نحو 300 مليون متعاطٍ للمخدرات في العالم.. والكوكايين يجتاح أوروبا وأميركا
تشهد العديد من دول العالم، وخصوصاً الغربية منها، طفرة كبيرة في إنتاج وتعاطي مختلف أنواع المخدرات، وتوضح التقارير الأممية أن الكوكايين يبقى أكثر المواد المخدرة انتشاراً.
يشهد العالم هذه الأيام انفجاراً عابراً للقارات يتمثل في تفشي ظاهرة انتشار المخدرات، خصوصاً الكوكايين (على مستوى الإنتاج والاتجار والتعاطي)، الذي يتدفق بكثرة حالياً نحو العديد من الأسواق العالمية، وتحديداً الأميركية والأوروبية منها، ما يؤدي إلى إلحاق أضرار خطيرة لا توصف بصحة الناس وسلامتهم النفسية والعقلية في تلك البلاد.
وبالرغم من ظهور المواد الأفيونية الاصطناعية الجديدة وتزايد العرض والطلب غير المسبوق على أنواع المخدرات الأخرى،فإن توماس بيتشمان، مسؤول الأبحاث في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات، يوضح أنه: "قبل بضع سنوات، كان الناس يقولون إن المستقبل هو للمخدرات الاصطناعية... وفي الوقت الحالي، لا تزال أرقام الكوكايين ترتفع وترتفع".
ارتفاع أرقام تعاطي المخدرات في العالم
ارتفعت أعداد متعاطي المخدرات إلى 292 مليوناً في عام 2022، أي بزيادة قدرها 20% على مدى 10 سنوات. ولا يزال القنب هو المخدر الأكثر تعاطياً في جميع أنحاء العالم بمعدل بلغ (228 مليون متعاطٍ)، يليه المواد الأفيونية (60 مليوناً)، والأمفيتامينات (30 مليوناً)، والكوكايين (23 مليوناً)، والإكستاسي (20 مليوناً). هذه الأرقام تعود لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) في 26 أيار/مايو 2024.
وإذ يكشف التقرير أن ما يقدر بنحو 64 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات، فإن واحداً فقط من كل 11 شخصاً يتلقى العلاج، فيما تحصل النساء على فرص أقل مقارنة بالرجال، حيث تتلقى واحدة فقط من أصل 18 امرأة العلاج المناسب.
حجم إنتاج الكوكايين في العالم
تنتج أميركا الجنوبية الآن أكثر من ضعف كمية الكوكايين التي كانت تنتجها قبل عقد من الزمن. ووفقاً للأرقام الأميركية، تعدّ كولومبيا المصدر الرئيسي لمعظم كوكايين العالم، حيث تضاعفت زراعة محاصيل الكوكا فيها ثلاث مرات. كما أن مساحة الأراضي المستخدمة لزراعة المكونات الأساسية لهذا المخدّر، تزيد بأكثر من خمس مرات، عما كانت عليه عندما قُتل زعيم المخدرات الشهير بابلو إسكوبار في عام 1993.
أسوأ ما في الأمر، أن الإنتاج يستمر في الارتفاع، إذ حطّم رقماً قياسياً جديداً بلغ نحو 2757 طناً من الكوكايين في عام 2022، أي بزيادة قدرها 20% عن عام 2021. وفي الوقت نفسه، ارتفعت زراعة أشجار الكوكا على مستوى العالم بنسبة 12% بين عامي 2021 و2022، لتصل المساحة إلى 355 ألف هكتار.
هذه الزيادة الكبيرة في عرض الكوكايين والطلب عليه، تزامنت مع ارتفاع أعمال العنف في الدول الواقعة على طول سلسلة التوريد، وفي مقدمتها الإكوادور ودول الكاريبي، كما ساهمت في انتشار المخاطر الصحّية في بلدان المقصد، بما في ذلك أوروبا الغربية والوسطى.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فقد قام المنتجون بتحسين النبات ذاته، ما ساعد على إنتاج محاصيل هجينة منتجة بشكل ملحوظ تستخرج المزيد من المخدرات من الكمية نفسها من الأوراق. ففي كولومبيا، زادت مساحة الأراضي المستخدمة لزراعة الكوكا بنسبة 10% في عام 2023. كما ارتفعت إنتاجية تلك الأراضي بشكل كبير، حيث نما محصول الكوكايين بنسبة 53%، استناداً إلى الأمم المتحدة.
الولايات المتحدة الوجهة الأولى للكوكايين في العالم
لعقود من الزمن، كان مستهلكو الكوكايين أميركيين في المقام الأول. ومع ذلك، فإن هذه الصناعة لم تنمُ فحسب، بل أصبحت عالمية، مع وجود طرق جديدة وأسواق جديدة ومؤسسات إجرامية جديدة.
وبناءً على ذلك، أصبحت كل دولة من دول أميركا اللاتينية تقريباً، منتجاً أو محركاً رئيسياً للمخدرات، لا سيما الإكوادور التي تُعدّ الآن واحدة من أهم نقاط عبور الكوكايين في العالم.
اللافت أن الطلب على الكوكايين يتزايد في أوروبا، التي باتت تنافس الولايات المتحدة كأكبر مقصد للكوكايين في العالم. وتبعاً لذلك، نمت مضبوطات الكوكايين في الاتحاد الأوروبي خمسة أضعاف بين عامي 2011 و2021، إلى حدٍّ تجاوزت فيه تلك الموجودة في الولايات المتحدة في العام 2022. ومع ذلك، لا تزال بلاد العمّ سام سوقاً ضخمة لهذا الصنف من المخدرات.
تهريب الكوكايين وأسعاره
في الواقع، وفرت المافيات الأوروبية طرقاً مبتكرة لتجنب الملاحقات الأمنية، بهدف تهريب شحنات من الكوكايين وبكميات أكبر من أي وقت مضى، عبر دول مثل الإكوادور وكوستاريكا وباراغواي، وذلك على متن السفن المتجهة إلى أوروبا.
ومع أن الإكوادور لا تنتج الكوكايين، غير أن السلطات فيها، صادرت كميات من المخدرات في عام 2023 ما يفوق إجمالي المضبوطات في كل من بيرو وبوليفيا.
وبالمثل، وحتى منتصف ديسمبر/كانون الأول من هذا العام، صادرت الإكوادور 251 طناً من الكوكايين، فيما لم يتجاوز الرقم 197 طناً في العام الماضي. إلى جانب ذلك، كان أكثر من 81 طناً متجهاً إلى أوروبا، مقارنة بنحو 18 طناً فقط كانت وجهتها الولايات المتحدة والمكسيك.
أما على صعيد المردود المالي، فبحسب مسؤولي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، يمكن لمهربي المخدرات تحقيق أرباح تصل إلى 25 ألف دولار لكل كيلوغرام من الكوكايين يُباع في الولايات المتحدة، مقارنة بما لا يقل عن 31,500 دولار في حال وصل إلى أوروبا، بينما تُقدَّر قيمته بنحو 2,000 دولار فقط في كولومبيا.
الجدير بالذكر أنه في عام 2022 وحده، وللسنة السادسة على التوالي، حققت دول الاتحاد الأوروبي نجاحات قياسية في جهود مصادرة الكوكايين، حيث كانت بلجيكا، إسبانيا، وهولندا في صدارة الدول من حيث حجم المضبوطات (من الكوكايين) بنسبة تقدر بـ70% من المخدرات التي تمت مصادرتها من سفن الحاويات القادمة من أميركا اللاتينية.
أوروبا والفشل في مكافحة تهريب الكوكايين
بعد تكثيف سلطات إنفاذ القانون في أوروبا لعمليات اعتراض تهريب الكوكايين في الموانئ الرئيسية بشمال القارة، يبدو أن المهربين وجهوا نشاطاتهم نحو نقاط دخول أخرى. لذا، صادرت هولندا وبلجيكا (اللتان يوجد فيهما أكبر الموانئ بأوروبا) نحو نصف كمية الكوكايين التي تم ضبطها في النصف الأول من عام 2024، قياساً بالفترة نفسها من العام الماضي.
وفي حين تشقّ إسبانيا، التي استمرت في مصادرة كميات غير معهودة من الكوكايين، طريقها لتجاوز بلجيكا وهولندا لتصبح البوابة الأكثر أهمية للكوكايين في أوروبا، فيما ضبطت السويد والنرويج كميات مذهلة من هذا الصنف في موانئهما خلال عام 2023، وفقاً لوكالة الاتحاد الأوروبي للمخدرات. أما ألمانيا، فقد تضاعفت شحنات الكوكايين المصادرة إلى أكثر من مرتين بين عامي 2022 و2023، على ذمة الأمم المتحدة.
الطامة الكبرى أن التجار يستخدمون بشكل متزايد المختبرات في أوروبا لمعالجة الكوكايين، أو فصله عن المواد الأخرى المستخدمة لإخفائه.
ولهذه الغاية، كشف الاتحاد الأوروبي عن تفكيك 39 مختبراً للكوكايين في الدول الأعضاء في عام 2022، بعدما كان الرقم يقتصر على 16 مختبراً على الأقل في عام 2019. اللافت أن أحد المختبرات، الذي اكتشفته السلطات في إسبانيا عام 2023، كان ينتج 200 كيلوغرام (نحو 450 رطلاً) من الكوكايين يومياً.
ماذا عن الدول الأخرى المستهلكة للكوكايين؟
إن وفرة إنتاج الكوكايين دفعت بالتجار إلى فتح أسواق جديدة. من هنا أبلغت أستراليا عن أعلى معدل انتشار سنوي لتعاطي الكوكايين في العالم. ففي أوائل ديسمبر/كانون الأول الجاري، صادرت السلطات الأسترالية أكثر من طنين من الكوكايين، وهي أكبر كمية من المخدرات يتم ضبطها على الإطلاق في البلاد.
وقبل أسابيع قليلة، أعلنت البحرية الكولومبية القبض على ست "غواصات مخدرات" تحمل أكثر من 225 طناً من الكوكايين، بما في ذلك غواصة تحمل خمسة أطنان من الكوكايين إلى أستراليا وحدها.
تشير البيانات الأممية إلى أن استهلاك الكوكايين ومصادرته آخذ في الارتفاع في كل من الصين، اليابان، الهند، ماليزيا، والفلبين. ولذلك، قد يرتفع عدد مستخدمي الكوكايين المنتظمين في القارة الآسيوية من 2 مليون إلى أكثر من 40 مليوناً. وفي تركيا، أبلغ المسؤولون هناك عن زيادة بنسبة 45% في مضبوطات الكوكايين بين عامي 2020 و2021، والأهم أن أنقرة يمكن أن تصبح ممراً حاسماً لنقل المخدرات شرقاً.