المهاجرون الأفارقة في تونس.. من يحميهم من العنف والعنصرية؟
قرارات بترحيل مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، ممارسات عنف طالت التونسيين من أصحاب البشرة السوداء، حملات تنديد بخطاب الكراهية والتمييز العنصري وألفاظ جديدة على غرار "الاجصيون"، ماذا يحصل في تونس؟
خيّم على تونس جوّ من التشنج بسبب تصريح وصف خلاله الرئيس التونسي قيس سعيد تدفق المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء بـ"مؤامرة" تحاك ضد تونس لتغيير تركيبتها الديمغرافية. فاستغلّ البعض الخطاب لتطبيق ممارسات الكراهية والعنصرية ضد المهاجرين في تونس، وتضاعفت مجموعة الانتهاكات التمييزية والعنف اللفظي والمادي، كالرجم بالحجارة والضرب وحرق المنازل وسرقة الأغراض من دون رادع لذلك.
مجموعة من الآراء المتباينة والانقسامات داخل المجتمع التونسي وممارسات خلقت حالة من الخوف والهلع لدى مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، فسارع عدد منهم إلى السفر خوفاً من أن يطالهم العنف.
وظهر في الوقت نفسه، حزب يسمى الحزب القومي التونسي، ليحرض على المهاجرين واللاجئين ويدعو إلى طردهم،طارحاً العديد من الأفكار والفلسفات، منها فكرة دولة الأمة "l'Etat nation"، التي كان الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة متأثراً بها وبالمناخات الفكرية للجمهورية الثالثة في فرنسا، كنوع من الليبرالية اللائكية الاجتماعية.
ونشر الحزب القومي التونسي على موقعه الرسمي في فيسبوك أنه انطلق في العمل على التحضير لحملة جديدة ضد "النفوذ والاستيطان الأجنبي في تونس"، إضافة إلى طرد المنظمات الأجنبية من تونس، وحل الجمعيات الممولة أجنبياً، ومنع التمويل الأجنبي للجمعيات والنقابات ووسائل الإعلام والبلديات.
وأصدرت رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية التونسية بياناً مشتركاً في إثر الحملة الشرسة من المجتمع المدني والاستنكار الأفريقي والدولي لتصريحات الرئيس قيس سعيد، وخاصة إجراءات ترحيل المهاجرين وتعرضهم لموجات من العنف والترهيب، حيث نفت من خلاله أن تكون تونس دولة عنصرية، وهي من مؤسسي الاتحاد الأفريقي، وأعلن نص البيان أيضاً جملة من الإجراءات لمصلحة مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، منها تسليم بطاقات الإقامة لمصلحة الطلبة لمدة سنة قابلة للتجديد، والتمديد في وصول الإقامة من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر.
وفي كل أزمة تبرز مجموعة مصطلحات تكرس فكرة أن اللغة تعد جزءاً رئيساً في الاجتماع المعرفي والأيديولوجي لأي مجتمع، وقد ظهر خلال هذه الأزمة مصطلح جديد يضاف إلى خطاب التمييز، سرعان ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي وأصبح مدعاة للتندر والتنمر والإهانة، ويحمل وصماً اجتماعياً، وهو لفظ "الإجصيون"، اختصاراً لعبارة "أفريقيا جنوب الصحراء".
في المقابل، استنكر المجتمع المدني وأدان الممارسات العنصرية في حق المهاجرين والتمييز على أساس اللون والعرق، ونظم الناشطون الحقوقيون مسيرة للاحتجاج على هذه الممارسات والتصريحات ووقعوا عرائض بهذا الشأن. بدوره، استنكر الاتحاد الأفريقي تصريحات الرئيس سعيد، ودعت رئيسة الحكومة السينغالية السابقة أميناتا تراوي إلى تعليق عضوية تونس في مؤسسات الاتحاد الأفريقي الذي أجل بدوره مؤتمر التدفقات المالية المزمع عقده في تونس.
تتنوع ملفات مواطني أفريقيا جنوب الصحراء بين الهجرة واللجوء، وبين وضعيات قانونية وأخرى غير قانونية، وأوضاع مادية وإنسانية صعبة، تم التنديد بها آلاف المرات في الإعلام المحلي. من ناحية أخرى فإن بعضاً من المواطنين كانوا قد قدموا شكاوى مما اعتبروه "احتلالاً لمدنهم وتفكك موارد رزقهم".
وأكدت سلوى غريسة من مرصد الدفاع عن حق الاختلاف، أن المرصد يدين هذه الممارسات التي تعتبر "عاراً وفضيحة لتونس"، وقالت إن تطبيق القوانين لا يعني إهانة الناس الذين هم تحت حماية الدولة التونسية.
وأضافت: "لقد شاركنا في حملة (مانيش عنصري) كما قدّمنا الإعانات والأغذية واللحف لمن وجدوا أنفسهم في الشارع والبرد والعراء، وقدّمنا أيضاً الإحاطة النفسية للطلبة الذين يتعرضون للأذية يومياً".
ولم تقتصر ممارسات العنف على الأفارقة من جنوب الصحراءـ، بل أيضاً شملت التونسيين من ذوي البشرة السوداء، فتعرضت مثلاً فاطمة الزهراء، رئيسة جمعية دمج وناشطة حقوقية تونسية للضرب المبرح والسحل، اعتقاداً أنها من مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء وهو ما ينبئ بموجات عنف أخرى.
ولم يبلغ الموقف من المهاجرين سابقاً إلى موجة كراهية شديدة تجد صدى شعبياً كبيراً كما يحدث في الفترة الراهنة. الموجة التي كانت قد بدأت منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.
ومنذ 2011، توافد الآلاف من الطلبة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس للدراسة في الجامعات العمومية وبأعداد أكبر في الجامعات الخاصة، وعلى عكس ما يتم ترويجه من أرقام، فإن عدد المهاجرين من جنوب الصحراء في تونس يبلغ 21.466 مهاجراً بحسب "المسح الوطني للهجرة الدولية" للمعهد الوطني للإحصاء الصادر عام 2021، أي بنسبة 36.4 بالمئة من عدد المهاجرين الأجانب المقيمين في تونس.
وإثر اندلاع الحرب في ليبيا، هربت أعداد كبير من أفارقة جنوب الصحراء نحو تونس. منهم من فضّل البقاء في تونس بشكل غير قانوني، أو قدّم ملف طلب لجوء، فيما تم إجلاء عدد منهم نحو بلدانهم الأصلية بإشراف منظمات دولية.
في الفترة بين 2011 و2017 تزايدت أعداد مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس، باعتبارها منصة عبور، وركبوا، إلى جانب التونسيين، قوارب الهجرة غير النظامية نحو إيطاليا.
يعيش مهاجرو أفريقيا جنوب الصحراء في تجمعات صغيرة في محافظات على غرار تونس العاصمة وصفاقس، منهم الطلبة ومنهم العمال الذين يعملون في مهن متعددة، منها المقاهي والمطاعم والمصانع، ويتقاضون عادة أجوراً زهيدة، ويعملون ساعات مضاعفة مقارنة بنظرائهم من التونسيين.