"بحسّ إني طايرة".. مصريّات يقدن دراجات بخارية على كورنيش الإسكندريّة
تنتشر اليوم في الإسكندرية وتحديداً على كورنيش المدينة الذي يعدّ من أقدم الأماكن السياحية في العالم، ظاهرة قيادة النساء المصريات "السكوتر" أو الدراجة البخارية.
في قلب أجمل مدن البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً الكورنيش المطل على البحر في الإسكندرية، ستجد مشهداً لم تألفه عينك من ذي قبل، ستجد ما بين كل سيارتين "سكوتر" أو دراجة بخارية تقودها شابة أو سيدة، تضع خوذتها ولا يعنيها ضجيج العالم في الخارج.
شيماء علي، قررت ألا تلعن الظلام وتشعل شمعة في هذا الطريق، أثار فضولها، حينما كانت تستخدم سيارتها، مشهد لرجال يقودون دراجات بخارية يخترقون الزحام كما تخترق السكين العجين بسهولة وتخرج منه، فكرت في نفسها "ولمَ لا أجرب ذلك".
حب من أول "رايد"
"كأني طايرة في الهواء من دون قيود وأنا سايقة الاسكوتر"، كانت البداية قبل 9 سنوات، تقول شيماء لـلميادين، لم تكن وقتذاك فتيات كثيرات يقدن "سكوتر" في الإسكندرية كما هي الحال في هذه الأيام، وحينما أثار فضولها واهتمامها "الاسكوتر" ناقشت شقيقتها في الأمر التي وجدت منها ترحيباً بالفكرة، فاشتريا واحداً جديداً، كما لاقت تشجيعاً من والدها علي حسين يعمل حكماً دولياً في كرة القدم.
في هذه الأثناء ظهرت مجموعة في الإسكندرية تسمى "Alex Scooter" كان كل السائقين رجالاً، وكانت شيماء الفتاة الوحيدة بينهم، وحينما ناقشتهم في السماح لنسائهم بقيادة الاسكوتر كانت الإجابة أن النساء لم يتدرّبن ولم يكن وقتئذ سوى رجل واحد يدرب على قيادته، وكانت تكلفته مرتفعة، ففكرت في إنشاء مدرسة لتعليم قيادة الاسكوتر للفتيات.
واستأجرت شيماء "كارج" في أحد الأبنية لتقدم تدريباتها للنساء ضمن فاعليات المدرسة الأولى لتعليم الفتيات ليس في الإسكندرية وحسب بل في مصر عموماً باسم "Let's Scoot".
الطريق إلى أول مبادرة نسائية
كانت شيماء في هذه الأثناء، تعمل في مهنة التدريس، فكانت مُعلمة صباحاً ومدربة على قيادة السكوتر مساء. ساعدت فتيات كثيرات (بينهن منتقبات) على تعلم القيادة خطوة بخطوة فتخرّجت من تحت يديها فتيات ماهرات في القيادة بالعشرات، وانتشرت الفكرة وكانت أحياناً تعلّم الرجال.
صارت المبادرة فعلية، ولها نشاطات مختلفة تقوم بها، وأحدها كان احتفالية لمناسبة اليوم العالمي للمرأة، الموافق 8 أذار/مارس، فأرسلت دعوات إلى المهتمين بقيادة الاسكوتر من داخل مصر وخارجها، وحضر وقتذاك أناس من الكويت والسعودية وأغلب قادة الاسكوتر في القاهرة وسائر المحافظات وقضوا أسبوعاً في الإسكندرية.
كان المشهد ضخماً يملأُ شوارع الإسكندرية خصوصاً منطقة الكورنيش إلى حد لم يصدّقه أحد، بدأ الموكب الذي تقدّمته الفتيات قائدات الاسكوتر ( وعددهن 65 فتاة) من مكتبة الإسكندرية على الكورنيش حتى المندرة ثم القلعة.
القيادة على كورنيش الإسكندرية
كورنيش الإسكندرية من أقدم الأماكن السياحية في العالم، يعود تاريخه إلى أكثر من 300 عام، وإذا ذكرت الإسكندرية لأحدهم خصوصاً إذا كان من القاهرة فسيؤكّد عشقه لهذا الكورنيش والسير عليه، سواء نهاراً أو ليلاً وقد يحكي لك أحدهم عن ذكريات وحكايات حب بدأت أو انتهت على شاطئ الإسكندرية.
لذلك ستكون الفتيات لافتات عند القيادة على الكورنيش، يقُدن والسيارات تحيط بهن من كل اتجاه، وقد يتعرضن لمضايقات أو تحرشات مع أنه أمر نادر بحسب شيماء علي، إلا أنها تقول: "في الشتاء تكون القيادة هناك ممتعة، لكنها تتجنّب الكورنيش في الصيف بسبب المصيفين القادمين من خارج الإسكندرية، لأنهم غير معتادين رؤية فتيات يقدن الاسكوتر وقد يسببون مضايقات لهن".
أشعر بأني حرة
"بحس إني حرة وأنا سايقة الاسكوتر وبحسه إبني، لما كان حد بيتقدملي كنت بقوله اللي هيتجوزني أنا والاسكوتر هو حتة مني"، هكذا عبرت فاطمة كمال عن حبها للاسكوتر.
فاطمة هي الأخرى من أولى الفتيات اللاتي تعلمن قيادة الإسكوتر في الإسكندرية، هذه المرة ليست على يد فتاة، بل تعلمته على يد والدها الذي كان سائقاً مخضرماً مع أنواع شتى من الإسكوتر والدراجات البخارية مثل هارلي ديفيدسون وغيرها منذ شبابه.
تقول فاطمة إنها تعلمت من والدها الذي اقترح عليها حينما كانت في الصف الأول الثانوي أن تتعلّمه ويشتري لها سكوتر لينقذها من زحام الكورنيش في الإسكندرية، وفعلاً اشترى لها واحداً مستعملاً كهدية.
بعد تعلمها واحترافها قيادة الاسكوتر كان هو وسيلتها للذهاب إلى المدرسة الأزهرية، وكان الزي المدرسي وقتذاك عباءة ولم يثنيها الاسكوتر أو يضايقها الأمر، وسواء أكانت ترتدي تنورة أم عباءة كانت تقود الاسكوتر بحرية.
وأسعفها كثيراً خصوصاً في الصف الثالث الثانوي لاختراق الزحام بسهولة وقت الذهاب إلى دروسها ومدرستها، فكان بالنسبة إليها وسيلة مواصلات سهلة وآمنة ومقتصدة في الوقت وفي البنزين.
الاسكوتر وسيلة آمنة
أصبحت فاطمة مدربة للفتيات بالمجان، ثم في مقابل بدل رمزي حينما وجدت أن هناك استغلالاً من مدربين الاسكوتر في الإسكندرية، وأسّست أكاديمية للتدريب على قيادة الاسكوتر.
انتشر الأمر بصورة كبيرة وأصبحت تشارك في سباقات وسفر للاستمتاع بالاسكوتر ونشر ثقافته.
نادرة هي السخافات والمضايقات والتحرشات التي تتعرض لها فاطمة وهي تقود الاسكوتر إلا في المناطق الشعبية التي أصبحت تتجنّبها، لكن كانت كل النظرات إليها نظرات انبهار بما تفعله وكانت تلقى دعماً وتشجيعاً، خصوصاً من المسنين.
لم تتخلَّ عن قيادة الاسكوتر حتى مع حملها، إلا حينما أنجبت طفلاً ورأت أن قيادة السيارة ستكون أكثر أمناً لها من الاسكوتر بوجوده.
لن أتخلّى عن الاسكوتر
أما جيسي قمر فتُنزل الاسكوتر منزلة اليد والقدم عندها، وهي لن تتخلّى عنه أبداً مهما كان الظرف حتى لو تزوّجت، إلا إن رُزقت طفلاً وأصبح هناك خطر عليه، وقتئذٍ قد تفكر في ركوب السيارة.
تقول جيسي لـلميادين نت: "بحس إني طايرة وأنا سايقة الاسكوتر والهواء معدي من جنبي ومنظر الكورنيش تحفة"، جيسي فتاة اسكندرية عشرينية، بدأت هوايتها في قيادة الاسكوتر منذ حوالى عام 2016، إذ كانت من أوائل الفتيات اللاتي تعلمنه وقدنه في مدينة الإسكندرية.
كان بالنسبة إليها حلاً مثالياً للهروب من الزحام، على الرغم من اعتراض الأسرة في البدء لكنّهم وافقوا حينما لمسوا إيجابياته العديدة ووعدت جيسي أن تحرص على سلامتها جيداً، حتى أصبحت فيما بعد سائقاً لجميع أفراد الأسرة ممن يريد منهم أن يصل في موعده بسرعة.
تنفي جيسي هي الأخرى أن تكون قد تعرّضت لمضايقات وتحرّشات بكثرة، لكنها تشير إلى مرات نادرة لا يمكن أن تُذكر حدث فيها ذلك، وتؤكد أنها لن تخاطر بنفسها وتقود الاسكوتر في المناطق الشعبيبة، فهي تكتفي فقط بالأماكن الحضرية ومنطقة الكورنيش.
باتت جيسي الآن أحد المُدربين على قيادة الاسكوتر في الإسكندرية، واستفاد من عملها كثير من الفتيات اللاتي شجعتْهن على قيادته وكسر الخوف منه، وتؤكد أنها أحياناً تسافر به إلى خارج الإسكندرية وتزور مدناً مثل القاهرة والساحل الشمالي مستمتعة بنسيم الهواء قائلة: "لن أتخلى عن الاسكوتر أبداً في حياتي".