رفض الفتنة والانقسام الاجتماعي.. مطالب أهالي السويداء المعيشية إلى الواجهة

تظاهرات السويداء بدأت بمطالب معيشية وتأييد من كل مشايخ العقل في المحافظة، لكنّ انحراف مسار التظاهرات إلى مطالب سياسية عالية السقف دفع بعض المشايخ إلى التنبيه لخطورة تغيير هوية المطالب.

  • أهالي السويداء في سوريا يرفضون الانفصال ويدفعون بالمطالب المعيشية إلى الواجهة
    أهالي السويداء في سوريا يرفضون الانفصال ويدفعون بالمطالب المعيشية إلى الواجهة

قبل أسابيع، انطلق في السويداء حراك احتجاجي يطالب بتحسين الوضع المعيشي المتردي، وطالب باتخاذ خطوات حكومية من شأنها وضع حدّ للانهيار الاقتصادي، لكن سرعان ما تغيرت الشعارات وتبدلت الخطابات، وانتقل الحراك من الخندق الخدمي المعيشي إلى الخندق السياسي، عبر المطالبة بإحداث تغيير جوهري في السلطة، ليُعيد هذا الحراك إلى أذهان السوريين ما حدث عام 2011 في درعا، والذي كان مقدمة لحرب دمّرت كل شيء.

شرارة الحراك انطلقت بعد أن أصدرت وزارة التجارة الداخلية السورية مجموعة من القرارات، تقضي برفع أسعار المشتقات النفطية، المدعومة وغير المدعومة، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، وأجور المواصلات في مختلف المحافظات، الأمر الذي رأى كثير من السوريين أنه سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.

الحكومة السورية أكدت أن الإجراءات الاقتصادية المتخذة ضرورة ملحّة من أجل المساعدة على خفض العجز في الموازنة العامة، نتيجة الهدر الذي يفرضه الدعم غير الموجّه إلى مستحقيه الفعليين، بالإضافة إلى سعي الحكومة لتحقيق الاستقرار في سعر صرف الليرة السورية في مقابل الدولار الأميركي، وخصوصاً أن ارتفاع أسعار الصرف انعكس على جميع جوانب الحياة، وساهم في ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم.

وتؤكد مصادر حكومية أن كل تلك الوقائع كانت نتيجة حتمية فرضتها الحرب من جهة، والعقوبات الاقتصادية الخانقة من جهة ثانية، فأصبحت الدولة السورية مجبرة على ترشيد مواردها من أجل تجاوز المرحلة الصعبة.

وعلى الرغم من مرور أسابيع على بدء الحراك في السويداء، وعلى رغم رفع سقف مطالب المحتجين إلى أبعد الحدود، وانتقال بعض شعاراتها من الجانبين الخدمي والمعيشي إلى الأهداف السياسية، إلا أن الحراك لم يسجل أيّ حوادث أمنية حتى اليوم، بحيث توجد القوى الأمنية السورية عند مداخل المحافظة فقط، من دون الاقتراب من المحتجين داخل المدينة، في الوقت الذي أغلق متظاهرون، رفقة عدد من مسلحي الفصائل المسلحة، معظم الدوائر الحكومية في المحافظة.

في بداية الحراك، حدد الشيوخ الثلاثة للطائفة الدرزية في السويداء 6 مطالب أساسية للحراك الشعبي، ضمنها إجراء تغيير حكومي، والتراجع عن القرارات الاقتصادية الأخيرة، ومكافحة الفساد، والتزام المؤسسات الأمنية دورها في المحافظة على الأمن، والمحافظة على وحدة الأراضي السورية، والنظر في تشغيل معبر حدودي مع الأردن خاص بمحافظة السويداء، من أجل إنعاشها اقتصادياً.

وعلى الرغم من عدم تسجيل حراك السويداء أيّ حادث أمني، فإنه يحظى بمواكبة إعلامية واسعة في وسائل الإعلام العربية والدولية، كما حدث تماماً عام 2011 في بداية الحرب السورية، بحيث سخّرت تلك الوسائل ساعات طويلة من بثّها للحديث عن السويداء، والدعوة إلى توسيع رقعة الاحتجاجات لتشمل محافظات أخرى، بالإضافة إلى التركيز على الأهداف السياسية التي بدأت تظهر داخل السويداء، حتى إن حمل بعضها أفكاراً متطرفة.

قيس الشاعر، من "تيار التغيير السلمي"، يشير في حديثه إلى الميادين نت إلى أنّ "القرار الحكومي بشأن رفع الدعم عن المشتقات النفطية كان آخر مراحل القدرة على الصبر لدى السوريين". ويضيف الشاعر: "لا يمكن فصل المطالب المعيشية عن السياسية، بما أن المسؤول عن سياسة البلد ومعيشة الشعب هو جسم واحد. لذلك، فإن التطور في مطالب الحراك طبيعية، ولا يمكن تحويرها على أنها صناعة خارجية"

وبشأن الدور الأميركي المحتمل في الحراك، يقول الشاعر: "إلى الآن، أميركا ليس لها دور فعلي في إدارة الحراك، ولن يكون لها دور، ما دامت ثوابت مجتمع السويداء واضحة. ولن يتجرأ أحد من هذا المجتمع على تغيير هذه الثوابت، لأنه سيخسر مسانديه على الأرض". 

ويتابع أن "أميركا لم تدخل على خط الحراك، لكنها ساهمت في صناعة أسبابه، بحيث انتهجت الولايات المتحدة سياسة العقوبات الاقتصادية منذ بداية الأزمة، واحتلت خزان الطاقة والأمن الغذائي في سوريا، من أجل زيادة عجز الدولة. وبالتالي، عجز الشعب عن تأمين احتياجاته. لذلك، فإن حراك السويداء كان سبباً في عمل مشترك بين الحصار الاقتصادي الأميركي والأخطاء المرتكبة من الفريق الاقتصادي في الحكومة السورية، وهذا كله أوصل الشعب إلى مرحلة العجز".

وبشأن الحلول لإنهاء الأزمة الحالية، يؤكد الشاعر ضرورة تأمين فرص العمل، وتهيئة بيئة الإنتاج، زراعياً وصناعياً، من أجل الحد من تفاقم نسبة البطالة، والحد من نسبة الجريمة، ومن هجرة القوة البشرية، وهي العامل الأهم في خط التنمية، بالإضافة إلى محاربة الاحتكار والفساد من أجل إيقاف استنزاف الدولة والمجتمع.

تحذير من تغيير هوية المطالب

استمرت التظاهرات في السويداء على الوتيرة نفسها طوال أيام، قبل أن تخرج وسائل إعلام غربية بخبرٍ يفيد بحدوث اتصال بين السيناتور الأميركي فرينش هيل، والشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ العقل للطائفة الدرزية في السويداء، ليعلن هذا الاتصال الحضور الأميركي الأبرز في احتجاجات السويداء، ويكون بمثابة الخطوة العلنية الأولى من الولايات المتحدة للصعود على ظهر الحراك، بحيث عبّر هيل عن اعتزازه بالتواصل مع القائد الروحي للموحدين الدروز، وتمنى بناء علاقة وطيدة معه، مشدّداً على أن "سلامة الشيخ الشخصية هي موضع اهتمام أميركي خاص".

هذا الاتصال أثار جدلاً كبيراً لدى الرأي العام داخل السويداء وخارجها، وخصوصاً أن الشيخ الهجري طالب بانسحاب القوات الإيرانية من سوريا، من دون أن يتطرق إلى مسألة الوجود الأميركي، على الرغم من أن القوات الأميركية تسيطر على حقول النفط في الجزيرة السورية، وتهرّبه بوتيرة يومية إلى العراق. كما أن النائب الأميركي فرينش هيل من أبرز الداعمين في الكونغرس الأميركي لفرض عقوبات اقتصادية على دمشق.

هذا الاتصال تُبع باتصالين جديدين بعد أيام، من النائبين الأميركيين، الجمهوري جو ويلسون، والديمقراطي برندن بويل، واللذين أعربا عن دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لموقف الهجري في حراك السويداء.

وبشأن الاتصالات الأخيرة بين النواب الأميركيين والشيخ الهجري، أكد الكاتب والإعلامي معين العماطوري من محافظة السويداء للميادين نت أن "واشنطن تتدخل في كل شيء حول العالم، لكنها لا تملك أيّ دور في السويداء، لأن شعب السويداء لا يريد الولايات المتحدة ولا الصهاينة، ولا يفكر في الانفصال. كما أن السويداء تملك ثوابت وطنية، وتعي جيداً وحدة الوطن، كما تؤمن المحافظة بالأساس الذي وضعه قائد الثورة السورية الكُبرى، سلطان باشا الأطرش: الدين لله والوطن للجميع".

وأشار العماطوري إلى أن رجال الدين من مشايخ السويداء وضعوا قاعدة وطنية أساساً لحراكهم، مفادها أنهم لا يقبلون بتجزئة الوطن، ويريدون لسوريا أن تكون واحدة تحت علم الجمهورية العربية السورية، بقيادتها السياسية وجيشها.

وبشأن احتمال وجود بعض الأيادي الخارجية التي من الممكن أن تستغل الاحتجاجات المعيشية، أكد العماطوري أن السويداء لا يمكن أن تخرج عن الوطن السوري. لذلك، فإن الحراك كان ولا يزال شعبياً، ويطالب بتحسين الوضع المعيشي وإلغاء قرارات الحكومة الأخيرة.

ويضيف الكاتب السوري أن السويداء عاشت، كغيرها من المحافظات، حالة من الفقر والتضارب في القرارات الاقتصادية، في ظل عدم وجود سياسة اقتصادية واضحة لدى الحكومة السورية، التي عملت على رفع الأسعار من دون حساب للمدّخرات والمقدرات الموجودة، بالإضافة إلى وجود مجموعة من التجار، الذين عملوا على احتكار الإنتاج المحلي وبيعه بأسعار عالية.

وبحسب العماطوري، فإن الحراك في السويداء حمل مطالب معيشية بحتة، بحيث أدت قرارات الحكومة السورية الأخيرة بشأن رفع أسعار المحروقات إلى ازدياد الوضع المعيشي سوءاً. وهذا الكلام لا يقتصر على السويداء فقط، وإنما على مختلف المحافظات السورية. لذلك، خرج أهالي المحافظة للمطالبة بتحسين الوضع المعيشي السوري.

تظاهرات السويداء بدأت بمطالب معيشية، وبتأييد من كل مشايخ العقل في المحافظة، لكن انحراف مسار التظاهرات إلى مطالب سياسية عالية السقف، دفع بعض المشايخ إلى التنبيه لخطورة تغيير هوية المطالب، وعدم الانجرار وراء محاولات البعض تسييس الحراك وأخذه إلى مكان آخر، غير الذي يريده أبناء المحافظة.

السويداء.. المضافة المفتوحة

بمساحة تُقدّر بـ6 آلاف و500 كيلومتر مربع، تقع محافظة السويداء في منطقة جبل العرب جنوب غرب سوريا، بالقرب من الحدود الأردنية جنوباً، ومن محافظة ريف دمشق شمالاً، ودرعا غرباً، وبادية الشام شرقاً. 

ينتمي معظم سكان المحافظة البالغ عددهم نحو 850 ألف نسمة لطائفة الدروز، وهناك أقلية مسيحية داخلها، وتشتهر المحافظة بزراعة العنب والتفاح، إضافة إلى وجود آثار رومانية عديدة.

هناك مناطق أثريّة كثيرة يعود تاريخها لعصور قديمة داخل السويداء، بعضها يعود إلى العصر الحجري الأول بدليل الكهوف والمواقع التي استوطن فيها الإنسان القديم، كما يوجد عدد من المواقع والكهوف المكتشفة التي أكدت استقرار الإنسان الأول في المنطقة. 

وتشتهر السويداء بمتحفها الذي يضمّ العديد من أوابد المنطقة الأثرية، كما تعد المحافظة متحفاً مفتوحاً يضم الكثير من المواقع الأثرية الرومانية والبيزنطية وغيرها، وتنتشر الأوابد الأثرية في كافة أرجاء المحافظة، وتتمثّل في المعابد، والقصور، والأعمدة، والكنائس، والمسارح، والحمامات الرومانية، والبوابات، والخزّانات وأقنية المياه الرومانية واليونانية، والجسور، والمساكن التي تغطي كل مدينة وبلدة وقرية على امتداد مناطق المحافظة.

يحضر تراث جبل العرب وعاداته وتقاليده في المضافات، فلا تخلو قرية في السويداء من المضافة، التي تعدّ المرجع الأساسي للأهالي، وقد تبدو المضافة من الزمن القديم الجميل مع تطور وسائل التواصل والتسلية، لكنها لا تزال في السويداء على وجه الخصوص محافظة على طقوسها وتقاليدها، حيث تعتبر مكاناً لمعالجة أمور الناس والبتّ في خلافاتهم، إضافة إلى مكان يحتوي أفراحهم وأتراحهم.