قرية الكفرون السوريّة تجيب سؤال زوارها: كيف سيكون شكل الجنّة؟

تقع بلدة الكفرون إلى الشمال الشرقي من صافيتا على بعد 16 كم منها وثلاثة كيلو مترات جنوب شرق منطقة مشتى الحلو، يطلّ عليها من الغرب جبل السيدة الذي يحضن آثاراً فينيقية وصليبية، يقصده الزوار والمغتربون والسيّاح العرب والأجانب على تنوع ثقافاتهم.

  • قرية الكفرون السوريّة تجيب سؤال زوارها: كيف سيكون شكل الجنّة؟
    قرية الكفرون السوريّة تجيب سؤال زوارها: كيف سيكون شكل الجنّة؟

الكفرون، إحدى القرى الكنعانية السورية القديمة، تتميز ببيئتها العذراء، وتطغى عليها مقومات جمال الطبيعة الساحرة؛ نظراً إلى غنى المنطقة بالينابيع العذبة التي تنبثق من الصخور المكسوّة بأشجار الغار والزيتون، ويطلقون عليها اسم بلد التفاحيات.

على سفوح منطقة جبلية خلّابة تتربع قرية الكفرون في ريف طرطوس وترتفع عن سطح البحر 600 متر، وتتميز بمناخها المعتدل على مدار السنة، ما جعلها بلدة سياحية من الطراز الأول، فشتاؤها ماطر معتدل، وصيفها لطيف منعش.

تقع بلدة الكفرون إلى الشمال الشرقي من صافيتا على بعد 16 كم منها وثلاثة كيلو مترات جنوب شرق منطقة مشتى الحلو، يطلّ عليها من الغرب جبل السيدة الذي يحضن آثاراً فينيقية وصليبية، يقصده الزوار والمغتربون والسيّاح العرب والأجانب على تنوع ثقافاتهم، قدسية المكان جعلت منه وجهة سياحية دينية، ويزور الجبل سنوياً أكثر من 50 ألف زائر. وتنفتح إلى الجنوب الغربي على واد تجري فيه أنهار الشيخ حسن  الدائمة الجريان ونبع العروس ووادي العديدة  المغطى بأكمله بالأشجار المثمرة والدائمة الخضرة.‏

الكفرون حلم في سماء مفتوحة، ألّفته الطبيعة لكل شخص يبحث عن النقاء فيتساءل زائروها عند التردد عليها في كل مرة: كيف سيكون شكل الجنة؟

تتعانق الجبال والوديان على طول الطريق المؤدي إلى الكفرون، وتتداخل البساتين والأنهار والينابيع العذبة في لوحة ربانية عكست حنو الطبيعة وكرمها مع اندماج الحضارة، قديمها وحديثها، لينعكس ذلك على مجتمع متحضر منفتح على الثقافات، فابن الكفرون إنسان محب لبيئته، مغرم بها، متعلم، جذوره ممتدة في أرضها وطموحه وعلمه وعمله وصل إلى أقاصي الأرض، ومهما بعد وغاب يعد حاملاً حنينه وعطاءه لأهل قريته، فالكفرون أنجبت العديد من الأدباء والأطباء والفنانين في الوطن والمهجر منهم الشاعرة والأديبة ناديا نصار وسلطان الطرب جورج وسوف، بالإضافة إلى النجم روجي خوري، وقامات وشباب وشابات كثر يرفدون المجتمع بطاقات تساهم في بنائه وتعاضده.

سامي بدور (73 عاماً) حدّث الميادين نت قائلاً: "الكفرون ضيعة غنية بالمياه فيها نبعين أساسيين ودائمين هما نبع الشير ونبع الشيخ حسن الذي يسقي 14 ضيعة، بالإضافة إلى بحيرة باطنية مهمة جداً في المنطقة تسمى بالحومة، وبمجرد زيارتها تتولد في النفس مشاعر الدهشة من غرابة منظر فيضان الحومة، ولا معلومة مؤكدة عن عمقها أو امتدادها، ويعدّها بعض السكان من عجائب ينابيع المنطقة، وهي عبارة عن تجمع من الماء الواقع في الأراضي الزراعية لقرية كفرون بدرة، ويترقبها أهل المنطقة في كل شتاء وعند اكتمال منسوب المياه الجوفية تطفو المياه منها تلقائياً وتجري لتصب في نهر الأبرش، وهنا يشعر أهل المنطقة بالراحة لوصول معدل وفير من الأمطار".

تتميز المنطقة بجمال معماري أثري يجذب السياح، ومنها جسر الكفرون الذي شيده الفرنسيون، بالإضافة إلى العديد من آثار تدمر الكفرونية التي بدأ بناؤها منذ عام 1894، والتي أسست لتكامل مقومات الجمال في الكفرون، جمال التاريخ الموشّح مع تداخل البناء الحديث، فأصبحت المنطقة مقصداً لمتعهدي البناء، وانتشرت الجمعيات السكنية التي تخضع أبنيتها ومشاريعها لتنظيم وفق قانون يراعي الطبيعة الجبلية ما ساهم في نشاط النهضة العمرانية، وأصبحت سطوح الأبنية تتناغم بلونها القرميدي الزاهي مع خضار الأشجار والجبال، بحسب بدور.

ومن الزجل الشعبي الذي تغنى بجمال الكفرون قول الشاعر مازن إبراهيم: كفروني ع خدود الشمس/ شامة حلوة مطبوعة/النجمات بتهمسلا همس/بتشرب مي من دموعا/كفروني صنع الرحمن/لبّسها توب ملون/ميّزها رب الأكوان/هيي أحلى ما كوّن/كفروني جنّة رضوان/الله بالدفتر دوّن/تشكيلة لولو ومرجان/بتحوي أكبر موسوعة.

بصمة اجتماعية خاصة

  • تتميز الكفرون بجمال معماري أثري يجذب السياح
    تتميز الكفرون بجمال معماري أثري يجذب السياح

بعيداً عن التكلف والضوضاء، يتناغم سكان القرية الجبلية مع جمال الطبيعة، حيث ترتاح النفس لرؤية هذه المناظر واللوحات، فتجد منهم الحفاوة والوجه البشوش والروح الطيبة واللطف والكرم، صفات تشرّبوها من نقاء بيئتهم الخلّابة.

الكفرون أسرة كبيرة كريمة عمل أفرادها عبر الأجيال على مساندة بعضهم البعض، فعلى الرغم من التعددية الدينية فيها يسود الرابط الأخوي والمحبة والتسامح البلدة، فالكنيسة تعانق بمبادئها عادات المسلمين في القرية، حيث يعيش أهل الكفرون حياتهم الاجتماعية بتفاصيلها اليومية في جمعات الصبحيّة المتعشّقة برائحة القهوة و"أصابع البرمة"المحشوة بالجوز البلدي وهي حلوى شعبية لها قيمة كبيرة في نفوس الأبناء، ويتشارك الأهالي في الأحزان والأفراح والطقوس الدينية، ففي شهر رمضان، يقوم المسيحيون بإعداد العزائم لجيرانهم المسلمين ويصومون معهم أحياناً، كما يتشارك المسلمون إخوانهم المسيحيين  طقوس صيامهم وأعياد الميلاد والبربارة وعيد السيدة وغيرها،  فتمتلئ أيامهم  بالمناسبات والأعياد السعيدة، فالجميع إخوة يجمعهم رابط المعاملة والانتماء لأرضهم.

إنه طريق اندماج الحضارات، وتعانق الأديان، حيث لغز الاندماج بين الإنسان والطبيعة التي لم تستطع أضواء المدينة ومزاياها الحضارية أن تغري سكانها بالانتقال إليها لأنهم اعتادوا الجيرة الحسنة والطبيعة الساحرة التي تجعلك تعيش كل يوم قصة جديدة على تلك الأرض.

الكفرون قبلة السيّاح 

  • تتميز الكفرون بوفرة المياه فيها وحسن ضيافة أهلها
    تتميز الكفرون بوفرة المياه فيها وحسن ضيافة أهلها

وفرة المياه وحسن ضيافة أهلها جعلا من الكفرون مقصداً سياحياً هاماً بحسب تعبير ميشيل موسى (44 عاماً)، إذ يعتمد سكان المنطقة على العمل ضمن المنشآت السياحية وإيجار البيوت الاصطيافية التي يقصدها السياح، وتقتصر السياحة في المنطقة على أشهر الصيف الثلاثة، فبعد أن عرفت السياحة طريقها إلى  الكفرون منذ نحو 75 عاماً، ونشطت حركة المطاعم والفنادق والمتنزهات الشعبية التي تستوعب السياح والمصطافين، ومن أهمها مقصف عين العصفورة والعرزال وجوهرة الريف ورابية الكفرون والمخاضة والشلال وفندق الوديان وإيتوال والنورس وفندق دارينا والكفرون الجديد ونبع الشيخ حسن ومطعم جار القمر الذي يتربع على جبل السيدة البهي، إضافة إلى عدد كبير من الاستراحات الشعبية والمتنزهات الموزعة على الجداول وضفاف الأنهار.

وأردف موسى: "المجتمع الكفروني مجتمع منفتح على الزوار والوافدين، وقد برز ذلك في فترة الحرب السابقة، حيث فتحت الكفرون أبوابها للمتضررين من كل أنحاء سوريا، ومدت الجمعيات الخيرية والمجتمع الأهلي جسور المحبة والمساعدة لهم، ومنهم من عاد إلى مسقط رأسه بعد تحسن الأوضاع الأمنية ومنهم من بقي فيها، واللافت أنّ أحداً لم يغادرها إلّا وترك شيئاً من روحه في أرض الكفرون الساحرة للنفس والعقل".

يذكر أن الكفرون من المناطق العريقة في التاريخ السوري القديم، وأول من سكنها الفينيقيون ومن ثم الرومان بعدما سيطروا على سوريا بين الأعوام (333- 395) قبل الميلاد. ودخلت المسيحية المنطقة في القرن الثاني الميلادي على يد البيزنطيين، واشتق اسمها من الآرامية وتعني "الحارة"، وهي تجمع لسبع حارات تسمى الكفارين وهي: (كفرون زريق، بشور، رفقة،حيدر، سعادة، بيت بدره، وكفرون نبع كركر) وتتبع هذه القرى كلها محافظة طرطوس كما تحيطها الغابات الخضراء من  الجوانب كافة، ويبلغ عدد سكان القرية نحو 7000 نسمة معظمهم من المسيحيين أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية ويوجد العديد منهم في الاغتراب، وتزخر القرية ببساتينها وأشجارها المثمرة، كما تعتمد المنطقة على الزراعة والسياحة.