المزارعات التونسيات يواجهن مخاطر العمل: لا رعاية صحية ورواتب زهيدة

تعاني النساء العاملات في المجال الزراعي مشاكل عديدة أولها الأمية وضعف الرعاية الصحية، كذلك تغيب عن القطاع الزراعي الهيكلة والتنظيم.

  • المزارعات التونسيات يواجهن مخاطر العمل: لا رعاية صحية ورواتب زهيدة
    المزارعات التونسيات يواجهن مخاطر العمل: لا رعاية صحية ورواتب زهيدة

تُعدّ النساء العاملات في القطاع الزراعي من الفئات الأشدّ هشاشة في تونس، فعملهنّ في هذا المجال، يكون عادة لإعانة أسرية من دون مقابل يذكر أو بأجر زهيد مقارنة بالذكور، كما إنهن لا يحظين بتغطية اجتماعية أو بمراعاة لأبسط شروط السلامة المهنية، ما عرضهن في مرات عديدة إلى حوادث أودت بحياة الكثيرات منهن، على غرار حادثة محافظة سيدي بو زيد الشهيرة التي أسفرت عن مقتل 12 شخصاً بينهم 7 عاملات في قطاع الزراعة من قرية واحدة، وأطلق عليهن وصف "شهيدات الخبز" وصارت التقريطة (وشاح مزدان بالورود) رمزاً للنضال النسوي، وفي 13 آب/أغسطس الماضي، تاريخ العيد الوطني للمرأة في تونس، تم إصدار طابع بريديّ يخلد ذكراهن. 

إلى جانب دورهنّ في إعالة الأسر، فإنهنّ أيضاً يساهمن في حماية البيئة؛ ذلك أن فضاء العمل الزراعي هو فضاء مؤنث بمساهمة بنسبة 75%، فضلاً عن أنهن جامعات الغلال والخضار فهن من يحققن الأمن الغذائي، وعملهن في الزراعة يقلل من ظاهرة التصحر، وهنّ من يجلبن المياه من مسافات بعيدة. 

ورغم ذلك، ما زالت النساء العاملات في المجال الزراعي يعانين مشاكل عديدة أولها الأمية وضعف الرعاية الصحية، وذلك يعود إلى  عدة عوامل منها ضعف البنى التحتية وتباين منوال التنمية بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية.

هي معاناة مزدوجة ومتعددة الأطراف، في سنة 2021، أعلن وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي أن 25% من النساء في تونس أميات، فيما تبلغ نسبة المنقطعات عن الدراسة 60%، وهن من النساء الريفيات.

إلى جانب الأمية والانقطاع المبكر عن الدراسة، تغيب عن القطاع الزراعي الهيكلة والتنظيم، إذ أشار تقرير تنمية المرأة العربية لسنة 2019 الصادر عن مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث أن  العمل غير المنظم الذي يتميز بتدني الأجور، وانعدام الحماية وغياب الظروف الصحية للعمل، يشكل نسبة 50% من العمل الإجمالي في البلدان العربية، مع مساهمة أكبر للنساء فيه.

وتبلغ نسبة العاملات في القطاع غير المنظم في تونس والجزائر من إجمالي النساء العاملات على التوالي 30 و49%.

لا رعاية صحية للمزارعات التونسيات

وفي سياق ذلك، تقول فاطمة (50 سنة) وهي عاملة زراعية في كروم العنب، أن النساء، ورغم تقدمهن في السن، يكن مضطرات إلى العمل في المجال الزراعي لكسب قوت أبنائهن، فيستيقظن منذ الخامسة صباحاً ليعملن تحت حرارة الشمس من دون أي رعاية صحية.

وتضيف أنهن بحاجة إلى هذا العمل، وهنّ ينتظرن موسم جني العنب؛ لأنه يسبق العودة المدرسية، ما يوفر لهنّ دخلاً يسد بعض الالتزامات الأسرية.

أما نجمة (60 سنة) فتقول إنه رغم المرض والوهن، ليس أمامها سوى العمل، وأنه على المرأة  أن تشتغل حتى توفر لها ولأبنائها لقمة العيش؛ إذ لا توجد حلول أخرى، خصوصاً أن الرجال لم تعد لديهم رغبة في العمل الزراعي، حسب تعبيرها. وفي إجابتها عن التغطية الاجتماعية والظروف العامة، ابتسمت وقالت: "لا أحد يحمينا في هذا الوطن".

ويبدو أن الفقر مؤنث أيضاً في الأرياف حيث توجد هوة في الأجور بين الجنسين، فيبلغ أجر العاملة الواحدة  12 ديناراً (4 دولارات) في حين يتلقى الرجل بين 25 و35 ديناراً (7 إلى 10 دولارات) في مقابل تأدية العمل نفسه، وهذا ما يجعل أرباب العمل يفضلون اليد العاملة من النساء.

وفي 8 آذار/ مارس 2022 (اليوم العالمي للنساء) أوردت جمعية "أصوات نساء" التونسية أن تونس تحتل المرتبة 144 من جملة 156 دولة في ما يخص التمكين الاقتصادي للنساء.

ولعل  الفجوات في الأجور وفي التمكين الاقتصادي ووضعية هشة للنساء العاملات في الفضاء الزراعي تضع مبدأ المساواة بين الجنسين، الذي أرسته دولة الاستقلال وناضل في سبيله المجتمع المدني، محل مساءلة.

سفر الرجال يضاعف الضغط على نساء الأرياف

وفي مقاربة مغايرة، ترى سلوى كنو، رئيسة جمعية دعم المبادرات في القطاع الزراعي أن كل القطاع الزراعي يعاني التهميش والركود وعدم الهيكلة، فضلاً عن عدم التطور والتردي في استغلال الأراضي والطاقات البشرية، إلى جانب ضعف الإمكانيات وانعدام البرامج على أرض الواقع.

وأضافت أنه لا يوجد اهتمام بالمشاريع الزراعية الصغيرة التي يمكن أن تكون مثمرة وأن توفر فرص عمل. 

كذلك يضاعف اتجاه الرجال نحو الهجرة غير النظامية الضغط على النساء في الأرياف.

وفي تشخيصها للحلول الممكنة، تقول كنو إنه يجب إرساء برامج توعية ومراقبة مستمرة للقطاع ووضع استراتيجية واضحة تشمل الأسر والرجال والنساء على حد السواء، حتى تكون هناك نتائج حقيقية، كذلك يجب الاهتمام بالمشاريع الزراعية الصغيرة وتأطيرها.

ويتمتع عدد قليل من النساء العاملات في المجال الزراعي بالتغطية الاجتماعية، إذ تبلغ نسبة النساء الريفيات المنخرطات في منظومة الضمان الاجتماعي 33%، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بمساهمتهن في القطاع الزراعي، وهو عدد أقل من الرجال أيضاً.

ونظراً إلى ضعف التغطية الاجتماعية وتكرر الحوادث، تم إيجاد عديد من الحلول الوقتية، ففي سنة 2019، أرست الحكومة منظومة "احميني"،  وهي عبارة عن مبادرة تقوم على دفع النساء مساهمة يومية  قدرت بنحو 700 مليم (أقل من 1 دولار)، ورغم أنها مبادرة  رائدة في إدماج المرأة داخل الأوساط الريفية في المنظومة الصحية والاجتماعية، لم تحل الإشكال لأن أغلب النساء  بتن غير قادرات على دفع المساهمة اليومية للصندوق.

إن ضعف التغطية الاجتماعية يرافقه عدم حماية للنساء خلال تنقلهن للعمل، وقد أورد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنه خلال السنوات الست الأخيرة بين 2015 و2021،  بلغ عدد الحوادث  46 حادثاً، أحدها حادث شاحنة ناقلة لعاملات في الزراعة خلف 652 جريحة (بخطورة متفاوتة) و47 حالة وفاة. 

وتتصدر محافظات الوسط الغربي، خاصة سيدي بو زيد والقيروان، المراتب الأولى من حيث عدد الحوادث وعدد الضحايا بنسبة 26% لكل منهما، أي ما يعادل 52% من مجموع الحوادث.

ورغم تعالي أصوات منظمات المجتمع المدني،على غرار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وجمعية النساء للبحث حول التنمية، وجمعية دعم المبادرات النسائية في القطاع الفلاحي وأصوات نساء وغيرها من المنظمات الفاعلة، والتي تنتج دراسات وتنظم ورشات ووقفات احتجاجية للضغط من أجل تحسين وضع هذه الفئة التي تعدّ الحلقة الأضعف، ما زال الوضع سيئاً، خاصة في ظل هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

 تم وضع برامج عديدة بهدف الحد من هذه المشاكل وتمكين النساء، منها  برنامج رائدات  الذي انطلق سنة 2018، وتمكن من إنشاء 4868 مشروعاً نسائياً منها 3932 مشروعاً صغيراً للغاية و531 من المشاريع الصغرى والمتوسطة باعتمادات تجاوزت 14 مليون دولار. كما ساهم في خلق نحو 6216 فرصة عمل مباشرة، وسيستمر عمل البرنامج حتى سنة 2025.