برغم الاستهدافات المباشرة.. عمّال القطاع الصحي جنوب لبنان على رأس عملهم
لا يزال عدد كبير من المرافق الصحية يعمل على مدار الساعة ويقدم خدماته الطبية للمرضى والجرحى. بالتوازي مع تضرر نحو 100 مركز طبي بسبب الحرب، وإغلاق 5 مستشفيات نتيجة القصف، وارتقاء أكثر من 100 عامل في القطاع الصحي.
لم يميّز الاحتلال الاسرائيلي في حربه الوحشية على لبنان بين ما يعتبره أهدفاً عسكرية وأخرى مرتبطة بالمدنيين والكوادر الصحية والصروح الطبية، حيث كان للقطاع الصحي في مناطق الاستهداف وفي الجنوب خصوصاً نصيباً كبيراً من الهمجية التي تعمّدت إلحاق الخسائر به. في وقت يكافح العاملون فيه بمختلف اختصاصاتهم لإنعاشه في سبيل الاستجابة القصوى لحالة الطوارئ التي تشهدها البلاد، وفقاً لما هو متاح من إمكانات بشرية ومادية.
استهداف مباشر للمستشفيات
استمر مستشفى الشهيد صلاح غندور في مدينة بنت جبيل بتقديم خدماته الطبية والاستشفائية على مدى 24 عاماً، لا سيما استقباله للمصابين من بين الأهالي الصامدين في القرى الأمامية منذ بدء الحرب، وذلك قبل خروجه عن الخدمة بسبب استهداف الاحتلال له بشكل مباشر.
يقول مدير المستشفى الطبيب محمد سليمان للميادين نت إن فريق العمل المؤلف من 45 فرداً استقبل منذ بداية الحرب ولغاية الثالث والعشرين من أيلول/سبتمبر ما يقارب الـ1000 حالة، ولكن مع وقوع الاعتداء الاسرائيلي على المستشفى الذي أسفر عنه 9 إصابات من بينها 3 حالات حرجة، أخذ الموجودين على عاتقهم مهمة الإخلاء ونقل المصابين إلى مستشفى تبنين الحكومي بعد تعذر وصول فرق الدفاع المدني والجيش اللبناني لهم. ونوّه إلى التحاق فريق العمل مباشرة بمستشفيات صور وتبنين.
أما الممرضة زينب نسر، فلم يمنعها العدوان الإسرائيلي من الاستمرار في عملها في إحدى مستشفيات مدينة صور، برغم نزوح أهلها عن قريتها البازورية. لم تتخل زينب عن انتمائها ومهنتها الإنسانية، إلى أن ارتقت قبل أيام بعد استهداف الاحتلال منزل أقاربها حيث كانت في استراحة عمل وجيزة.
المشهد انسحب على مستشفى مرجعيون الحكومي الذي تم إخلاؤه بعد استشهاد 7 مسعفين وجرح 5 آخرين من جراء استهداف الاحتلال لهم عند مدخل المستشفى في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، علماً أن محيطها تعرض مرتين سابقاً للقصف، وهذا ما دفع مدير المستشفى، الطبيب مؤنس كلاكش، إلى اتخاذ قرار الإخلاء.
ثبات في تأدية الواجب الإنساني
برغم القصف القريب من مبنى مستشفى جبل عامل والمخاطر التي تحيط بالعاملين فيه، إلا أن المستشفى الواقعة في مدينة صور لا زال تحافظ على إمكاناتها البشرية المطلوبة لمواجهة كل الحالات الطارئة، من أطباء في اختصاصات مختلفة وممرضين، وكذلك الإمكانات المادية من خلال مخزون احتياط المواد والمعدات الطبية الموجودة لديها، وفق ما أفاد المسؤول الإعلامي للمستشفى هادي مكنّا.
ففي الفترة الممتدة ما بين 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و15 تشرين الأول/أكتوبر 2024، استقبل المستشفى 1230 إصابة توزعت ما بين 1007 جريح من بينهم 64 طفل وصحافي واحد، و223 شهيد من بينهم 19 طفل و صحافيين اثنين، وقد كان حاضرًا دائمًا لاستقبال جميع الحالات بالتنسيق والتعاون مع وزارة الصحة العامة وطبابة قضاء صور.
المسؤول الاعلامي أوضح أن المستشفى حدّث خطة طوارئ لتدريب الطاقم الطبي والتمريضي ضمن معايير وزارة الصحة، حيث استُحدث قسم طوارئ ميداني كجهوزية إضافية لقدرة استيعاب أكبر، مع الأخذ بعين الاعتبار انقطاع الاتصالات، فتم تجهيز نظام اتصالات داخلي تحسّباً من انقطاع الاتصالات عبر الشبكة، بالإضافة إلى تحضير مستودعات احتياطية تشمل كميات من الأدوية والمستلزمات الطبية والغذائية وتوفير كميات احتياطية من مصادر الطاقة.
مواصلة تقديم الخدمة الاستشفائية انسحبت أيضاً على مستشفى تبنين الحكومي، الذي استقبل منذ بداية الحرب أعداداً كبيرة من الجرحى وكذلك الشهداء. لكن القصف القريب من المستشفى تسبب بتضرر مدخل الطوارئ وإلحاق أضرار في ألواح الطاقة الشمسية، لكن أحد المصادر المسؤولة أكدت أن فريق العمل فيه لا زال مستمرًا وكافيًا، كما أن وزارة الصحة عملت على تأمين بعض المساعدات الطارئة، وبالتالي فإن المستشفى لم يشهد لغاية الآن نقصًا في المستلزمات الطبية والتجهيزات.
المراكز الصحية حاضرة ومساندة
لم تتقاعس المراكز الطبية التابعة للهيئة الصحية الإسلامية عن خدمة الأهالي الصامدين، وكذلك النازحين طيلة فترة الحرب. استمرت هذه المراكز في تقديم خدماتها عبر 18 موقعاً جغرافياً ضمن منطقة الجنوب الأولى التي تشمل القرى النائية ونطاقات جغرافية أخرى في الجنوب، وفقاً للطبيب فادي الأطرش، مدير هذه المنطقة في الهيئة الصحية الإسلامية، مع خروج 5 منها عن الخدمة بفعل القصف المباشر، بالإضافة إلى مستوصفين للعيادات النقالة مع طواقم طبية وتمريضية لرعاية النازحين في مراكز الإيواء في مدينة صور.
تقدم هذه المراكز خدمات صحية مختلفة، وفي ظل الظروف الراهنة ومع وجود نقص في الموارد البشرية والطبية بسبب النزوح القسري، فضلاً عن المخاطر المحدقة بالمراكز الصحية، فإن هذه الخدمات اقتصرت على المعاينات الطبية وتقديم الأدوية، بالإضافة إلى خدمات الإسعافات الجراحية الأولية، وتثبيت الحالات الوافدة بانتظار نقلها إلى المستشفيات القريبة لا سيما في القرى النائية. أما على صعيد مراكز الإيواء، فقد تم تفعيل العيادات النقّالة للكشف الطبي على المقيمين فيها، والعمل دورياً على تأمين الدواء اللازم لهم.
وتشير الإحصاءات المتوفرة في هذا السياق إلى أن 100 مركز طبي تم إغلاقه بسبب الحرب، و5 مستشفيات أغلقت نتيجة القصف، وارتقى أكثر من 100 شهيد من العاملين في القطاع الصحي. والجدير بالذكر أن العديد من مراكز الرعاية الصحية لا زالت تقدم خدماتها في مختلف المحافظات اللبنانية بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة.