مرضى "يقتلهم" الألم.. أدوية التخدير ممنوعة من دخول قطاع غزة
الاحتلال الإسرائيلي يمنع منذ بداية الحرب إدخال أدوية التخدير والعكازات والتمر. وقد أدرجت أيضاً أسطوانات الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي وأنظمة تنقية المياه في قائمة ما هو ممنوع دخوله عبر شاحنات المساعدات.
كان "علينا" لأول مرة أن نطرق كل الأبواب غير الشرعية للحصول على حبة مسكن واحدة من نوع "زيلديار"، والأخير مسكن عالي التأثير، لا يصرف إلا بتعليمات طبيب متخصص، وعبر مؤسسات حكومية أو خاصة مرخصة. وحين فقد هذا النوع تماماً أمام الطلب الشديد عليه، لم تستطع الحاجة أم رائد، المريضة بالسرطان التي وصلت إلى مرحلة صحية متأخرة جداً، النوم.
أخبر الأطباء نجل أم رائد بأن كل ما بوسعه أن يفعله لها هو أن يوفر لها مسكنات قوية كي تخفف من أوجاعها "إلى أن يأخذ الله أمانته". يقول سليمان لـلميادين نت، ويتابع: "قبل الحرب، كانت هناك وفرة في كل أنواع المسكنات. بعد شهر واحد، وأمام طلب المصابين المتزايد على تلك الأصناف، ولا سيما أصحاب حالات البتر، أضحى الحصول على حبة واحدة يتطلب جهداً يستمر أياماً. أصبح علينا أن نراقب أمي المريضة بالسرطان وهي تموت 100 مرة في كل ليلة".
خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، عمل الأبناء الستة كخلية نحل لتوفير أي نوعٍ من المسكنات. يقول: "طرقنا كل الأبواب، كل الصيدليات الخاصة، كل تجار السوق السوداء المشبوهين. دفعنا 30 دولاراً ثمن الحبة الواحدة، ثم 300 دولار ثمن الشريط، إلى أن قتلنا العجز. رحلت أمي. دفناها في الشارع المقابل للسكن الذي يؤوينا.. لن نسامح أنفسنا على كل لحظة كابدت فيها الألم".
مصدر طبي يعمل في مستشفى كمال عدوان شمالي غزة قال في حديثه إلى الميادين نت: "منذ بداية الحرب، لم يدخل إلى قطاع غزة بين شاحنات المساعدات أي نوع من المسكنات عالية التأثير: المورفين، والترامادول، والزيدليار، واللاريكا، وحتى الكتامول والأكامول. كل تلك المسكنات فقدت تماماً من مخازن وزارة الصحة، ومن كل الشركات والصيدليات الخاصة. في شهر واحد، تضاعف الطلب عليها بنسبة 1000%. آلاف المصابين بحاجة إليها لتخفيف آلام الإصابة، ولم يجرِ تعويض الفاقد المستمر، ويتكبد أهالي الجرحى عناء تأمين ما يحتاجه أبنائهم. بوسعك السير في أقسام المبيت، وسماع صرخات الجرحى المتواصلة طوال الوقت. في الوضع الطبيعي، يتلقى هؤلاء جرعات مدروسة من المسكنات تحافظ على هدوئهم".
في شوارع القطاع، أضحى مشهد الجرحى مبتوري الأطراف الذين يحملهم ذووهم على الأكتاف مألوفاً، يقول أبو عماد الذي يطوف حاملاً صديقه بلال مبتور القدمين: "كتبوله خروج من المستشفى بعد شهرين من الإصابة، طلبنا منهم كروسة بعجلات، قالوا الموجودات في المستشفى عهدة، وعددهن محدود، قصدنا الجمعيات المختصة بتقديم هذه المعدات للجرحى من دون فايدة، كل المؤسسات إما قصفت أو طلعت عن الخدمة في الوقت الحالي".
وفقاً لمصدر إداري في شركة معدات طبية خاصة، فإن المعدات الطبية التكميلية التي تعنى بتحسين أوضاع المرضى في فترة ما بعد الخروج من المستشفى لم تدخل إلى القطاع أيضاً منذ بداية الحرب. يقول المصدر ذاته للميادين نت: "قصفت إسرائيل مخازن ومستودعات شركات المعدات الطبية. نحن نتحدث مثلاً عن تدمير 15 مخزناً وصيدلية لشركة الزنط، وهي الأكبر والأكثر توريداً لتلك المعدات. وقد خرجت الشركة بكل فروعها عن العمل، وتعرضت مخازنها للنهب بسبب غياب النظام والأمن. وعليه، فإن الحصول على عكازات أو كروسة كهربائية أو يدوية في هذا الوقت أمر صعب للغاية، لا سيما في ظل أعداد المصابين الكبيرة وعدم توريد تلك المعدات".
والجدير بالذكر أنّ تحقيقاً نشرته شبكة "سي أن أن" الأميركية أكد أن "إسرائيل" تمنع منذ بداية الحرب إدخال أدوية التخدير والعكازات والتمر. وقد أدرجت أيضاً أسطوانات الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي وأنظمة تنقية المياه في قائمة ما هو ممنوع دخوله عبر شاحنات المساعدات.