آلاف سجناء الرأي في البحرين يعودون إلى منازلهم.. تحديات الاندماج الاجتماعي
يعاني السجناء السابقون في البحرين بحسب منظمات حقوقية من صعوبات في الاندماج الاجتماعي، تبدأ بالمشكلات الصحية والنفسية التي تراكمت بسبب ما يقولون إنه إهمال تعرّضوا له داخل السجون، لتصل إلى الصعوبات الاجتماعيّة والحياتيّة والاقتصادية.
يسأل علي زوجته زينب وهو يجالسها إلى طاولة طعامهم عن سبب قبولها به زوجاً، برغم معرفتها بظروفه الصعبة. لم تستغرب زينب سؤاله، فما يقوله كانت قد سمعته من بعض محيطها الاجتماعي الذين لم يتقبّلوا بسهولةٍ ارتباطها بسجينِ رأيٍ سابق، سيواجه الكثير من المشكلات والصعوبات حتى بعد خروجه من السجن.
لا تزال زينب آل خميس، وهي ناشطة حقوقية، مقتنعةً بصوابية قرارها بالزواج من علي الحاجي وهو ناشط أيضاً، وسجين سياسي سابق، برغم أن علي واجه محاكمة ثانية تأجّلت لأكثر من مرة بعد خروجه من السجن، وكان يمكن أن يُعاد اعتقاله في أي لحظة، بسبب اعتصامه أمام مبنى وزارة الداخلية البحرينية للمطالبة برفع حظر السفر عنه بعد انتهاء مدة محكوميته.
صعوبات في الاندماج
يعاني السجناء السابقون في البحرين بحسب منظمات حقوقية من صعوبات في الاندماج الاجتماعي، تبدأ بالمشكلات الصحية والنفسية التي تراكمت بسبب ما يقولون إنه إهمال تعرّضوا له داخل السجون، لتصل إلى الصعوبات الاجتماعيّة والحياتيّة والاقتصادية، كالعمل والدراسة والسكن.
وكانت قد صدرت توجيهات عن رئيس مجلس الوزراء ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة إلى عدة وزارات، للتنسيق ومتابعة أوضاع المشمولين بالعفو الملكي الأخير، كالاستفادة من إعانة التعطّل وتوفير برامج تدريبية وفرص عمل.
وبينما ينتقد علي الحاجي في حديث للميادين نت وجود فروقات في المتابعة الرسمية بين المفرج عنهم بعفو والمنتهية محكوميتهم، يقول إن الفئتين تعانيان صعوبات في الاندماج الاجتماعي، فيحتاج المنتهية محكوميته إلى سنتين لتحصيل شهادة حسن سيرة وسلوك على عكس المفرج عنه بعفو، ويقول إن السلطات الأمنية أبقت القيد الأمني عليه، ما منعه من السفر والتنقّل بحرية.
ويقول علي الحاجي إنه يتعرّض بعد أكثر من 10 سنوات في السجن لمضايقات عبر إرسال دوريات في ساعات متأخّرة من الليل لإزعاج جيرانه وإخافتهم بحجة السؤال عنه، وإنه لا يجد تفسيراً لها سوى محاولة تأليب محيطه ضده.
تبعات الاعتقال
يشرح سجين الرأي المفرج عنه في العفو الملكي الأخير علي حسين الجنوساني في حديث للميادين نت كيف أن اعتقاله كان سبباً في انفصاله عن زوجته، بعد رفض وزارة التنمية الاجتماعية منح زوجته علاوة غلاء المعيشة، كما تم إيقاف بدل السكن عنه وإلغاء طلبه الإسكاني لضرورة حضوره الشخصي لتحديث البيانات، وعندما سألهم والده: "كيف يمكن أن يحضر وهو مسجون؟"، تمّ الردّ عليه: "ما ندري يا حجي".
ويؤكد الجنوساني أن معاناته استمرت بعد الإفراج عنه، فهو ما زال يراجع وزارة الإسكان من دون نتيجة، قائلاً: "إذا تزوّجت مجدداً فأنا بحاجة إلى الانتظار لأكثر من 5 سنوات لإعادة صرف المخصص الإسكاني".
ولدى سؤالنا عن بدل التعطّل الذي يتقاضاه المفرج عنهم بعفو، اتفق الجنوساني والحاجي أنه واحدة من الامتيازات، و"لكن الأجدر كان تأمين فرص عمل لهم"، لأن "التعطّل" لا يستطيع أن يؤمن قوت يومهم، وفقاً لهما.
وكان وزير العمل جميل حميدان قد تعهّد في تصريح سابق، بعمل الوزارة على توفير برامج التدريب والتأهيل المختلفة والإدماج في سوق العمل عبر فرص عمل مناسبة، سعياً منها، بحسب حميدان، لتعزيز المستوى المعيشي للفئة المشمولة بالعفو.
وفي هذا السياق، قال سجين الرأي المفرج عنه حامد جعفر في حديث للميادين نت، إنه لم يلمس حتى الآن جدية في تحركات أي جهة رسمية، سواء بشأن التوظيف أو بشأن الإسكان، فما جرى بحسب حامد "مجرد وعود". الأمر الذي يؤكده المفرج عنه فاضل (اسم مستعار) في حديث للميادين نت، قائلاً إنه وبرغم ذهابه مراراً إلى وزارة الإسكان "إلا أن المسؤولين اكتفوا بالوعود"، بحسب تعبيره.
وبشأن الخطوات التي اتخذها، أوضح جعفر أنه راجع مع عدد من المفرج عنهم وزارة الإسكان وتم الرد عليهم أن الوزارة سترفع قوائم بالأسماء، وسيتم الرد عليهم لاحقاً. الأمر نفسه الذي حصل مع الجنوساني، بعدما قدّم خطاباً إلى وزارة الإسكان والتخطيط العمراني لاستئناف صرف بدل السكن وإعادة إحياء طلبه الإسكاني، ومرّ الأسبوع الثالث من دون أيّ رد.
تجدر الإشارة إلى أن الميادين نت حاول التواصل عبر الاتصال المباشر وإرسال رسائل نصية إلى مركز الاتصال الوطني، ولكن المحاولة باءت بالفشل بسبب خلل في النظام نفسه.
"أحتاج وقتاً للتكيّف مع عادات غريبة"!
يواجه بعض السجناء السابقين صعوبات في التأقلم مع محيطهم الاجتماعي بعد سنوات في السجن ولو بنسب متفاوتة، فبعض المفرج عنهم قضوا مدداً قد تتجاوز عقداً من الزمن، ويقول "فاضل" إن تكيّفه مع محيطه احتاج وقتاً بسبب السنوات الطويلة التي قضاها داخل السجن، وما طرأ من متغيّرات وعادات يظنها "غريبة" حتى الآن.
ويؤكد الأكاديمي سيد أحمد العلوي أن صعوبة التأقلم مع المحيط شيء طبيعي بعد سنوات السجن الطويلة و"قد يحتاج البعض لأشهر للاندماج"، مع الإشارة "إلى حالة الاحتضان التي يلقاها خاصة السجين السياسي في المجتمع البحريني المتكافل".
وفيما يتعلق بملف الصعوبات التعليمية والاندماج الأكاديمي للمفرج عنهم، أشار العلوي إلى رصد العديد من الحالات ممن فقدوا دراستهم، ويؤكد أن من يتحمّل جبر الضرر هنا، هي الجهات الرسمية المعنية والتي كلّفت من ولي العهد بمتابعة هذا الملف، "فيما لم تتحمّل حتى الآن مسؤولياتها في إنشاء لجان خاصة في وزارة التربية لتأهيلهم وإلحاقهم بالعام الدراسي".
المؤسسات الأهلية بين التضييق وضعف الإمكانيات
وأما عن المؤسسات الأهلية، فيشيد العلوي بدورها، لكنه يسلّط الضوء على قصورها بسبب ضعف إمكانياتها والأعداد الكبيرة من السجناء السابقين.
فيما لفت المفرج عنه حامد جعفر إلى مساندة جمعية وصندوق بني جمرة الخيري لهم، من خلال تقديم بعض الإعانات بعد إجراء استبيان حول أوضاعهم المعيشية.
وحول دور هذه المؤسسات، تؤكد عضو الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان زينب آل خميس في حديث للميادين نت أن الدور الأساس يجب أن يكون منوطاً بالجهات الرسمية المعنية، إلا أن بعض الجمعيات الأهلية إلى جانب الجمعية البحرينية تعمل على تقديم الدعم للأسرى المفرج عنهم. وطالبت آل خميس بإفساح المجال لمؤسسات المجتمع المدنيّ للعمل والمشاركة في تقديم الدعم اللازم بشكل أفضل، عبر إعطائها مساحة أكبر ودعمها من دون أي مساءلة أو تضييق أو ملاحقات، حيث قنّنت بعض قوانين العزل السياسي من عمل أعضاء هذه الجمعيات الأهلية.
وأكدت آل خميس أنهم تعاملوا في الجمعية مع حالات صعبة من التفكّك الأسري والحرمان العاطفي للأبناء والانفصال الزوجي التي نتجت عن سنوات السجن الطويلة، إضافة إلى الصعوبات المادية، مشاكل التوظيف، الدراسة والسكن، ناهيك عما يعانونه للحصول على الوثائق والمستندات الرسمية وتسوية الأوضاع الأمنية.
وتؤكد زينب لزوجها علي مرة أخرى أنهما سيعبران كل الصعوبات التي تحيطهما وسيكونان مثالاً في تعميق ثقافة العمل الإنساني معاً، آملةً أن لا يواجه مواطن آخر السجن بسبب آرائه السياسية ولا يضطر لمعايشة كل تلك صعوبات أثناء السجن وبعده.