"نزحنا مرّتين".. ناجون سوريّون يتحدثون إلى الميادين نت عن لحظة الزلزال
لعلّ القاسم المشترك الأكبر بين روايات الناجين من الزلزال كان الخوف على أطفالهم، وكيف تمكنوا من إنقاذهم، والتخفيف من هول الكارثة الطبيعية التي شهدتها عدة محافظات سورية، قبل أيام.
"كان طفلي نائماً بعمق، ظناً منه أني أضعه في كرسيه وأهزه بيدي، لكن بيتنا كان حينها ينهار فوق رأسه الصغير"، بهذه الكلمات، وصف أحد سكان مدينة جبلة السورية ليلة وقوع الزلزال، قبل أن تسعفه بضع دقائق للنجاة بنفسه وبعائلته، والخروج من منزله الذي أصبح حُطاماً.
مشاهد كثيرة، أجمع على وصفها بـ"المروّعة" السوريون الناجون من الزلزال، الذي ضرب شرقي البحر الأبيض المتوسط، فجر الاثنين الفائت، بعد أن هربوا من منازلهم ليلاً، خلال طقسٍ عاصف، حفاةً، لا يحملون معهم إلا الخوف، والرجاء بأن ينتهي هذا الكابوس.
لم يكن زلزالاً.. كان فيلماً قصيراً
تحدّثت سمر، إحدى الناجيات من الدمار الذي ألحقه الزلزال بمدينة جبلة السورية، للميادين نت، عن تلك الليلة العصيبة، قائلة إنّ ما جرى كانت تراه فقط في الأفلام، وتابعت: "كانت العاصفة على أشدها، وصفير الريح في الخارج كان مريعاً. بدأ سريري يهتز بقوة، فظننت في البداية أنه منام، لكن الاهتزازات استمرت وأيقظتني، ثم بدأت الأشياء تتساقط من حولي، وطلاء سقف المنزل يسقط فوق فراشي. وهنا أدركت أن ما يجري هو زلزال، وأن علّي أن أنجو بنفسي أنا وأهلي".
وقالت سمر، متابعةً وصف مجريات تلك الليلة، إنها نزلت مع عائلتها نحو الشارع، فرأت الناس سبقوها وهرعوا من المباني في اتجاه الأماكن المفتوحة، بما عليهم من ملابس المنامة، وسط حالة من الذهول، وأجواء لا صوت فيها إلا صوت الريح العنيفة، وبكاء النساء والأطفال.
لم أكن مكترثاً إلا لطفلي
لعل القاسم المشترك الأكبر بين روايات الناجين من الزلزال كان الخوف على أطفالهم، وكيف تمكنوا من إنقاذهم، والتخفيف من هول الكارثة الطبيعية التي شهدتها عدة محافظات سورية قبل أيام.
قال معين للميادين نت إنه هرع، عند حدوث الهزة، نحو طفله الذي وجده في غرفته مختبئاً، وطلب من والده فقط أن يسند الخزانة ليمنعها من السقوط عليه، فما كان من معين إلا أن حمل طفله وأخذ زوجته، واستطاعوا الهرب من المنزل الذي أصبح بعد الزلزال غير صالح للسكن.
ثائر روى أيضاً قصة أحد جيرانه في مدينة اللاذقية. قال إنّ لدى جاره 3 أطفال، حمل اثنين منهم، عند وقوع الزلزال، ونزل بهما من البناء، لكنّه صعد مجدداً لإنقاذ طفله الثالث، لكن الدمار كان أسرع من النجاة، فانهار المبنى قبل وصوله إلى طفله، وغادرا الحياة معاً، تاركين أماً وطفليها مع الناجين في الشارع.
نزحنا للمرة الثانية!
في مدينة جبلة، وتحديداً في المدينة الرياضية، حيث مركز إيواء المتضررين من الزلزال، والذين لم تعد أبنيتهم تصلح للسكن، تحدث الأهالي إلى الميادين نت عن مشاعرهم في إثر مغادرة منازلهم بعد أن أصبحت غير آمنة.
قال واحدٌ من الأهالي، وهو من مدينة حلب، ويقيم بجبلة، إنّ هذا هو النزوح الثاني له خلال أعوام الحرب على سوريا، معرباً عن حزنه لتكرار هذا المشهد الصعب، سابقاً عقب هجومٍ إرهابي على حيه في حلب، واليوم عقب كارثة طبيعية أتت على منزله، الذي كان ملاذه من الحرب طوال الأعوام الماضية، واليوم لم يعد كذلك.
سيدة من مدينة جبلة، نزحت مع عائلتها إلى المدينة الرياضية، قالت إنّ ما جرى لم يكن في الحسبان، فكيف للمرء أن يسهر في منزله مع أولاده ويخلد إلى النوم، وحين يغفو يجد نفسه راكضاً في الشارع، يعدّ أفراد عائلته خوفاً من نقص أحدهم، وخلفه منزله الذي أصبح ركاماً، بحسب وصفها.
رُهاب ما بعد الزلزال
تحدّث أحمد، الذي يعمل حارساً لجامع قيد التعمير في اللاذقية، عما حدث معه في أثناء وقوع الزلزال، قائلاً إنّ المئذنة انهارت بالقرب منه، وسقف غرفة الحراسة التي كان جالساً فيها تحطّم أيضاً.
أضاف أحمد أنّه لم يتأذَّ جسدياً إلّا بجروحٍ طفيفة، لكنّه، منذ وقوع الزلزال حتى اليوم، ينام في الشارع، خارج المنزل وعلى مسافة منه، ولا يعلم ما إذا كان يستطيع أن ينام بعد الآن تحت سقفٍ إسمنتي، لأنّه بات يُعاني رهاب النوم تحت الأسقف، ويُخَيَّل إليه أنّها ستهبط فوقه لا محالة.
أمّا لينا فقالت إنّها تشعر بدوارٍ لم يُفارقها منذ يوم وقوع الزلزال، ولا تستطيع أن تشعر بالهزات الارتدادية لأنّها باتت تشعر بأنّ الأرض تهتز طوال اليوم، وتتخيل أنّ الأشياء من حولها تهتز وتصدر أصواتاً، لافتةً إلى أنّ ما تشعر به صعب للغاية، وقد تلجأ إلى علاج نفسي للتخلص منه، لأنّها لا تستطيع الاستمرار تحت وطأة هذا التوتر الدائم.
رواياتٌ كثيرة باتت جزءاً أسود في ذاكرة السوريين، الذين أجمعوا على أنّهم لم يعيشوا مثل هذه اللحظات حتى في خضمّ الحرب، مُرجعين ذلك إلى أنّ الحرب كانت تخاض في مواجهة بشر يمكن الهروب والتحصّن منهم، لكن الزلزال كان كارثة طبيعية لا يمكن للمنازل وجدرانها، التي تُعَدّ حصوناً لأهلها، أن تحميهم من آثار دمارها.