رموز للحبّ "حتى يأتي إليّ".. كيف يمارس المصريون إيمانهم بتعاويذ الفراعنة؟
يبدو أن التعاويذ والسحر عند المصريين القدماء أصبح أ جذباً لعدد من الباحثين عن كشف أسرار وفك طلاسم ورموز البرديات القديمة، ولمعرفة الكنز الدفين فى تاريخ الفراعنة. في وقت لا يزال عدد كبير من المصريين يؤمنون بهذه التعاويذ ويستخدمونها في حياتهم.
"أرتدي سلسلة بها مفتاح عنخ، لكن حينما انقطعت حدثت لي أشياء غريبة! في البدء كنت أسخر من الأمر، لكن وجدت أن الحكاية متكررة"، تقول رباب عزام شابة مصرية تؤمن بأن التمائم المصرية ربما تعطي طاقة ما وأحياناً تكون سبباً في حدوث كوارث.
رباب ومعها كثيرون لا تزال تؤمن بقوة الأجداد، قدماء المصريين وتمائهم وتعاويذهم الخاصة وسحرهم في إعطاء الخير والبركة، وربما حياة أفضل ومنع الشر والأرواح الشريرة.
التمائم المصرية الفرعونية
تقول يسرى سمير إنها اشترت من أسوان حجر كهرمان، قال لها البائع إنه يبعد الطاقة السلبية من البيت، وحينما تشاجرت مع زوجها اشترتها وظلت محتفظة بها في حقيبتها وتصالحا قبل أن تصل إلى البيت.
كان قدماء المصريين يؤمنون بقوة الأحجار والتمائم المنقوش عليها أشكال الآلة الفرعونية، وأن شكل كل إله يبعث على ما يدل عليه، فمثلاً تقول نيرمين ياسين إنها اشترت خاتماً على شكل قط فرعوني (الإله باستيت إله الحنان والوداعة والقوة النسائية الجبارة)، فتؤمن بأنه يعطيها قوة ما.
أما مروة فتحمل من الأجداد أشياء كثيرة مثل عين حورس من النحاس، وتتفاءل بها جداً، ولديها شكل الآلهة: باستت، وماعت، وحتحور، وتمثال تحتمس الثالث، وثالوث منكاورع، ولديها من الفضة أشياء على هيئة عنخ وعين حورس ولوتس.
أعبد إيزيس وأوزوريس
"أعبد إيزيس وأراها أمامي كأنها مجسدة"، هكذا قال أحمد.ش الذي يؤمن بالآلهة الفرعونية وقوتها وسحرها، حتى إنه بات يتعبّد بطقوس خاصة لبعض الآلهة أمثال إيزيس التي يعتقد أن قوتها أقوى من باقي الآلهة الفرعونية.
ليس الأمر هكذا وحسب، بل يمتلئ بيت أحمد بالتماثيل والأيقونات الفرعونية، حتى إنه بين الحين والآخر يزور الأهرامات المصرية للتأمل واستدعاء طاقة إيزيس وغيرها من الآلهة، ويؤمن بأن هناك أموراً سعيدة تحدث في حياته حينما يناجي إيزيس، وخصوصاً في العمل والعلاقات الإنسانية التي هو طرف فيها.
يقول أحمد لـلميادين نت: "شجعتني على ذلك قراءة لتجربة أليستر كراولي في المتحف المصري القديم، إذ شعرت بتماثل بين نمطينا، وتواصل مع وزير فرعوني، بحسب سرديته، وكتب ما يمليه عليه في كتابه (القانون)".
ويضيف :"بدأت أمارس التأمل على نحو شبه يومي منذ عام 2014، أما مقاربتي للآلهة المصرية القديمة، وبخاصة إيزيس وأوزوريس، فأرى أن المصريين القدماء هم الذين شكلوا، أو ساهموا في تشكيل، اللاوعي، وأنماطه، وحركيته، وكثير من رموز الأحلام الدينية جذرها من هناك، وأن الرجوع إلى تاريخهم رجوع إلى طبقات الوعي المنخفضة نفسها، والمكبوتة، والمجهولة".
أما تجربته مع السحر الفرعوني فمختلفة، إذ يمارس طقوساً خاصة تدخل فيها روائح البخور النفّاذة وشموع منخفضة الإضاءة، وموسيقى مهلوسة، والتأمل ساعاتٍ أمام نجمة مختارة في السماء، ويقول إن تلك الممارسات مستلهمة من المصريين القدماء.
أما عن الطقوس التي يمارسها فمنها "تأمل المرأة"، إذ يتأمل محدقاً طوال ساعة، أو أقل إلى شموع، يضعها في ترتيب معين، وتسمي كل شمعة باسم له طاقة كبيرة، مثل شمعة إيزيس وشمعة أوزوريس، كل ذلك لتحريره من اللاوعي الإبراهيمي، ومن إرث الحضارة الصناعية.
تعويذة جلب الحبيب
"أنا أحيطك، أرضاً ومياهاً، من قبل الشيطان الذي يسكنك، وأستحضر قداسة هذا المكان، حتى تحترق وتشتعل وتلتهب، أحرق (اسم المرأة المستهدفة) التي ولدتها (اسم والدة المرأة المستهدفة) حتى تأتي إلي".
إذا كنت قد قرأت هذه الكلمات وأنت رجل، وفي ذهنك امرأة تحبها بجنون وتهيم بها فاعلم أنها ستأتيك في غضون أيام، وقلبها متحرق شوقاً إليك، هكذا قالت بردية فرعونية منذ ألف و700 عام قبل الميلاد، فك رموزها الدكتور فرانكو مالتوميني، من جامعة أوديني بإيطاليا.
هذه التعويذة وغيرها كثير من الطقوس والطلاسم الفرعونية لا يزال المصريون وغيرهم من المؤمنين بالسحر الذي كان يمارسه قدماء المصريون، يستخدمونها حتى اليوم.
فمن العادات الحالية المرتبطة بسحر المصريين القدماء أنهم كانوا يغطسون المولود الجديد في النيل للحصول على البركة وحفظه طوال حياته، وهي عادة لا تزال تمارس في النوبة، جنوبي مصر، مثل التعميد في الديانة المسيحية.
أحمد بدران أستاذ الآثار المصرية القديمة بجامعة القاهرة قال لـلميادين نت إن المصريين القدماء كان شائعاً عنهم إيمانهم الكبير بالسحر وأن لديهم أرباباً للسحر مثل "حيكاه".
ووفقاً لبدران، فإن هناك بردية من عصر الدولة الحديثة مكتوبة بالخط الهيراطيقي تذكر أن هناك رجلاً "عمل عملاً سحرياً" باسم "سحر جلب الحبيب" لحبيبته. وتطلب التعويذة من الإله آمون والإله "رع" أن يجعلاها تحبّه كما تحب الأم ابنها، ومثلما تحب الماشية عشبها، وأنه إذا لم تنجح هذه الآلهة في جعلها تحبه فسيحرق مقر أوزير (مقر معبد أوزوريس) في مدينة أبو صير، لافتاً إلى أن السحرة كانوا يمتلكون شأناً وقوة حتى إنهم كانوا يهدّدون الآلهة.
وقال إن المصري القديم كان يحب التمائم، فمثلاً: "يضع تميمة للقلب من حجر العقيق الأحمر، كتب عليها الفصل 6 من "كتاب الموتى" وفيه: "يا قلبي لأبي يا قلبي لأمي يا قلبي الذي خلقت معي لا تقف جاهداً ضدي أمام محكمة الأرباب"، لأن المصري القديم كان يزن قلبه أمام ريشة ماعت".
تعاويذ مستمرة من زمن الفراعنة
هناك بعض الطقوس السحرية التي كان يمارسها المصري القديم لعدد من الأغراض، مثل الحماية من الحسد، والوقاية من الأمراض، وغيرها، لا يزال المصريون اليوم يقومون بها، سواء عن جهل بأصلها أو معرفة، لكنهم جميعاً يؤمنون بقوتها.
يشير بدران إلى بعض هذه الطقوس السحرية، مثل حمل تمائم للإله "بس" الذي يحمي الأم في أثناء الحمل والولادة، كذلك عادة حماية الطفل الوليد بالعين الحامية - الخرزة الزرقاء- وعمل الأحجبة، والحجاب تكتب فيه بعض التعاويذ السحرية لحماية الطفل ويعلّق في رقبته طول الوقت، وهي عادة مستمرة حتى الآن في القرى المصرية.
ويضيف: "حالياً ثمة من يمارس عادة متوارثة من الفراعنة، فإذا أراد أحد أن يقي نفسه أو أسرته من شرور شخص آخر يجلب "عروسة" ورقية ويفقأ عينها متمتماً ببعض الكلمات، وهي عادة من المصري القديم الذي كان يقوم بها، لكن ليحمي نفسه من الأعداء فيصنع "عروسة" ورقية على هيئة عدوه ويقوم بفقء عينها".
ومن بين العادات أيضاً تلبيس الطفل الوليد ملابسه بصورة معكوس لحمايته من الحسد.
وكان السحرة يستخدمون نباتات عطرية ذات روائح نفاذة وقوية مثل التوابل، وأحجاراً قوية منها حجر العقيق والأميتست والزمرد ويردّد الناس أدعية متوجهين إلى "رع" أو "حتحور" ويطلبون منه وفقاً لتخصّصه، وكان الساحر أحياناً يساعد الطبيب في عمله، ويؤمن بفكرة الأرواح التي تهيم في المكان وتسيطر على الناس ويساعد على خروجها من جسم الإنسان.
سحر الحماية من الحسد
لا يزال الناس إلى اليوم يستخدمون الملح للحماية من الحسد في المناسبات مثل الأفراح وولادة المولود وغيرها، وهي عادة متوارثة من الفراعنة الذين كانوا يعتقدون أن الملح، وبخاصة ملح النطرون يستخدم في التطهير ويقضي على الأرواح الشريرة ولإبطال الأعمال السحرية، فالماء المالح يبطلها.
ومن جانبه قال حسين عبد البصير، مدير متحف مكتبة الإسكندرية إن من الأعمال السحرية المتوارثة حتى الآن فكرة "الزار" لطرد الأرواح الشريرة من الشخص، مشيراً إلى أن كتباً عديدة تناولت السحر والسحرة في مصر مثل كتاب لإيفان ليونج، وذكر أيضاً طقوساً سحرية في الأعمال الأدبية مثل قصة "ست نا خام" وكيف سحرت امرأة رجلاً وأرادت أن تتزوجه.
ومن الكلمات السحرية المتوارثة أيضاً كلمة "إن شاء الله العدوين" أو "عدوينك" في دلالة على تمني الشر للأعداء في العامية المصرية، وهو متوارث من المصري القديم فعدما كان يمرض الملك كان يُكتب "مرض العدو".
أما لتمنى الحمل وإما لولادة طفل، فلا تزال بعض النساء في مصر حالياً تمارس عادة تعود إلى أيام الفراعنة، وهي نزول نهر النيل ليلاً في ليلة قمراء -اعتقاداً بالإله خونسو واكتمال القمر يعني ميلاداً جديداً - أو الطواف حول الجعران في معبد الكرنك في الأقصر.
ولا يزال بعض المصريين حالياً في القرى والنجوع، وخصوصاً في الصعيد يقومون بشيء يدعى "فتح المندل" وهو طقس سحري متوارث من الفراعنة، وبحسب دراسة بحثية بعنوان "السحر والسحرة وأسرار التعاويذ والتمائم عند الفراعنة"، فإن هذه العادة عبارة عن قيام العرافين بقراءة الطالع والغيب عن طريق جلب إناء مملوء بالماء وطبقة من الزيت وينظر إليه طفل ويحكي كل ما يراه عندما ينعكس الضوء على الزيت والماء، ويكون هذا الإجراء بمثابة اتصال بالآلهة.