مصادرة للكتب والملخّصات.. البحرينيّون المعتقلون يفقدون حقهم في التعلّم
محاولات حقوقية "صعبة" لتمكين السجناء من التعلّم، ماذا عن حق المعتقلين في البحرين؟
لأكثر من مرّة، حاول المعتقل البحريني السابق حسين س. أن يروي للميادين نت حكايته مع التحصيل العلمي في سجن "جو" المركزي بطريقة متكاملة. غير أنه، وفي كل مرة، كانت التنهيدة العميقة تقاطع الكلام، فيطلب منّا إعادة السؤال. كيف لا، وهو الذي كان من المتميّزين دراسياً قبل أن يتحوّل إلى سجين سياسي، وتتحطّم أحلامه في اللحظة الأولى التي تم تكبيل يديه بتهمة يقول إنها كيدية تتعلّق بممارسة الحريات المشروعة.
حسين الذي غادر السجن قبل نحو عامين، تجاوز اليوم الـ 28 من عمره من دون أن يتمّ حتى دراسته الثانوية، ويقول: "تحوّلت إلى عنصر غير فاعل في المجتمع. كنت أحلم ذات يوم أن أكون مهندساً معمارياً أخدم بلدي، لكنّ كل تلك الأحلام ذهبت أدراج الرياح"، ويوضح: "صحيح أنّ السلطات تتحدث عن حماية حق المعتقلين في التعليم، غير أنّ الحصول على ذلك فعلياً وعر ومليء بالصعوبات، سواء للمعتقل أو لذويه، خصوصاً إذا ما كان الأمر متعلّق بسجين سياسي".
قصة حسين تتطابق مع قصص أخرى لمعتقلين في سجون البحرين، ورغم أن "القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء" المعروفة بقواعد نيلسون مانديلا، تشدد على ضرورة أن يكون "تعليم السجناء متناسقاً مع نظام التعليم العام في البلد، بحيث يكون في مقدورهم، بعد إطلاق سراحهم، أن يواصلوا الدراسة من دون عناء"، غير أن للسلطات في البلاد رأي آخر وممارسات مغايرة لما يتم التصريح به إعلامياً من الجانب الرسمي، في ظل توثيق منظمات حقوقية عدّة حرمان السجناء من حقهم في التعليم، وإكمال دراستهم الأكاديمية في مختلف المراحل الدراسية.
مصادرة للكتب ومنع من إدخال الملخّصات
وفي هذا الصدد، تقول والدة أحد المعتقلين للميادين نت إن ابنها لا يزال حتى اليوم محروماً من حقه في استكمال تحصيله العلمي، وهو القابع في السجن منذ 6 سنوات، موضحة أن العائلة توقّفت عن التقدّم بطلب تسجيله سنوياً بسبب تجربتها في عاميّ الاعتقال الأولين.
تؤكد هذه السيدة الخمسينية أنه ورغم قبول تسجيل ابنها عاميّ 2016 و2017، إلا أنه لم يتمكن من استكمال تحصيله فعلياً، "ففي المرة الأولى تم فرض قيود على إدخال الكتب إلى السجن بذرائع غير مقنعة، وفي المرة الثانية تم حرمانه من خوض الامتحان بسبب تعرّضه لعقوبة ونقله للانفرادي".
تنقل الوالدة الحريصة على مستقبل ولدها أنه أخبرها خلال أحد اتصالاته أنه "في أي لحظة تفتيش يتعرض لها السجن يكون هناك تخريب ورمي للكتب، وفي حالات كثيرة تتم مصادرتها ولا يتم الإبقاء على أي أوراق أو أي شيء يستطيع الطالب أن يستفيد منه"، مشيرة إلى أنها في إحدى المرات تمكنت من الحصول على ملخّصات تساعد ابنها في الدراسة من طلاب في المرحلة نفسها خارج السجن، غير أنه لم يتم السماح لها بتمريرها إليه.
محاولات حقوقية "صعبة" لتمكين السجناء من التعليم
معاناة عوائل المعتقلين في سبيل تمكين أبنائهم من حقهم في التعليم، تصفها الحقوقية ابتسام الصائغ في حديثها للميادين نت بـ"الصعبة جداً"، وتقول: "سعينا طيلة سنوات من أجل تحسين هذا الملف أو على الأقل الضغط نحو تمكين المعتقلين من حقهم في التعليم، ولكن للأسف ما زالت المحاولات مضنية للغاية".
تتحدث الصائغ عن حالات كثيرة تمّ رصدها خلال السنوات الـ 11 السابقة، وثّقت تعرّض العوائل للكثير من الصغوطات من أجل تمكين أولادهم من التسجيل، وتشير إلى أنه "تم اعتقال الكثير من الأطفال الذين تراوحت أعمارهم بين 14 و15 سنة، الذين عندما كانوا في سجن الأحداث استكملوا تعليمهم، ولكن بمجرد دخولهم إلى مركز التوقيف الاحتياطي في سجن الحوض الجاف تم تعقيد المسألة"، وهنا تبدأ معاناة العوائل مع الإجراءات المتبعة، والتي عليها القيام بها سنوياً، "وإذا تأخرت عن موعد التسجيل المحدد من قبل إدارة السجن، فإن المعتقل يخسر عامه الدراسي، حتى وإن كانت العائلة قد أتمّت الإجراءات ذاتها العام السابق، والتي تتعلق باستخراج آخر شهادة دراسية حصل عليها في المدرسة مختومة من وزارة التربية، ثم تعبئة نماذج يملأها كل من المعتقل وعائلته، وصولاً إلى دفع العائلة مبلغ 4 دينار كرسوم للكتب".
هذا الروتين الرسمي المفروض على عوائل المعتقلين، جعل عدداً منهم يعجز عن استكمال الإجراءات وبالتالي التوقّف عن متابعة ملف تسجيل أبنائه، "فالوزارة في منطقة والسجن في منطقة واستلام الكتب من مدرسة في منطقة أخرى، كل هذه الإجراءات تعدّ معوّقات مزعجة للأهالي، لهذه الأسباب، يفضّل بعض الطلاب المعتقلين أن لا يحمّلوا عوائلهم الضغوطات والأذى، ويعملون على إقناعهم بأنهم لا يريدون الدراسة، وأنهم سيؤجلونها إلى حين إتمام المحكومية"، وفق الصائغ.
مطالبات بإلغاء التسجيل السنوي للمعتقلين
من جهتها، تجزم شقيقة المعتقل عبد الله جمعة المحكوم بالسجن مدة 45 سنة، خلال تصريحها للميادين نت، أن التسجيل السنوي يُعدّ من أبرز الصعوبات التي تواجه رحلة استكمال المعتقل لتحصيله العلمي، وترى أنه "من المفترض إلغاء ذلك والعمل على تجديده ذاتياً طالما أن المعتقل موجود في السجن"، وتقول: "في إحدى السنوات تأخرنا نظراً إلى أنه لم يخبرنا قبل وقت كافٍ بمواعيد التسجيل، خصوصاً في ظل عدم التمكّن من التكلم معه إلا في أوقات محدّدة، وحينها لن نستطيع تسجيله وبالتالي خسر العام"، وتضيف أنه "اليوم في المرحلة الثانوية، ونتمنى بعد ذلك أن يُكمل دراسته الجامعية أو دراسة في المعهد من أجل تحصيل شهادة يستفيد منها مستقبلاً".
التعليم الجامعي ممنوع
صحيح أنّ قانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل رقم 18 لسنة 2014 نظّم حق السجناء في التعليم، وأوكل إلى وزارة التربية بالتعاون مع وزارة الداخلية مهمّة تعليم السجناء ووضع المناهج الدراسية العلمية والمهنية، والسماح لمن يرغب بإكمال دراسته الثانوية أو الجامعية، غير أنّ ذلك يطبّق شكلياً وجزئياً في السجون.
ففي تقرير أصدرته في كانون الثاني/يناير 2021 بعنوان: "البحرين.. التعليم بالتمييز لا بالتميّز"، أفردت منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان باباً تناولت فيه المعوّقات التي تواجهها رحلة التحصيل العلمي للمعتقلين، مؤكدة قيام إدارة السجن بفرض نوع تعليم على المعتقل وفق ما يتناسب معها، ويتّضح ذلك في حرمان غالبية الطلبة المعتقلين من طلبة التعليم الصناعي من حقهم في إكمال تحصيلهم، وإجبارهم على تغيير التخصص أو البقاء بلا تعليم، بذريعة أنّ نظام إدارة السجن غير مستعدّ لتطبيق هذا النوع من الاختصاص على السجناء.
أما فيما يتعلق بالتعليم الجامعي، تجزم مصادر حقوقية للميادين نت أنه ممنوع بشكل شبه كامل إلا في حالات نادرة جداً، وهذا ما يسبب ضياع سنوات من عمر الطلبة الجامعيين، متحدثة عن وجود معتقلين "تبقى لهم مادة أو مادتين في الجامعة ويحصلون على الشهادة، ولكن خسروا هذه السنوات بسبب الإعتقال".
وتشير المصادر إلى أنه و"بعد ضغوط كثيرة، تمّ فتح الباب أمام السجناء للالتحاق بالجامعات الخاصة التي تعدّ من أغلى الجامعات التي لا يستطيع الأهالي تأمين تكاليفها، بدل أن يكون الخيار جامعة البحرين، علماً أن الجامعة تتطلب حضور الصفوف، بينما في السجن لا يوجد لابتوب أو كمبيوتر"، وتقول بتهكّم: "في السجن غرفة اسمها المختبر الإلكتروني وهي فقط للاستهلاك الإعلامي من أجل التصوير، وبحسب رصدنا، فإن السجناء السياسيين لم يدخلوها أو سبق واستفادوا منها قط".