عام على حرب السودان.. القتال يلغي مقوّمات الحياة لشعب البلاد
النزوح والصحة والجوع والتعليم، كلّها أزمات طفت على السطح من جراء الحرب المستمرة في السودان والتي قضت عامها الأول، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
"الحرب أكلت الورانا والقدامنا"، باللهجة العامية السودانية، يلخّص أحمد عز الدين، مآسي عام من القتال في البلاد عاش تحت وطأتها، وهو صار خالي الوفاض، ويقيم في مخيم تنعدم فيه أبسط مقوّمات الحياة، بعد أن خسر تحويشة عمره، بينما لا يرى أملاً في العودة إلى حياته السابقة.
وفي 15 نيسان/أبريل الجاري، أكملت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عامها الأول، مخلّفة حصائل مفزعة من الخسائر البشرية والمادية، لما صاحبها من تدمير في البنى التحية والمرافق الحيوية مثل المستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه، والمؤسسات التعليمية المختلفة، ووضعت ثلثي السكان على حافة الجوع وشرّدت الملايين، في أكبر أزمة إنسانية في العالم، بحسب منظمات دولية معنية.
تمتد الأضرار إلى الأطفال الذين دفعوا الفاتورة الأغلى لهذه الحرب، حيث يعيش 19 مليوناً منهم خارج مظلة التعليم وهو ما يهدّد بضياع جيل سوداني كامل، وفق منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسف)، فيما يواجه عدد مماثل سوء التغذية الحاد بسبب نقص الطعام، ونتيجة لذلك يموت طفل في كل ساعتين، ولا سيما في مخيمات النزوح غربي البلاد.
ينقضي عام على حرب السودان، بينما تتضاءل أحلام أحمد عز الدين الذي يقيم في أحد مراكز الإيواء في مدينة كسلا شرقي البلاد، إلى منزله في العاصمة الخرطوم، والذي غادره قبل نحو 7 أشهر، فبحسب تقديره فإنّ الصراع في بلاده توسّع وأخذ أشكالاً معقّدة، ومع رفض الأطراف لمبدأ الحل السلمي والتمسّك بالحسم العسكري، فسوف يستمر الوضع المأسَوي.
شبح الجوع
بعد ارتفاع وتيرة القتال، اضطر عثمان السيد إلى مغادرة منزله في ولاية الجزيرة، تاركاً خلفه كل أملاكه ومزرعته التي ظل طيلة سنوات عمره يعتمد عليها في معاشه، وهي حالة الآلاف من سكان هذه الولاية التي تضم أكبر مشروع زراعي في المنطقة، مما أدى إلى فشل الموسم الزراعي الشتوي، الأمر الذي قاد إلى فجوة كبيرة في الغذاء.
لم تفشل الزراعة في ولاية الجزيرة وحدها، بل في كل المناطق الإنتاجية في إقليمي كردفان ودارفور غربي البلاد، بسبب الصراع المسلّح والتهديدات الأمنية، مما تسبّب بفجوة خاصة لأنّ الاقتصاد السوداني يعتمد على الزراعة، الأمر الذي ترك سكان هذا البلد يواجهون شبح الجوع.
بعد عام من الحرب يواجه السودان إحدى أسرع الأزمات التي تتكشّف على الصعيد العالمي، باحتياجات غير مسبوقة، إذ يحتاج نحو 25 مليون شخص، منهم 14 مليون طفل إلى مساعدة ودعم إنسانيّين، كما يواجه 17.7 مليون شخص، أكثر من ثلث سكان البلاد – انعدام الأمن الغذائي الحاد، تحت تحذير من المجاعة المحتملة، فهناك 4.9 ملايين شخص على شفا الجوع، وفي مستويات الطوارئ، وفق تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
وبحسب التقرير نفسه: "يوجد واحد من كل عشرة أشخاص في مستويات الطوارئ من الجوع في المناطق التي لا يمكنهم فيها الحصول على المساعدة؛ بسبب قيود الوصول والقتال المستمر. كان التوسّع في الحرب في كانون الأول/ديسمبر في أجزاء من وسط وشرق السودان - أهم مناطق البلاد لإنتاج المحاصيل - أحد العوامل وراء الزيادة الكبيرة في الاحتياجات الإنسانية خلال موسم الحصاد، مما فاقم وضع الأمن الغذائي".
ولم يكن عثمان السيد الذي تحدّث إلى الميادين نت، بحاجة إلى هذه التقارير ليكتشف حجم الخطر الذي يحدق به، فهو يعيش المجاعة نفسها في المخيم الذي يأوي إليه في مدينة كسلا شرقي البلاد، فبالكاد يحصل على طعام متواضع مرتين في اليوم، وهي مأساة ظلّ يواجهها منذ وصوله إلى تلك المدينة التي تؤوي آلاف الفارين غيره.
ويقول: "ينقضي عام كامل، ونحن نكافح من أجل البقاء على قيد الحياة تحت ظروف سيئة، نفتقد إلى كل شيء، ونتمنى أن تتوقّف الحرب بشكل عاجل حتى نعود إلى منازلنا وعملنا، وترجع حياتنا الطبيعية".
وتسبّب النزاع المسلّح المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي، في مقتل أكثر من 13 ألف شخص من المدنيين، وجرح 26 ألفاً آخرين، وفق الأمم المتحدة.
وأدّت خلال عام إلى فرار أكثر من 8.6 ملايين شخص (نحو 16 في المئة من إجمالي عدد سكان السودان) من منازلهم، حيث لجأوا إلى داخل السودان ( 6.6 ملايين شخص)، أو الدول المجاورة (1.8 مليون شخص).
انهيار الصحة
القطاع الصحي هو الآخر تأثّر إلى حد بعيد من جرّاء الحرب، حيث خرجت 70 – 80% من المستشفيات في البلاد عن الخدمة، مما أدى إلى أن يفتقر آلاف السودانيين إلى الرعاية الصحية.
وتقول المسؤولة السابقة في وزارة الصحة السودانية نهال الطيب إن "الحصول على العلاج في السودان بعد عام من الحرب أصبح من أكبر المعيقات والمهدّدات للحياة، ويأتي خطره في مرتبة بعد رصاص الصراع مباشرة، فقد مات الكثير من المدنيين بسبب عدم حصولهم على الدواء أو عدم تلقّي الرعاية الطبية في الوقت الملائم، حيث توقّفت 90 بالمئة من الخدمات العلاجية في الخرطوم والولايات التي تشهد صراعاً مسلحاً بعد أن تدمّرت المرافق العلاجية".
وتضيف الطيب في حديث إلى الميادين نت أن "الدولة أصبحت غير قادرة على توفير الأدوية الأساسية المرتبطة ببعض الأمراض مثل السرطان والكُلى والتي كانت توفّرها للمرضى بشكل مجاني في الوقت السابق لاندلاع الحرب، حيث أعلنت وزارة الصحة أكثر من مرة عجزها عن توفير الدواء نتيجة لنقص التمويل، ولا يستطيع المواطن البسيط الحصول على المبالغ الكافية لشراء هذه العلاجات من السوق السوداء".
وتابعت: "أيضاً توجد مشكلة في استيراد الأدوية من الخارج حيث تعرّضت نحو 90% من الشركات المتخصصة في استيراد الأدوية إلى النهب، إلى جانب تعرّض مصانع الأدوية المحلية في السودان وعددها 27 مصنعاً مقارها في العاصمة الخرطوم للدمار، وخرجت من الخدمة من أول يوم لاندلاع الحرب في منتصف نيسان/أبريل الماضي، إضافة إلى خروج نحو 2500 صيدلية في الخرطوم عن الخدمة وتعرّض بعضها للنهب والدمار".
وشدّدت على أنه "في الولايات السودانية التي لم تشهد قتالاً تعاني شحّاً كبيراً في الأدوية نتيجة لصعوبة الحصول عليها كما ارتفعت أسعار الدواء إلى حد بعيد خلال الأشهر الماضية؛ بسبب الندرة، ووصلت إلى أسعار تفوق قدرة المواطنين الذين يعيشون تحت ظروف اقتصادية صعبة؛ لأنهم فقدوا مصادر كسبهم المالي بسبب الحرب".
وصاحب الحرب تزايد تفشّي الأمراض في مواجهة اضطرابات خدمات الصحة العامة الأساسية، بما في ذلك مراقبة الأمراض، ووظائف مختبرات الصحة العامة وفرق الاستجابة السريعة، علاوة على ذلك، لا يزال انعدام الأمن، والنزوح، والوصول المحدود إلى الأدوية، والإمدادات الطبية، والكهرباء، والمياه، يشكّل تحديات هائلة لتوصيل الرعاية الصحية في جميع أنحاء البلاد.
مستقبل مظلم
لا يملك أحمد عز الدين الذي تحدّث إلى الميادين نت أيّ فرصة للكسب المعيشي بعد أن تعطّلت كل مصالحه، وتتوقّف حياته على مساعدات شحيحة تصله من جمعيات شبابية تطوعية، في غياب للجهات الرسمية والمنظمات الدولية، حيث ظل كل هذه المدة يعيش على حد الكفاف، فليست أمامه خيارات عديدة، وهو يرى ضرورة أن تتوقّف هذه المآسي التي بلغت ذروتها عند هذا الحد.
وإضافة إلى معاناته الإنسانية وشبح الجوع الذي يطارده، بدا أحمد حزيناً على أبنائه الأربعة وهم خارج مظلة التعليم لعام كامل، ما يقود إلى ضياع مستقبلهم الأكاديمي، ويفقدهم فرصتهم في الحياة، وفق تعبيره، قائلاً: "لقد أخذت فرصتي في الحياة بكل ما حملته من معاناة بسبب الحروب والاضطرابات التي عاشتها بلادنا، وكنا نريد أن يهنأ أبناؤنا بالاستقرار ونيل حقهم في التعليم، لكن من المؤسف أنهم سيواجهون مصيرنا نفسه، وربما أسوأ، نظراً إلى مستوى الاضطراب الحالي".
وبحسب منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، فإن أكثر من 90 بالمئة من الأطفال في سن المدرسة والبالغ عددهم 19 مليون طفل في البلاد، لا يتمكّنون من الوصول إلى التعليم الرسمي، وسيؤدي ذلك إلى ضياع مستقبل جيل سوداني بأكمله، في وقت دمّرت الحرب خلال عام 40% من مؤسسات التعليم في العاصمة الخرطوم، وفق ما صرّح به وزير التربية والتعليم السوداني، محمود سر الختم الحوري.
وأدت حرب السودان في عامها الأول إلى إغلاق 100 من الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من أصل 136 جامعة في البلاد، الأمر الذي أدى إلى تشريد طلابها والبالغ عددهم بناء على التقديرات الرسمية نحو 714 طالباً وطالبة.
وهناك ما يقرب من 5 ملايين طفل قد هُجِّرُوا بالقوة في السودان بحلول نهاية عام 2023، بما في ذلك 2 مليون طفل نازح في الأزمات السابقة، مما يجعلها أكبر أزمة إزاحة داخلية في العالم للأطفال. كما أن ما يقرب من 14 مليوناً - نصف أطفال البلاد - يحتاجون الآن إلى مساعدة إنسانية، ونحو 900 ألف طفل لجأوا إلى البلدان المجاورة منذ بداية الحرب، وفق ما أفاد به مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).