نساء غزة في مراكز الإيواء: انعدام النظافة والفوط الصحية يهدد بأمراض خطرة في الجهاز التناسلي
ارتفعت نسبة الأمراض المتعلقة بالجهاز التناسلي، في ظل عدم توافر الحد الأدنى من الرعاية الصحية والنظافة الشخصية للنساء، في مراكز الإيواء في غزة.
"نقف في طوابير أمام الحمامات العامة، وأثواب الصلاة أصبحت زيّنا الرسمي. لا خصوصية لنا، والنظافة الشخصية تكاد تكون منعدمة". كلمات قاسية حاولت من خلالها جنان محمد وصف الوضع المزري للنساء في مراكز الإيواء المنتشرة وسط قطاع غزة وجنوبيه.
جنان، حالها كحال مئات الآلاف من السيدات اللواتي اضطررن، بفعل الحرب الإسرائيلية على غزة، إلى النزوح عن منازلهن، وهي الحرب التي كان ضحيتًها الأطفال والنساء، في الدرجة الأولى.
تتولى "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" ("أونروا") المسؤولية عن جميع مراكز الإيواء في القطاع، وتُتهم من جانب جهات فلسطينية رسمية وأهلية بالتقصير في خدمة النازحين، علاوة على اتهامات لموظفيها بالفساد.
لا خصوصية للنساء
تفيد جنان الميادين نت بأنها، منذ النزوح عن شمالي قطاع غزة إلى جنوبيه قبل شهرين، لم تحصل على أي خصوصية، سواء على المستوى الشخصي، أو بشأن النظافة الشخصية، أو حتى فيما يتعلق بدخول المرحاض، مبيّنة أن النازحين يستخدمون مراحيض مشتركة تفتقر إلى أدنى مقوّمات النظافة.
وتؤكد أنها لم تستحم منذ بداية الحرب على غزة إلا مرة واحدة، وذلك بعد أن استأذن زوجها مالكَ أحد المنازل القريبة من مركز الإيواء الموجودين فيه، مؤكدةً أن "الأمر محرج للغاية، لكننا اضطررنا إلى طلب ذلك من الجيران".
"تجد السيدات في مراكز الإيواء صعوبة في توفير أدوات النظافة الشخصية، وخصوصاً الفوط الصحية، التي باتت شحيحة في الأسواق، وتمرّ علينا أيام الدورة الشهرية بصعوبة بالغة تفوق قدرة النساء على احتمالها"، وفق جنان محمد.
وتشدّد على أن ما تعانيه هو الأمر ذاته، الذي تعانيه أغلبية النساء، وهو أمر صعب عليهنّ احتماله، أو التغاضي عنه، وخصوصاً أن حاجتهن إلى النظافة الشخصية في بعض الأوقات تكون ملحّة للغاية، ولا يمكن تجاهلها، على الرغم من الوضع الصعب في القطاع.
وتشير جنان إلى أن "السيدات في مراكز الإيواء يُضطررن إلى استخدام العقاقير الطبية، التي تسبّب تأخر الدورة الشهرية، نتيجة عدم وجود مقومات النظافة الشخصية في تلك المراكز"، مؤكدة أنها كانت بين النساء اللواتي لجأن إلى مثل هذا الخيار.
وتُؤوي مراكز النزوح وسط القطاع وجنوبيه أكثر من مليون ونصف مليون نازح، من مختلف مناطق القطاع، أغلبيتهم من النساء والأطفال، بينما لا تتوافر لهذه الفئات أدنى الاحتياجات الصحية أو الغذائية، الأمر الذي أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة.
ولادة داخل مركز الإيواء
اضطُرت علياء الخالدي إلى وضع مولودها الأول داخل أحد مراكز الإيواء في مدينة رفح، جنوبي القطاع، مؤكدة أنها لم تحصل للحظة واحدة على الخصوصية، أو أي من مقومات النظافة الشخصية.
وتفيد الخالدي الميادين نت بأنها "على رغم مرور 20 يوماً على الولادة، فإنها لم تتمكن من الاستحمام أو حتى الاعتناء بالنظافة الشخصية لمولودها"، قائلةً إن "طفلي لا يزال في الهيئة ذاتها التي وُلد فيها، ولا أجد مكاناً أو ماءً لتنظيفه من مخلفات الولادة".
وتشير إلى أن "النظافة الشخصية للسيدات وأطفالهن، وحتى حديثي الولادة، باتت من الأماني المستحيلة في غزة بفعل الحرب الإسرائيلية، وتكدُّس مئات الآلاف من النازحين في مراكز الإيواء"، مؤكدة أن ذلك انعكس سلباً على حالتها النفسية.
وبحسب الخالدي، فإنها تجد صعوبة أيضاً في توفير الفوط الصحية أو حفاضات الأطفال، وأن وكالة "أونروا" لا تعترف بضرورة توفير الخدمات الصحية للنساء بصورة عامة، ولحديثات الولادة منهن، بصورة خاصة، قائلةً إن "الحمامات العامة مختلطة، ونقف في طوابير طويلة أمامها كل يوم".
وتلفت إلى أنها لا تمتلك القدرة على الحصول على ملابس نظيفة، وأن ثوب الصلاة أصبح بمثابة الزي المعتاد والتقليدي لها ولجميع النساء، مشددة على أن الأوضاع مزرية للغاية في مراكز الإيواء، ولا يمكن تحملها.
حفاضات الأطفال البديلة
سوزان أبو مر، النازحة من شمالي غزة إلى مدينة دير البلح، روت فصلاً آخر للمعاناة في غزة في مراكز الإيواء التابعة لـ"أونروا"، مشيرة إلى أن ابنتيها اضطرّتا إلى استخدام حفاضات الأطفال والمحارم الورقية بديلاً من الفوط الصحية.
وتوضح أبو مر لـلميادين نت أنّ "السيدات في مراكز الإيواء اضطُررن أيضاً إلى استخدام قطع قماش بديلة في أوقات الدورة الشهرية"، مضيفةً أن "أونروا لا توفر ما هو كافٍ للنساء، وتتجاهل هذه الشريحة واحتياجاتها الخاصة".
المتخصصة في مجال صحة النساء والأطفال، هبة جلال، تؤكد أنّ "النساء في غزة يعانين أوضاعاً سيئة للغاية في مراكز الإيواء، ويفتقرن إلى أدنى متطلبات الرعاية الصحية والنفسية"، مشددة على أن ذلك سيسبّب لهنّ الأمراض.
وتفيد جلال الميادين نت بأنّ "تجاهل الوضع الصحي للنساء سيؤدي إلى إصابتهن بأمراض جلدية وجسدية خطيرة، بالإضافة إلى أمراض تتعلق بالجهاز التناسلي، علاوة على الحالة النفسية السيئة التي ستعانيها النساء، فترةً طويلة".
وتؤكد أنّه "بحسب رصد الجهات المختصة، ارتفعت نسبة الأمراض المتعلقة بالجهاز التناسلي، في ظل عدم توافر الحد الأدنى من الرعاية الصحية والنظافة الشخصية للنساء"، مؤكدة أن "هذا خطير على صحة المرأة والرجل، على حد سواء".
وتضيف جلال: "تنتشر بين النساء الأمراض الجلدية أيضاً، وخصوصاً في المناطق الحساسة، وهذا الأمر يُنذر بكارثة خطيرة للغاية، ويمكن أن يؤدي إلى انتشار عدوى الأمراض من النساء للرجال"، مطالبة بضرورة تقديم خدمات صحية أفضل إلى النساء في مراكز الإيواء.
وتؤكد جلال أنّ "استخدام النساء العقاقير الطبية التي تؤخر الدورة الشهرية خطير جداً على صحتهن، وأنّ ذلك يمكن أن يتسبّب لهنّ بخلل في الهرمونات وعدد من المشاكل الصحية والنفسية، علاوة على إمكان إصابتهنّ بأمراض السرطان".