"الأعياد تجلب الرزق".. أضحية العيد في تونس لمن استطاع إليها سبيلاً؟
قبيل عيد الأضحى، ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية، تعجز الأسر التونسية عن شراء أضحية العيد، في حين يخشى الباعة كساد سلعهم، إذ يغادر القليلون السوق مع الأضحية.
مثل كل سنة قبيل عيد الأضحى المبارك، يخاف التونسي أن لا يتمكن من شراء أضحية العيد. وفي السنوات الأخيرة، صارت تحاصره الأزمة الاقتصادية التي أضعفت بدورها مداخيل الأسر التونسية، حتى صار الخوف مشتركاً بين الباعة الذين يخافون كساد سلعهم، والمربين الذين كلّفهم العلف أموالاً كثيرة، والمستهلكين غير القادرين على مجاراة ارتفاع الأسعار.
الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحاً. الحركة قليلة في سوق بيع الأضاحي أو "الرحبة"، كما يطلق عليها التونسيون. أغلب رواد السوق يكتفون بالمشاهدة والسؤال أحياناً عن أسعار الخرفان، قبل أن يتنقلوا بين الباعة ويكرروا التصرف نفسه، فيما يغادر عدد بسيط منهم ومعهم أضحية.
ثمة واقع أساسي يعكس وضعاً متأزماً للتونسي اليوم، فهو يلجأ إلى الاستدانة في كل المناسبات الاحتفالية. ليس بعيداً من "الرحبة"، يقول محسن (53 سنة) إنه يقترض المال على امتداد السنة، وأن الراتب لا يبقى بين يديه أكثر من 3 أيام. أما هذه المناسبات -ويقصد الأعياد- فـ"تجي برزقها"؛ فمنذ سنتين، صار يقتسم خروف العيد وثمنه مع أخيه حتى يتمكنا من الاحتفال بالعيد كباقي الناس.
لم يكن محمد (37 سنة) يعلم أنه لن يجد خروفاً يلائم ميزانيته، فظلّ يطوف منذ الصباح، على حد قوله، من دون أن يظفر بضالته، وهو يشتكي الأسعار وانعدام الرقابة، ويروي للميادين نت أن ثمن الخروف يفوق أجره الشهري. ورغم ذلك، لا يمكنه العودة إلى البيت من دونه، بعدما وعد أطفاله به ليلة أمس، ويضيف: "لذلك، لا حل لدي غير التنقل بين الأسواق".
ترجم شكوى المواطنين والباعة على حد سواء أنيس خرباش، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحة والصيد البحري في حديثه إلى الميادين نت، فقال "إن نسبة ارتفاع أسعار الخرفان بلغت 30% مقارنة بالسنة الفارطة. وبلغة الأرقام، تتراوح الأسعار بين 750 ديناراً (243 دولاراً) و1300 دينار (421 دولاراً)".
التغيرات المناخية ونقص الأعلاف الخضراء كانا سبباً رئيسياً في هذا الارتفاع، بحسب تصريحه، فيما اقترن نقص الأضحية في الأسواق بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج بنقص الطلب.
ويرجع ارتفاع الأسعار إلى عجز المربين في الحصول على الأعلاف بسبب ندرتها وما يشوب عملية توزيعها من محاباة ومحسوبية وفساد. من ناحية أخرى، إن أزمة الجفاف ألقت بظلالها على الإنتاج، إذ لم تتجاوز نسبة امتلاء السدود خلال شهر نيسان/أبريل 30%، وأدت إلى فقدان نصف الكمية المخصصة للأضاحي هذا الموسم، وتتسبب قلة التساقطات وشحها منذ ما يقارب 4 سنوات في ارتفاع أثمان الأعلاف التي يأتي في 50% منها من الحبوب.
وقد عمّقت ندرة الأعلاف في السوق العالمية واضطراب سلاسل التوريد والأمن الغذائي بسبب الأزمة الأوكرانية الروسية معاناة مربي الأغنام، إذ عجزت تونس كغيرها من الدول التي تورد الأعلاف من أوكرانيا عن توفيرها.
ويكاد يكون عيد الأضحى المناسبة الوحيدة التي تحضر فيها اللحوم الحمراء على الموائد التونسية، إذ يصل الكيلوغرام منها إلى 13 دولاراً. وعلى الرغم من الوضع المذكور، يضطرّ رب الأسرة متوسطة الدخل إلى إيجاد حلول لشراء الأضحية إرضاء لأطفاله، لكي لا يشعروا بالنقص مقارنة بأقرانهم، فيما تخلت الأسر محدودة الدخل والمعوزة عن أضاحي العيد منذ سنوات.
هذا ما يحكيه نزار (45 سنة) الذي يصطحب ابنه ذا السنوات الخمس إلى "الرحبة"، ويذكر أنه أصرّ، رغم حرارة شمس الصيف، على مرافقته حتى يختار خروفه بنفسه، فراح يطوف معه على الباعة، ويتفقد أضحية العيد وأسعارها. وعند سؤالنا عن الأسعار، قال: "في حقيقة الأمر، لم يعد للفقير مكان في هذه البلاد. كل المناسبات تذكره بفقره".
وللباعة رأي مشابه، فهم يدركون أن الأسعار مرتفعة، لكنهم يتحججون بغلاء العلف وأسعار شراء الخرفان من المربين... واليوم، ورغم أهمية شعائر عيد الأضحى وفرحة الأطفال خلال هذه المناسبة، لم تعد أضحية العيد إلا عبادة لا بد منها بالنسبة إلى التونسيين، إذ لا تغطي أجور أغلبهم أسعار الخرفان.
وبطبيعة الحال، فإن هذه المناسبات ككل سنة تحمل في طياتها أبعاداً تكافلية وتآزراً مجتمعياً، إذ انطلقت مبادرات توزيع الأضاحي على العائلات محدودة الدخل.
ويتوقع توريد 200 ألف رأس من الأغنام، على الرغم من تحفظات اتحاد الفلاحة والصيد البحري على التوريد، نتيجة أضراره على منظومة الإنتاج، وهو ما يمثل إجراء كارثياً قد لا يتحمله الاقتصاد التونسي في ظل هذه الأوضاع المأزومة.