتهن وحتى بيع مجوهراتهن من أجل تأجير قطعة أرض وتشييد المأوى عليها، لكنه ظلّ متنقلاً بسبب التبليغات، فليس الجميع راغباً في جيرة كلاب، حتى وإن أبدوا بعض اللطف معها.

في 2019 حصلت المجموعة على اعتماد رسمي من وزارة الداخلية لجمعيتهن "من أجل سعادة ذوات الأرجل الأربعة"، وتم منحهن قطعة أرض لإقامة الملجأ، تتربّع على 7 هكتارات.

وفي أيار/مايو الماضي تمكّنت السيدات الأربعة أخيراً من إجبار سلطات ولاية وهران على توقيع تعهد رسمي بوقف عمليات القتل.

نهاية الكابوس

مع صدور هذا القرار "التاريخي" على حدّ وصف رئيسة الجمعية، تحوّلت شاحنات الموت إلى مركبات إسعاف، وأموال البلدية الموجّهة لحملات الصيادين صارت تُموّل مستلزمات البياطرة والمتطوعين لعلاج الحيوانات الشّاردة.

انتهت جلسات الصّعق بالكهرباء والإحراق بالنار والكلور، وعوّضتها عمليات التطبيب والتلقيح والتعقيم.

وأصبح محشر الإبادة مأوى يحنو على حيوانات الشارع، مجهّزاً بـ300 حجرة مخصصة للكلاب، وقاعة تمريض. 

وبدلاً من قتلها، صارت السلطات العمومية توفر لها اللقاح والدواء والطعام.

وإضافة إلى هذا، كُلّف طبيب بيطري بالمناوبة في الملجأ بمعدّل مرتين أسبوعياً، لإجراء عمليات جراحية للمصابين، وتقديم العلاج للمرضى. فيما يتم عزل الحاملة لعدوى الكَلَب وإخضاعها لحجر صحي انفرادي مدته 15 يوماً، أما المصابة بداء "الليشمانيوز" فمصيرها الموت الرحيم، عن طريق حقن خاصة تنهي حياتها من دون ألم.

وبعد شفائها تماماً يتم تعقيم (إخصاء) الكلاب للتحكم في تكاثرها، وتطعيمها منعاً لانتشار العدوى.

كما تُستخرج لها بطاقة تعريفية، ودفتر صحي، ولا ينقصها إلا عائلة تتكفل بها.

أنقذت جمعية نسيمة منذ اعتمادها في 2019، 1500 كلب،  تمّ تحويل العدد الأكبر منها إلى الشركات وورشات البناء والمزارع للحراسة، ووجدت بضع عشرات من يتكفّل بها، في حين ظلّت المعاقة والمعطوبة وكبيرة السن في المأوى.

أما القطط فتوضع في حديقة الحيوانات بوهران، أين يتولى عامل البلدية الاعتناء بها وإطعامها، إلى غاية حصولها على متبنٍّ.

معاملة خاصة

  • أنقذت جمعية نسيمة منذ اعتمادها في 2019، 1500 كلب
    أنقذت جمعية نسيمة منذ اعتمادها في 2019، 1500 كلب

في الملجأ وفي الحديقة يتكفل أمين، الموظف في مصلحة الوقاية والصحة والنظافة، بعملية تموين النزلاء بالغذاء، ويزوّدهم كل يومين بنصيب من اللحوم المحجوزة من قبل مصالح التجارة وقمع الغش، شأنهم شأن الأصناف الموجودة في حديقة الحيوانات في وهران.

يقول أمين للميادين نت إنه أصبح "صديقاً" تنتظره الكلاب بشوق، للاستمتاع بوجبة دسمة، عكس الماضي حيث كانت تهرب منه حين كان مشرفاً على عمليات الإبادة.

مساعٍ من أجل سنّ قانون يحمي الحيوانات 

يعمل عدد من الجمعيات في الجزائر من أجل دفع السلطة إلى سنّ تشريع يحمي الحيوانات، خاصة الكلاب والقطط الشاردة، ويعاقب على أذيتها.

ويعود آخر قانون تمّ إقراره في هذا المجال إلى 1978، كما أنه يتحدّث فقط عن الأنواع المحمية، مثل الأيل البربري، والفنك، وقطّ الصحراء، من دون أي إشارة إلى الكلاب والقطط المتشرّدة.

في حديث لـلميادين نت تشير هيفاء رزاقي رئيسة جمعية "براءة للرفق والإنسانية والعطف على الحيوان"، إلى وجود عراقيل عدّة تعيق إصدار هذا القانون لغاية الآن، أغلبها متعلق بالجانب المادي.

توضح هيفاء وهي طبيبة بيطرية ومديرة ملجأ خاص للكلاب في الجزائر العاصمة، أن "محشر إبادة الحيوانات الضالة" مؤسسى عمومية ذات طابع تجاري، تجني أرباحاً من وراء قتل الحيوانات.

وفي المقابل تطعيم هذه الأخيرة وتعقيمها يفرض على الخزينة العمومية ميزانية إضافية، إذ يكلّف الكلب أو القطّ الواحد أكثر من 15 ألف دينار جزائري، أي ما يعادل 100 دولار، وبالتالي فإنها تفضّل الخيار الأول. 

تواجه جمعية "براءة" هذا الوضع بطرح حلول بديلة، تتمثّل في تعقيم الكلاب وتطعيمها ضدّ الكلب، ووضع حلقة خلف أذنها، للدلالة على عدم خطورتها، ثم إرجاعها إلى بيئتها.

تساهم ولاية الجزائر في هذا البرنامج باللقاحات، وتتكفّل الجمعية بأتعاب البياطرة. 

تقوم "براءة" أيضاً بتنظيم حملات توعوية، وأبواب مفتوحة وزيارات دورية للمواطنين إلى الملجأ، لخلق ألفة مع الحيوانات، للحدّ من ظاهرة إيذائها.

كما استفادت الجمعية العام الماضي من ورشات تدريبية مجانية، لفائدة المتطوعين والبياطرة، أطّرتها منظمة برجيت باردو، التي حلّت بالجزائر لأول مرّة، لتضمّ صوتها إلى أصوات المنادين بمنح الحيوان حقّه في العيش.