"أينما انسحب الاحتلال شبراً تقدّم الناس أمتاراً".. الجنوبيون يعيدون الحياة لقراهم

لهفة الناس للعودة إلى قراهم جنوبيّ لبنان، وإنهاء تجربة النزوح تحت أيّ ثمن، اقترنت بجهود كبيرة ومتابعات حثيثة من قبل البلديات التي واكبت حالة الناس العائدة منذ الأيام الأولى لوقف الحرب.

0:00
  • بدء انتشار وحدات من الجيش اللبناني للتمركز في رأس الناقورة وعلما الشعب وطير حرفا-وصور وبيت ليف وبنت جبيل

يمثّل أهل القرى الحدودية جنوبي لبنان نموذجاً استثنائياً في الصمود والثبات على طول مدّة العدوان الإسرائيلي، وهؤلاء كانوا أوّل النازحين من ديارهم منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أما اليوم فقد عاد بعضهم إليها متحدّياً الخطر والموت، مسترجعاً معه نبض الحياة إلى هذه القرى، بينما كثيرون لا يزالون نازحين قسراً عن ديارهم إلى حين خروج قوات الاحتلال الإسرائيلية من القرى الجنوبية كافة.

وتحت وطأة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، قرّر سكان بعض القرى الحدودية الذين تمكّنوا من الوصول إليها، ومعهم البلديات والمؤسّسات المعنية، تفعيل العمل مباشرة فيها من خلال إعادة إعمار بيوتهم ومصالحهم، وإعادة الحياة إلى طبيعتها برغم المخاطر، وصعوبات تأمين مقوّمات الحياة الأساسية.

لم تنتظر سحر سلمان، ابنة بلدة مجدل زون لحظة واحدة لتعود إلى بلدتها، حالها كبقيّة الأهالي الذين عادوا لأنّ "الأرض هي نفسنا، والبقاء في البلدة يبقينا بالقرب من شهدائنا". اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي من غارات مسيّرة ورشقات نارية طالت جبّانة البلدة، لم تعد تخيف أهلها، فهؤلاء الثابتون في أرضهم لم يرعبهم وجود جنود الاحتلال على مقربة منهم في "وادي حسن"، لأنهم عادوا من الحرب "بروح أقوى وإرادة أصلب، وعلى كلّ حال المقاومة هييّ سندنا ودرعنا".

وتفيد سلمان للميادين نت بأنّ الحياة عادت إلى طبيعتها في البلدة بنسبة 80%، موضحة أنّ أعمال مسح الأضرار في البلدة قد انطلقت عبر مؤسسة جهاد البناء بالتعاون مع العمل البلدي، وتمّ تأمين الكهرباء عبر الطاقة الشمسية أو مولّدات الاشتراكات، والعمل جارٍ لاستكمال إصلاحات شبكة المياه، ومحلات بيع الدجاج واللحوم والخضار ومحطات الوقود فتحت أبوابها تدريجياً، والتعليم بات حضورياً في مدرسة البلدة.

ومن قضاء صور إلى قضاء بنت جبيل، المشهد واحد. تشير ابنة مدينة بنت جبيل وفيقة حرب إلى أنه في ظلّ المخاطر الإسرائيلية المحيطة بالمدينة، لا يزال الأهالي يحرصون على اتخاذ تدابير وقائية، كالتوجّه إلى الأماكن الآمنة مثل الغرف غير المواجهة لأماكن تمركز الاحتلال، وبرغم أنّ هذه التحدّيات الأمنية والتهديدات على الأرض تظلّ قائمة، "لكنّ الارتباط بالمدينة والانتماء للأرض التي ارتوت بدماء الشهداء دفاعاً عن الكرامة، لا يمكن التخلّي عنها، نحن صامدون وها نشيّع شهداءنا أمام أعين الاحتلال". 

يبتكر الجنوبيون حالياً أساليب لتدبير شؤونهم اليومية ويعتمدون على الموارد المحدودة المتاحة لهم، إذ يعتمد البعض على المخزون الذي قاموا بتجميعه مسبقاً، بينما يقوم البعض الآخر بشراء حاجاته من القرى المجاورة ويتعاونون معاً للبقاء والاستمرار وعدم النزوح رغم كلّ الصعوبات.

جهود بلديات الحافة

لهفة الناس للعودة إلى قراهم، وإنهاء تجربة النزوح تحت أيّ ثمن، اقترنت بجهود كبيرة ومتابعات حثيثة من قبل البلديات التي واكبت حالة الناس العائدة منذ الأيام الأولى لوقف الحرب. وفي هذا الإطار يقول رئيس بلدية الخيام المهندس عدنان عليان للميادين نت، إنّ مجموعة من الخطط الإنمائية وضعتها البلدية، أبرزها إصلاح البنية التحتية، وتحديداً شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات لضمان عودة الخدمات، وتشكيل لجان مختصة لتحديد حجم الأضرار التي لحقت بالأماكن العامّة والمحال التجارية والأراضي الزراعية، فضلاً عن السعي للمساعدة في تأمين بيوت بديلة، خاصة أن هناك بدل إيواء يمكّن من دفع الإيجارات حتى الانتهاء من إعادة إعمار المنازل المهدّمة، والعمل على تقديم مساعدات لأصحاب المصالح والمحالّ التجارية والمزارعين بدعم من جمعية العمل البلدي.

خطط البلدية امتدّت لتشمل تقديم الخدمات الطبية بالتعاون مع المراكز الصحية، والعمل على إعادة تدوير المواد المستخرجة من الدمار بالتعاون مع الشركات المختصة، وختاماً دعم القطاع التعليمي والأنشطة المجتمعيّة لتسهيل عودة الطلاب إلى مدارسهم، مؤكّدةً جاهزيّتها لتنفيذ كلّ المشاريع الإنمائية بالتعاون مع الوزارات المختصة والمجالس والجمعيات المحلية والدولية.  

جهود البلديات شملت أيضاً السكان الذين لا يزالون نازحين لغاية الآن عن قراهم، وأوضح رئيس بلدية الناقورة عباس عواضة في تصريح سابق له، أنّ الاحتلال دمّر ما يقارب الـ 70% من بيوتها، علماً أنّ حجم الدمار فيها بلغ ما يقارب الـ30% في الأيام الأخيرة للحرب، وتُركّز البلدية اليوم بشكل أساسي على تأمين بدل إيواء للناس بالتنسيق مع الجهات المختصة، وكذلك المساعدات المادية والعينيّة بالتنسيق مع اتحاد بلديات قضاء صور وعدد من الجمعيات.

الجدير بالذكر أنّ مئات الخروقات والاعتداءات نفّذها "الجيش" الإسرائيلي على قرى وبلدات جنوبي لبنان، ولا سيما على القرى الحدودية منذ تاريخ سريان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.