لم يعد التعليم للجميع في تونس!

يواجه الطلاب والأهالي في تونس صعوبة في العودة المدرسية بسبب غلاء المستلزمات الذي لا ينعزل عن التضخم المالي والوضع الاقتصادي المتردي.

  • لم يعد التعليم للجميع في تونس!
    لم يعد التعليم للجميع في تونس!

باتت العودة المدرسية في تونس أحد أهم الأعباء التي تثقل كاهل الأسر الفقيرة والمتوسطة، إذ إن أثمان المستلزمات المدرسية للطفل الواحد تتراوح من 800 إلى 850 ديناراً، (من 251 إلى 267 دولاراً أميركياً)، بحسب لطفي الرياحي رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، مقارنة بها في السنة الماضية، إذ قدّرت للمرحلة الدراسية الأولى بـ700 دينار (223 دولاراً أميركياً).

 وبحسب الرياحي، لم يعد بالإمكان الحديث عن مجانية التعليم العمومي في ظل ما سبق ذكره، إنما يمكن الحديث عن تكلفة أقل مقارنة بتكلفة التعليم الخاص.

ذ، وبخاصة أمام غياب المواد الاستهلاكية الأساسية كالسكر والقهوة والطحين والمحروقات، فضلاً عن سياسة الاحتكار من جهة ومعضلة الكراس المدعّم ارتفع سعره بنسبة 25 في المئة منذ شهر كانون الثاني/ يناير عام 2022 أي في العام الدراسي 2021-2022.

وقد راجت في مواقع التواصل الاجتماعي صورٌ وتدوينات عن غياب الكراس المدعّم وغلاء أسعار الكراسات بعدد صفحات 24 بـ1،745 مليم (55 دولاراً)، أما الكراسات بعدد صفحات 48 فبسعر 3000 دينار (944 دولاراً) ،و72 بسعر 4500 دينار ( 1416 دولاراً).

رصد الميادين نت ثلاث مكتبات في وسط العاصمة تونس وهي: مكتبة الكتاب، ومكتبة بابل، ومكتبة إبداعات، توافرت فيها الكراسات المدعّمة، فالكراس عدد 24 بـ430 مليماً (0,1 دولار)، والكراس عدد 48 بـ950 مليماً (0.29 دولار)، والكراس عدد 72 بـ1400 مليم (0,44 دولار)، وقد اختارت مكتبة بابل البيع وفق مجموعة من الأدوات، فمثلاً لتلاميذ السنة الأولى والثانية والثالثة مجموعة من المستلزمات من كراسات متنوعة وأقلام بسعر مخفض بــ56 ديناراً (17،62 دولاراً)، أما المَحافظ فمن 50 إلى 400 دينار (من 15،74 إلى 125 دولاراً).

وأكد "العم الأمين" الرجل الستيني، صاحب مكتبة إبداعات أن أسعار الكراس غير مقبولة، ومع أن العودة إلى المدارس اقتربت إلا أن الإقبال غير اعتيادي.

وأشار إلى ضرورة التصدي للمكتبات العشوائية والبسطات على الطرق التي لا تضبط أسعارها وتزعج القطاع المكتبي عامة.

ربما لم تعد المدارس العمومية أقل تكلفة من المدارس الخاصة التي تصل إلى 500 دينار (157 دولاراً)، وتضم التسجيل والمستلزمات، فيما لا تتجاوز رسوم التسجيل في المدارس العمومية 4 دنانير (1 دولار) إلى جانب تردي جودة التعليم.

مشكلات عديدة ومتقاطعة في المنظومة التعليمية، منها أعداد الكتب والكراسات التي تزيد الأمر سوءاً، حيث يحتاج التلاميذ إلى عربة لحملها ويتجه الأولياء نحو الاستدانة لشرائها فيما يمكن تعويضها بكتب رقمية.

وفي هذا السياق رصد الميادين نت آراء عدد من الأهالي حيث ترى حنان شقرون، وهي موظفة وأم لبنتين أنّ العودة المدرسية هذه السنة مكلفة جداً، وتثقل كاهل المواطن التونسي الذي لم يعد يتحمّل أعباءها في ظلّ تدهور القدرة الشرائية، ولاحظت شقرون وجود متطلبات كثيرة خصوصاً في الأقسام الابتدائية والإعدادية.

 وعن الحلول تقول شقرون: "إن الوضع العام يتسم بالتردي، وعلى الدولة إيجاد الحلول اللازمة، ويجب أن يتصدى طرف من الأطراف المعنية لتغوّل منتجي الكتب والكراسات ويتخذ الإجراءات المناسبة تجاههم".

وأردفت: "يجب إصلاح المنظومة التربوية برمتها، وتحسين محتوى التعليم العمومي، وتقليص بعض المواد، ومراجعة التوقيت للحد من تكلفة العودة المدرسية".

يجد أيضاً الأساتذة والمعلمون صعوبات في تأمين السير الطبيعي للدروس أمام نقص المستلزمات لدى بعض التلاميذ، لكنهم في مقابل ذلك يجدون إحراجاً في الضغط على تلميذ قد لا يقدر والداه على توفيرها، ومن ناحية أخرى تؤكد أستاذة التربية التقنية أميرة كشاط، أنه على الرغم من البعد التكافلي للمدرسة العمومية، ومحاولات مساعدة من يحتاج أو غض النظر عمن تنقصه بعض الأدوات، إلا أن ذلك لا يكفي أمام غياب دور الدولة، ثم إنه لا يمكن توفير الدروس في المواد العلمية كما يجب، في ظل عدم تمكن التلميذ من اقتنائها.

ويرى عمر السنوسي الرجل الأربعيني، والأب لثلاثة أطفال، أنّ المسألة تتجاوز العودة المدرسية لتمتد إلى السنة الدراسية برمتها، حيث إنّ ولي أمر التلميذ أصبح مطالباً بتوفير نفقات أخرى على غرار الدروس الخصوصية، والنقل وغيرها من الحاجيات التي لا يمكن الاستغناء عن إحداها، وكلما زاد عدد الأطفال كان الحمل أشد ثقلاً على الأسرة.

وأضاف: "التعليم العمومي لم يعد ممكناً اجتماعياً للأسر المتوسطة والفقيرة، وإنما صار لمن استطاع إليه سبيلاً، وفي أغلب الأحيان يخلق النقمة والكره بين الأطفال والمراهقين وتجاه التعلّم عموماً".

ولعل ما ذكره السنوسي يفسر إحصاءات أوردتها وزارة التربية وفيها أن 72991 تلميذاً انقطعوا عن الدراسة في نهاية العام الدراسي 2019-2020، من بينهم 34460 تلميذاً في مرحلة التعليم الثانوي، و31311 تلميذاً في مرحلة التعليم الإعدادي العام و7220 تلميذًا في المرحلة الابتدائية.

أما عن دور الدولة فكان الرئيس قيس سعيد قد أعلن ضرورة تتبّع المضاربين والمحتكرين ومحاسبتهم في كل المجالات، فيما سجّلت وزارة المرأة في رياض الأطفال العمومية أطفالاً من الأسر المعوزة، ووُزّعت مستلزمات مدرسية وملابس على 6508 أطفال من أكثر من 100 مركب طفولة و22 مركزاً مندمجاً للشباب والطفولة.

وافتتح في 12 من أيلول/سبتمبر معرض خاص لبيع الأدوات المدرسية، وهو عبارة عن نقطة بيع للعموم بإشراف وزارة التجارة، وامتد من 12 إلى 18 من أيلول/سبتمبر 2022.

وتلتزم نقطة البيع أسعار الجملة والأسعار المنخفضة جداً، أما تكلفة تلميذ السنة الأولى في المرحلة الابتدائية فلا تتجاوز 50 ديناراً (15،74دولاراً).

والحق أن صعوبات التعليم العمومي لا تقف عند أسعار المستلزمات أو رسوم النقل والدروس الخصوصية، إنما تشمل إشكاليات أخرى، ذلك أن مدارس كثيرة داخل المناطق التونسية ما زالت من دون ماء صالح للشرب، ومدارس أخرى غير متصلة بالطرق المعبدة مع اهتراء البنية التحتية، وغياب النقل المدرسي، وعدم استجابة شبكات الصرف الصحي للشروط الصحية أيضاً.

وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020، صرح وزير التربية آنذاك "فتحي السلاوتي" عن وجود 1415 مدرسة ابتدائية في تونس غير مرتبطة بشبكة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، مبيناً أن من بين هذه المؤسسات التربوية 461 مدرسة تشهد إشكاليات واضطرابات متكررة في التزود بالماء. وفي ولاية القيروان وحدها 175 مدرسة ابتدائية لا يصل إليها الماء من جملة 313 مدرسة خلال العام الدراسي 2018/2019 بحسب بيان أصدره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.