أهالي معتقلين في البحرين يروون قصص أبنائهم المروّعة المسرّبة إليهم

قصص معاناة الأسرى البحرينيين في السجون كثيرة، تتسرّب بلهيبها إلى أسرهم، الأخبار لا تصل إليهم كاملة عن وضع أبنائهم، أو تصل متأخرة جداً، خصوصاً أن الإهمال الطبي صار ممنهجاً لدى إدارة السجن في البحرين.

  • أهالي معتقلين في البحرين يروون قصص أبنائهم المروّعة المسرّبة إليهم
    أهالي معتقلين في البحرين يروون قصص أبنائهم المروّعة المسرّبة إليهم

منذ عام 2011 إلى الآن، مرّ على سجون البحرين ما يربو على تسعة آلاف معتقل رأي، ظلّ في تلك الزنازين ما يقارب 1300 سجين، من بين المعتقلين، لكنّ قصص معاناتهم بقيت كثيرة، تتسرّب بلهيبها إلى أسرهم، التي عانت، ولا تزال جراء ما يلاقيه المعتقلون.

القلق سيد المعاناة لدى الأسَر، لأن الأخبار لا تصل إليهم كاملة عن وضع أبنائهم، أو تصل متأخرة جداً، خصوصاً أن الإهمال الطبي صار ممنهجاً لدى إدارة السجن في البحرين، بعد انتشار أمراض عديدة في الزنازين من دون أي شفافية في بيانات السجن تظهر الوضع الصحي لكل معتقل.

الميادين نت، حاورت ثلاث أسَر، ورصدت نموذجاً من المعاناة التي يسردها الأهالي بغصة، مع تفاصيل يندى لها جبين الإنسانية.

أحمد العرب بين حكم قرقوشي وأمراض عديدة

يعاني أحمد عبد الله علي العرب مشكلات صحية جمة، فضعف النظر وآلام العمود الفقري لم تشفع له عند السجانين، فكسروا أنفه وبضع أصابع من يده، في وجبة من وجبات التعذيب. كل تلك المصائب التي يحتملها والد المعتقل عبد الله وأمه فاطمة تهون، إزاء الحكم الطويل على ابنهم البكر، فالقضاء المسيس أطلق أحكاماً عدة عليه، وصل مجموعها إلى 180 عاماً، أي إلى مدة أطول من عمر الإنسان الافتراضي بأضعاف.

يحكي والد المعتقل أحمد معاناة أسرته، فيقول: "المعتقل هو الابن الأكبر للأسرة، وفقدان وجوده في المنزل يشكل أزمة نفسية شديدة لنا كوالدين ولأشقائه، خصوصاً أنه اعتقل ونال كثيراً من العذاب، وهو لا يزال طفلاً صغيراً، وحرم الزيارة والعلاج في كثير من الأحيان" . 

 يؤكد عبد الله العرب أنهم طرقوا باب لجنة التظلمات ما يقارب ثلاث مرات من دون جدوى، وفي كل مرة يكون الرد أن الشكوى غير صحيحة، وبحسب العرب فإن "أحمد وعلى الرّغم من صغر سنّه لاقى كثيراً من التجاوزات، إذ تعرّض للتعذيب منذ لحظة اعتقاله وفي سجن "جو" أيضاً، كما تواصل التعذيب بعد وصوله إلى سجن "الحوض" الجاف، قسم الأحداث، وكذلك تعرّض للسجن الانفرادي مرّات عديدة كما وضع في سجن العزل من دون سبب مدةً تجاوزت عامين، حرم الزيارة مرات كثيرة، ومنع عنه العلاج". 

ويقول والد المعتقل أحمد العرب إن "رسالتي إلى المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والضمير الإنساني النظر في وضع معتقلي الرأي كافة، فمن غير الإنسانية أن يُسجنوا طوال هذه السنين، ويضيّق عليهم، ويحرموا أبسط حقوقهم في ظروف قاسية ملأى بالجراثيم، التي نقلت إليهم عدداً من الأمراض، فيما يُفرج عن الجنائيين الخطرين على المجتمع". 

 وتساءل والد السجين العرب: "إلى متى يقف العالم أصمّ أبكم تجاة معاناة السجناء في البحرين، نتمنى تكاتفاً واضحاً ومؤثراً".

قلقون على حسن طوال الوقت

تسرد رجاء حسين معاناة أسرتها مع اعتقال ولدها حسن محمد حسن، الذي يصل مجموع سنوات حكمه إلى 23 عاماً، تختنق بعبرتها، وهي تروي قلق الأسرة بعد اجتماع الأمراض على حسن، فمن وجع الرأس المزمن إلى الغدد المفاوية في الرّقبة، من دون علاج.

إدارة السجن تهمل هذا الأمر عمداً مع معظم معتقلي الرأي، حين يصل إلى مسامع رجاء بين فترة وأخرى أن ابنها أغمي عليه في الحمام أو قرب باب الزنزانة، ينقبض قلبها، وتتمنى لو أن روحها هي التي تُقبض، ولا تسمع عن ولدها ما يطعن استقرارها ويزعج سكينتها. تفصّل رجاء إحدى هذه الإغماءات فتقول: "أغمي على ابني في الحمام، وإثر سقوطه كسر سنّه الأمامية، ونقل بالإسعاف إلى مستشفى السلمانية، والطبيب كتب له تحويلاً مباشراً إلى مستشفى الأعصاب، لكنّ إدارة السجن قرّرت إرجاعه إلى السجن، ورأت أن ذلك ليس خطراً"، وتضيف: "نحن نعيش القلق الشديد والدائم، نعيش التوتر والخوف، ونتوجس من أي خبر يصل إلينا بشأن صحته".

الحرقة لا تفارق نبرتها، وهي تشرح التضييق، وتقول: "المضايقات كثيرة، افتقادهم للعلاج والرعاية، وحرمانهم من ضوء الشمس ساعات طوالاً، فمدة خروجهم إلى ساحة السجن لا تكفي للتشمس، خصوصاً أنهم في معتقل أشبه بوكر، لا هواء فيه، ولا ضوء، وهناك تضييق دائم عليهم عند إحيائهم الشعائر التي تخص عقيدتنا".

رجاء تؤكد أن التظلمات لا فائدة منها، وتقول: "إن عدداً كبيراً من التظلمات قدمها زوجها وأختها، حتى إنها لا تذكر عدد التظلمات، إلا أن الاستجابة كانت مرةً واحدة ويتيمة، وكانت لعلاج سن يشكو منها، ومع ذلك لم يكمل علاجه أيضاً".

والدة المعتقل حسن تؤكد أن "التضييق على المعتقلين متعمد، وإلا لراعوا وضع المعتقلين من الجهة الصحية على الأقل، خصوصاً أن هذه الأمراض لا تهمل لدى سجين محكوم عليه فترةً طويلة. كلّ هذه الأمراض تتجمع على هذا الجسد فتقل مناعته وتنخر في جسده، إذ لا بيئة صالحة، ولا طعام يقوي المناعة ولا علاج".

أما رسالة رجاء إلى العالم والمنظمات الحقوقية فهي: "حكّموا ضمائركم في هؤلاء السجناء الذين سُرق عمرهم، وقطفت زهرة شبابهم، وأخذ المرض ينخر في أجسادهم الضعيفة، فهم في نهاية المطاف بشر، لهم حقوق تجب مراعاتها، كيف لا، وهم أناس أبرياء، وقفوا يطالبون بحقوق مشروعة، وكتمت أصواتهم، وحوربت أجسادهم، فلتتحرّكوا لإنقاذ أروحهم والإفراج عنهم عاجلاً".

أبنائي يتذكّرون طفولتهم مع أحمد ويبكون

كريمة العليان تروي للميادين نت قصة المعاناة مع اعتقال ابنها أحمد العجيمي، فتقول: "نعاني الحزن والوحدة والألم بغيابه، نعيش المرارة في بعده عنّا، لا فرحة لنا، ونحن نرى مكانه خالياً بيننا"، وتضيف: "حتى إخوانه تنتكس حالتهم. لا أحد من إخوته وأخواته يطيق الحياة، وهو بعيد عنهم يحنّون إليه، ويسألون عنه كل حين، وعندما يجلسون معاً يجتهدون في تذكر أوقات طفولتهم معه، يحاولون تذكر ملامحه، وابتساماته، وأحاديثه ولعبهم معه.

العجيمي المحكوم بسبع سنوات، يعاني مشكلات في الأسنان، وكبقية السجناء، لا علاج في الأوقات المحدّدة والمفترضة، محكوم عليه بثلاثِ تهم هي: الانضمام إلى جماعات أسست على خلاف أحكام القانون، والتدريب على استعمال أسلحة لارتكاب جرائم إرهابية، و التجمهر والشغب. وتؤكد كريمة أن حال أبنائها دخلت في مرحلة التعب، وتقول: "عندما يفيقون من جميل ذكرياتهم مع أخيهم المعتقل، ينتبهون إلى أنه حبيس قضبان الظالمين، وهو بعيد عنهم، وأنهم لا يستطيعون الاقتراب منه، فتبدأ الغصّة في قلوبهم وتتساقط دموعهم، ويفرون من واقعهم المؤلم". 

العليان لم تكتفِ بذلك وحكت ألوان التضييقات على ابنها أحمد فقالت: "وضعهم في السجن أصبح خطراً والمضايقات كثيرة ومستمرة، فأبناؤنا مهدّدون بالموت في كل لحظة، وهم يتعرّضون للإهانات والمعاملة غير الإنسانية، من تعذيب وحرمان وسوء معاملة وإهمال في العلاج وحرمانهم الاتصال بالأهل بين فترة وأخرى"، وتؤكد أن وقت الاتصال -إن حصل- فهو قصير، ولا يلبّي الأسئلة الحيرى التي تعتمل في دواخلنا، ولا يشفي الغليل، ولا يطفئ نار الشوق فينا".

وتضرب والدة المعتقل العجيمي أمثلة فتفيد بأن "ما يكشف عن سوء المعاملة‫ هناك، كثرة التفتيش المهين لهم، وتكرار سرقة أمتعتهم الخاصة، وطعامهم الذي يشترونه من أموالهم الخاصة التي يرسلها أهاليهم، وآخرها في الشهر الماضي حينما صادرت الشرطة جميع ممتلكات المعتقلين وحتى الأكل والعصير، والمصادرة شملت أدوات الاستحمام أيضاً، إذا كسروا الصابون وبعثروه في الزنازين ومزّقوا الأسِرّة، وصادروا الوسائد والأغطية و"الفوط"، وكسروا أدوات الحلاقة، وسكبوا مواد التنظيف على الأرضية"، وبنبرة لا تخلو من غصة تقول كريمة إن ذلك "يضطرنا إلى دفع مبالغ كل مرة لشراء مستلزمات أخرى جديدة".

وعن التظلمات لدى اللجان المعنية الرسمية والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان قالت العليان: "لا نحصل إلا على الوعود الكاذبة، ولا أثر لها في الخارج، فتلك اللجان، وتلك المؤسسة لا تحرك ساكناً، ولا نفع لها، ولا تمت إلى المعتقلين والإنسانية بصله"، وتضرب مثالاً على ذلك، فتقول: "ابني عانى ألم أسنان طوال سنوات، فمنذ اعتقاله الظالم حُرم العلاج، تظلّمنا مرات عدة ولم نرَ سوى وعود كاذبة وتطبيبات لإسكاتنا". 

وعن الظروف الإنسانية في المعتقل، تؤكد العليان أن "الظروف هناك لا تلائم الحيوان، فكيف ببني البشر، حتى طعامهم لا يكفيهم، فهو قليل وأقلّ من القليل، إضافة إلى كونه غير صحي، فالظروف تفتقر إلى مبادىء الإنسانية والعدالة".

وتوجّه كريمة العليان مناشدتها العالم بالقول: "نناشد جميع المؤسسات الدولية، ولا سيما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ضرورة زيارتهم مباشرة ورصد الممارسات الهمجية التي يتعرّض لها أبناؤنا الأسرى والتدخّل السريع للإفراج عنهم لإنهاء معاناتهم".

 وتختم حديثها إلى الميادين نت بعزة وثبات فتقول "أنا والدة الأسير أحمد العجيمي أعلن ثباتي وثبات ابني على مطالبنا العادلة، وعدم الرضوخ للظالم مهما استبد واشتدّ ظلمه".