مخيم "النصيرات" يُعجز الاحتلال: الموت أفضل البقاء.. والدماء شاهدة
القوة المفرطة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي في هجومه العنيف على مخيم النصيرات، أدت إلى ارتقاء هذا العدد الكبير من السكان، ووصل معظم الضحايا أشلاءً مقطّعة إلى المستشفى.
لم ينجح الاحتلال الإسرائيلي يوماً بهزيمته أو إجبار سكانه على الاستسلام، هو مسقط رأس عدد من قادة المقاومة، والعاصمة الاقتصادية الحيوية لمناطق وسط وجنوب قطاع غزة. "النصيرات"، المخيم الذي احتضن المقاومة وهيّأ لها ومهّد السبل لتتطوّر وتتقدّم، ولم يتمايز أهله عن سكان القطاع، بل كان امتداداً لحالة النضال الواسعة.
على مدار أشهر العدوان الإسرائيلي التسعة على قطاع غزة، فشل الاحتلال في هزيمة المخيم وسكانه بالرغم من عملياته العسكرية المتكررة على أطرافه وفي عمقه، والتي كان آخرها العملية التي وقعت السبت، وأدت إلى استشهاد وإصابة المئات من الفلسطينيين.
صمود أسطوري
صباح السبت الماضي، نفّذ "جيش" الاحتلال هجوماً على المخيم من عدة محاور بزعم محاولة الوصول إلى أربعة من الأسرى في وسط وغرب المخيم، الأمر الذي أدى إلى استشهاد نحو 270 فلسطينياً وإصابة أكثر من 400 آخرين، وفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
وبالرغم من جرائم الاحتلال ضد المخيم وسكانه والنازحين إليه، إلا أنهم يسجّلون صموداً أسطورياً، وفق ما أكد الجريح عبد الله الصوفي، الذي جمع أشلاء رفيق عمره من المجزرة الإسرائيلية في المخيم، لافتاً إلى أنه وصديقه كانا يحاولان إنقاذ الجرحى وانتشال الشهداء.
ويفيد الصوفي لـلميادين نت بأنه كان شاهداً على جرائم الاحتلال بحقّ مخيم النصيرات، والتي بدأت بهجوم نفّذته طائرات مسيّرة "كواد كابتر"، المخصصة لاجتياح المناطق السكنية وإعدام قاطنيها.
تلك الطائرات أطلقت الرصاص على كل ما هو متحرّك في السوق الشعبي وسط مخيم النصيرات، حيث أصيب الصوفي وصديقه بجراح طفيفة من جرّاء ذلك؛ إلا أنهما قرّرا إنقاذ العشرات من الجرحى، ليتعرّضا لاستهداف إسرائيلي بطائرة استطلاع.
ويشير الصوفي إلى أن "المخيم تعرّض للقصف من جهات مختلفة سواء من شرقه وتحديداً من طرف مخيم البريج، أو من الغرب بالقرب من منطقة البحر"، لافتاً إلى أن القصف كان جوياً وبرياً وبحرياً في آن واحد، وهو ما تسبّب باستشهاد العدد الكبير من السكان.
والصوفي كان شاهداً على استشهاد العشرات من السكان أمام عينيه والذي جرى نقلهم إلى مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع عبر عربات "الكارو"، كما أنه شهد بأمّ عينيه قصف الاحتلال لأبراج سكنية وهدمها فوق رؤوس ساكنيها.
ويضيف: "هذا المخيم صادم ولن يهزم بضربات الاحتلال الإسرائيلي، ولو هدموا كل منازله ومبانيه فإن شعبه سيواصل اصطفافه خلف المقاومة وقادتها"، مؤكداً أن فقدانه لصديق عمره شرارة أكبر لمقاومة المحتل الإسرائيلي.
ويفيد محسن الصعيدي، أحد سكان المخيم، بأنّ استهداف الاحتلال لمخيم النصيرات لن يدفع سكانه للنزوح إلى مناطق أخرى، خاصة وأن سكان القطاع وعلى مدار أشهر الحرب عاشوا الويلات بسبب الاستهداف الإسرائيلي لجميع المناطق.
ويقول الصعيدي، لـلميادين نت، بأن "جرائم الاحتلال النكراء بحقّ قطاع غزة ومخيم النصيرات تحديداً تأتي بسبب عدم قدرته على تركيع الفلسطينيين وإجبارهم على الهجرة خارج القطاع"، مؤكداً أن جميع السكان يرفضون مخططات الاحتلال ويتصدّون لها.
وولد الصعيدي وترعرع في مخيم النصيرات، ويشدّد على أنه يرفض الخروج منه أو النزوح إلى أي منطقة أخرى، حتى لو كان ثمن ذلك حياته وحياة أفراد عائلته، مشيراً إلى أنّ أيّ معركة مع الاحتلال في النصيرات ستكون الأصعب عليه وتكلفتها الأعلى.
الشهداء وصلوا أشلاء
بدوره، يقول مدير الإعلام والعلاقات العامة في مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع محمد الحاج للميادين نت إنّ القوة المفرطة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي في هجومه العنيف على مخيم النصيرات، أدت إلى استشهاد هذا العدد الكبير من السكان، لافتاً إلى أن معظم الشهداء وصلوا أشلاءً مقطّعة إلى المستشفى.
ويوضح الحاج، أن الإصابات كانت أيضاً صعبة للغاية ومعظمها ما بين المتوسطة والخطيرة للغاية، الأمر الذي يؤكد تعمّد الاحتلال إيقاع عدد كبير من الضحايا لإرهاب السكان وإجبارهم على النزوح من المخيم، تمهيداً لجريمة جديدة فيه.
وبيّن أن "الطواقم الطبية لم تتمكّن من التعامل مع العدد الكبير من الجرحى، الأمر الذي دفعها إلى تحويل عدد منهم إلى المستشفيات الميدانية في مناطق المواصي غربي المنطقة الوسطى"، متهماً الاحتلال باستخدام أسلحة محرّمة دولياً في هجومه على المخيّم.
أقدم المخيّمات
يعدّ النصيرات من أقدم المخيّمات الفلسطينية في وسط قطاع غزة، ويضمّ تجمّعاً للاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا من ديارهم عام 1948، ويقع على بعد 8 كيلومترات جنوب مدينة غزة، وعلى بعد 6 كيلومترات من مدينة دير البلح.
ويحدّ المخيّم من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشرق شارع صلاح الدين ومخيّم البريج، ويعيش السكان في بيوت متلاصقة، 24% منها معرّضة للانهيار بسبب الوضع المتهالك لها، فيما يبلغ عدد سكانها الآلاف.
ويعدّ مركزاً اقتصادياً مهماً لوسط القطاع حيث يوجد فيه الكثير من المصانع والمراكز التجارية، ويشتهر بسوقه الشعبي الذي يقام يوم الاثنين من كلّ أسبوع ويقصده جميع تجار القطاع، كما يضمّ العديد من المعالم الأثرية والتاريخية.
والمخيّم هو مسقط رأس عدد من قادة المقاومة الفلسطينية البارزين، وعلى رأسهم الشهيد إسماعيل أبو شنب أحد مؤسسي حركة حماس، ومروان عيسى نائب القائد العام لكتائب القسام الجناح المسلّح للحركة، وهو الذي يزعم "جيش" الاحتلال بأنه اغتاله خلال الحرب المستمرة في غزة.
ونفّذ "جيش" الاحتلال عدداً من العمليات العسكرية ضدّ المخيم خلال 9 أشهر، وعلى الرغم من الدمار الهائل الذي لحق بالمخيّم لم ينجح بإفراغ سكانه منه أو إجبارهم على النزوح إلى مناطق أخرى؛ بل كان المخيّم مأوى لآلاف العائلات النازحة من غزة وشمالها.