التين الهبول.. حلوى تراثية ترفد دخل الأسرة في قرية القبو بريف حمص
يتنافس التجار والمزارعون في عرض صور القلائد وهبول التين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويكثر الطلب عليها مع ترحيب الراغبين في شرائها على أن المنتج من مصدر ريفي موثوق به.
تستعدّ الأسر الريفية في قرى القبو للتفنن في إعداد مؤونة حلوى التين المجفف التراثية، ففي كل عام وبجوّ يغمره التعاون والألفة حيث أحاديث الأمهات والجدات واسترجاع ذكريات الماضي فترى الشابات يتعاونّ مع جداتهن ويتقاسمن مراحل إعداده بحب وترحيب.
تتميز سوريا بتنوع الأشجار المثمرة على مدار العام وتؤدي صناعة التين دوراً مهماً في توفيرن فرص عمل لعدد من الأسر في قرية القبو بريف حمص الغربي وهي تشتهر بزراعته وجودة أنواعه ما يجعلها سلعة مرغوباً فيها تباع طازجة أو مجففة، وتصنيع الحلوى منه المسماة “القلائد والهبابيل" التي تلقى اهتماماً محلياً وخارجياً بسبب كثرة فوائدها ودخولها عالم المنافسة في التصدير، وعلى الرغم من التشابه في إنتاج وتصنيع التين المجفف في الجزائر وتركيا إلا أن مذاق الهبول والقلائد السورية يجعلها تتفوق على نظيراتها السابقات.
بساتين التين البري والزراعي تمتد في كل اتجاه وتتخللها بعض المساحات المزروعة بالحبوب وتتربع قرية القبو على ثلاث تلال متوسطة الارتفاع وتتميز بجمال البيئة الطبيعية التي أنعم الله بها على هذه المنطقة.
لا تزال صناعة هبول التين من الطقوس التراثية الشعبية المتوارثة عن الآباء والأجداد، ففي بداية موسم التصنيع في مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر تتجمع الأسر ويعّم السرور نفوسهم بأجواء صناعتها التي تسودها التسلية والأحاديث لاستقبال موسم الخير الذي يرفد عدداً من العائلات ويساندها في تحصيل دخل إضافي يوفر لها حاجاتها.
الحرب تدفع الفلاح إلى البحث عن مصادر دخل أخرى
تحظى المأكولات الريفية التراثية المصنعة يدوياً باهتمام كبير في الوقت الراهن بسبب قلة الموارد فسنوات الحرب الطويلة على سوريا دفعت الفلاح إلى البحث عن مصادر دخل أخرى واستغلال كل ما تبقى من محاصيل زراعية متاحة.
من أمام موقدة الحطب يتعالى البخار ورائحة الشمرة. مها العلي (45 عاماً) زوجة شهيد وأم لأربع بنات تحرّك الحطب وتوقده وهي تقول للميادين نت: إنها تعتمد على مردود صناعة التين لدعم أسرتها في تحصيلها الدراسي بسبب وفرة الإنتاج في أرضها وقلة متطلبات تكلفة التصنيع، فثمار التين البعل غير المروي مشهورة بجودتها في قرية القبو، وهذا ما يؤثر في زيادة الطلب عليه لنكهتة اللذيذة ولونه الذهبي اللامع.
تتبسم السيدة الأربعينية وتظهر سعادتها بتجمع الأسرة والجيران في منزلها وتقول: "ننتظر بشغف موسم التين في كل عام، فبعد أن تنضج ثمار التين نفرزها بحسب جودة الحبة ونتقاسم المهام مع جميع أفراد الأسرة لأن عمله يتطلب مجهوداً وعناية، فبعد أن يجمع المحصول المجفف كله نستعد لمرحلة تصنيع الهبابيل، تنقّى حبات التين وتُغسل ثم توضع في كيس قطني نظيف أو في وعاء معدني مثقب يسمى الغربولة وتعرض لبخار ماء فيه حبيبات من الشمرة أو اليانسون على موقدة الحطب حتى يصبح قوامها طرياً عندئذٍ تصبح جاهزة للطحن.
على أنغام فيروز خلي ورق التين يتشرد/يتبدد يشرد بالشمس باهت متل الحنين/خلي ورق التين يسبقنا/يلحقنا يفرش بالهمس مطرح لنا أمين. تروي هناء محفوظ (53 عاماً) للميادين نت وتقول: "بعد انتهاء عملية التهبيل نأخذ التين الطري إلى قسمنا ونطحنه في الماكينة حتى يصبح كالعجينة ثم نتفنن في تقطيعه على شكل كبب وكرات وفي قوالب مزركشة ونزينه بالفريفور (طحين البرغل) واللوز أو جوز الهند والسمسم وتصبح بعدها جاهزة للبيع والأكل والتخزين كمؤونة للشتاء".
الفوائد الغذائية تساهم في ارتفاع الطلب
يتنافس التجار والمزارعون في عرض صور القلائد وهبول التين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويكثر الطلب عليها مع ترحيب الراغبين في شرائها على أن المنتج من مصدر ريفي موثوق به، فهي من المأكولات المشهورة ويكثر الاعتماد عليها في شتاء منذ القدم وحتى يومنا هذا، ولايخلُ بيت من هذه المادة لأنها تكسب الجسم الطاقة وتمده بالحرارة في أيام برد الشتاء، وهي تُقَدَم إلى الزوار كنوع من الضيافة.
الفوائد الغذائية والصحية ساهمت في زيادة الطلب على المنتج، اختصاصية التغذية ريم جركس ذكرت للميادين نت: "أن التين يحتوي على ألياف غذائية تفيد الرياضيين وتعالج الكبد والأعصاب، فضلاً عن احتوائه على خليط متوازن من 11 نوعاً من الفيتامينات و14 نوعاً من المواد المعدنية و14 من الأحماض الأمينية، فهو غني بفيتامينات A وB وC ونسبة عالية من أملاح الحديد والكالسيوم والبوتاسيوم والنحاس، وتلك التي تعطي السعرات العالية، كما يساهم في تحسين صحة البشرة لاحتوائه على فيتامين (أ)، ويساعد في خفض نسب الكوليسترول في الدم والحفاظ على صحة العظام وهو مصدر جيد للحديد ومضادات الأكسدة والمواد التي تعزز عمل الإنزيمات المحفزة للهضم.
يستلقي علاء حبيب (37 عاماً) على رصيف الطريق ويضغ سلة من القش في داخلها القلائد والهبابيل وأكياس التين المجفف و غير المصنع منادياً "اللي في جيبه قطين (أي التين اليابس) يأكل إديديه الاثنتين" ويقول للميادين نت: "نشتري مواسم التين من مزارعي المناطق وأسوقها للبائعين والتجار ويحظى هذا المنتج بإقبال في الداخل السوري والدول المجاورة بسبب جودتة وسعره المناسب إذ يتراوح سعر الكيلوغرام من التين المجفف 19 ألف ليرة سورية أي مايقارب 4 دولارات والهبول بالمكسرات 30 ألف ليرة في حين بلغ سعر القلائد 15 ألف ليرة سورية.
وفي سوريا 83 صنفاً من أصناف التين، ومنها السماقي والملكي البرطاطي والخضراوي والصفراوي والشبلاوي والبريغلي، والتين الأحمر، ودعيبلي، كعب الغزال، شامي، عبيدي، غزلاني، بياضي، شنشاري، بشاري، خضيري، وتبلغ المساحات المزروعة بالتين نحو 11 ألف هكتار ويقدر الإنتاج بأربعين ألف طن، وشجرة التين شجرة مباركة أقسم بها الله سبحانه، وهي كثيرة الإنتاج، برية لا تحتاج إلى عناية ولا إلى أرض خصبة، وتعطي خيراتها في جميع الظروف البيئية بعد نحو 5 سنوات من غرسها، وتقدر الكميات المتاحة للتصدير من 3 آلاف إلى 5 آلاف طن وتصدر طازجة وعلى شكل مربيات وتين مجفف.