الأقليّات هدف للجولاني في حلب.. الانتماء الوطني يوحّد الأهالي

لم يستطع تنظيم الجولاني إخفاء وجهه الحقيقي بعد دخول مسلحيه إلى مدينة حلب، وذهبت جميع محاولات "تجميل النصرة" أدراج الرياح، فالفصائل التي ينتمي عناصرها إلى جنسيات مختلفة لها تاريخ عرفه وجرّبه السوريون في سنوات الحرب.

0:00
  • الأقليّات هدف للجولاني في حلب.. الأهالي يتشبّثون بهويّتهم الوطنية
    الأقليّات هدف للجولاني في حلب.. الأهالي يتشبّثون بهويّتهم الوطنية

"لم أكن يوماً أتوقع أن أشاهد علم جبهة النصرة مرفوعاً على قلعة حلب"؛ بصوتٍ يملؤه الحزن يتحدث المحامي أنس للميادين نت عن بعض الممارسات التي كان شاهداً عليها بعد سيطرة تنظيم "الجولاني" على حلب السورية، حيث عمد المسلحون المتطرفون إلى نشر أيدلوجيتهم منذ اللحظات الأولى لدخول المدينة، معيدين إلى الأذهان جزءاً صغيراً مما فعله تنظيم "داعش" قبل سنوات في المناطق التي سيطروا عليها داخل سوريا والعراق. 

يقول أنس: "مسلّح من الجنسية الأوزبكية أو الشيشانية وقف على درج القلعة، ولوّح بعلم النصرة لدقائق، وهو يردد مع باقي المسلحين التكبيرات بصوتٍ عالٍ، فيما راحوا لاحقاً يلتقطون الصور أمام القلعة وداخلها؛ كانت هذه رسالة واضحة من المسلحين بأن هدفهم من دخول حلب محدد، وهو تحويل المدينة إلى إمارة إسلامية".

ويتابع حديثه: "المسلحون ينتشرون في أحياء وشوارع المدينة، في حين تشهد مختلف المناطق حركة خجولة للغاية من المدنيين، الذين يفضّلون التزام منازلهم وعدم الخروج منها، والمحلّات التجارية مغلقة منذ يوم الجمعة الفائت خوفاً من عمليات النهب، وهناك معلومات تؤكد قيام مسلحي النصرة باقتحام بعض محلّات الصاغة والمجوهرات والبنوك والاستيلاء على محتوياتها".

وعن الأوضاع داخل حلب بعد سيطرة تنظيم الجولاني على المدينة، يؤكد المحامي السوري أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكلٍ كبير، كما وصل سعر ليتر البنزين الواحد إلى نحو 40 ألف ليرة (3 دولارات) بعد أن كان في السابق لا يتجاوز 22 ألف ليرة، في حين توقفت غالبية المنشآت الصناعية عن الإنتاج بما فيها معامل الأدوية، أما شبكات الاتصالات فهي تعمل بشكل متقطع وتغيب خدمة الإنترنت لساعات في النهار والليل، بينما عمدت الفصائل المسلحة إلى إغلاق جميع الطرق للخروج من المدينة.

الأقليّات هدف للجولاني

لم يستطع تنظيم الجولاني إخفاء وجهه الحقيقي بعد دخول مسلحيه إلى مدينة حلب، وذهبت جميع محاولات "تجميل النصرة" أدراج الرياح، فالفصائل التي ينتمي عناصرها إلى جنسيات مختلفة لها تاريخ عرفه وجرّبه السوريون في سنوات الحرب.

مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، أظهر قيام مسلح أوزبكي تابع لتنظيم الجولاني بتكسير شجرة عيد الميلاد التي نصبها أهالي حلب للاحتفال بميلاد السيد المسيح، ما أعطى مؤشراً عن النموذج الاجتماعي الذي تريد هيئة تحرير الشام "النصرة سابقاً" فرضه في حلب.

وفي هذا السياق، يؤكد الشاب روجيه فخر من حلب للميادين نت أن ما فعله المسلحون في المدينة كان متوقعاً، لذلك نزح آلاف المدنيين قبل دخول المسلحين خوفاً من الممارسات المتوقعة بحق المسيحيين وباقي الأقليات، وتكرار ما فعلوه في أكثر من مكان خلال سنوات الحرب، والشواهد على ذلك كثيرة، من معلولا في ريف دمشق إلى أم الزنّار في حمص وليس انتهاءً بكنائس حلب أثناء سيطرة المسلحين بين عامي 2012 و2016.

ويروي فخر كيف لم يستطع النزوح مع والديه من المدينة قبل دخول المسلحين بسبب مرض والده وعدم قدرته على الحركة، ما أجبرهم على البقاء؛ ويقول: "الكثير من أقربائنا تمكنوا من النزوح إلى خارج حلب، لكني لم أنجح بذلك بسبب مرض والدي، ولا أعتقد أن المسلحين سيلتزمون بحماية الأقليات في المدينة، فهؤلاء لديهم مشروع إقامة دولة متطرفة ولا شيء غير ذلك، وهذا حلمهم منذ بداية الحرب في سوريا، لكن طوال السنوات الماضية فشلوا ونأمل أن يكون مصير مشروعهم هذه المرة الفشل أيضاً".

في بلدتي نبل والزهراء بريف حلب الشمالي الغربي كانت الحكاية مختلفة تماماً، فالجماعات المسلحة استبقت الهجوم على حلب بشن هجمات بالقذائف الصاروخية والمسيّرات على البلدتين، ما أدى إلى وقوع إصابات بين المدنيين وأضرار مادية كبيرة، قبل أن تطلق تهديدات علنية برغبتها في الانتقام من أهالي البلدتين لوقوفهم إلى جانب الدولة السورية خلال الحرب، وأعلن المسلحون لاحقاً هجوماً واسعاً للسيطرة على البلدتين، لتبدأ منذ تلك اللحظة رحلة نزوح جماعي للأهالي نحو حلب وباقي المحافظات السورية.

"بينما كنت أخرج من نبّل مع عائلتي في سيارتي الصغيرة، شاهدت بعضاً من أقاربي وأصدقائي وجيراني وهم يحملون حقائبهم ويمشون إلى خارج البلدة هرباً من النصرة التي هددت بقتلنا جميعاً، لكن لم يكن بإمكاني مساعدة أيّاً منهم؛ لقد كان الآلاف يمشون في الشوارع هرباً من الموت وحقائبهم على ظهورهم"، يقول حسين كوسة للميادين نت، واصفاً ما جرى معه يوم هجوم تنظيم الجولاني على حلب وريفها، وكيف شاهد نزوح أهالي نبل والزهراء بشكل كامل من البلدتين.

يقول كوسة: "لم يكن مشهد النزوح عادياً أبداً، فملامح العجز على وجوه الأهالي وهم يحتشدون على مدخل البلدتين لا توصف، كما بدأ المئات منهم بشق طريقه ليلاً في طقسٍ بارد للغاية مشياً على الأقدام في محاولة للهرب قبل وصول المسلحين إلى المنطقة"، ويضيف: "لا شعور أصعب من مشاهدة الناس في تلك الحالة، إلا شعور العجز لعدم القدرة على مساعدتهم".

بعد الخروج من نبل والزهراء، لم يصل كوسة وعائلته إلى برّ الأمان بعد، فالجماعات المسلحة دخلت إلى مدينة حلب، والطريق من "نبل" في الريف الشمالي الغربي إلى منطقة "السفيرة" في الريف الجنوبي كان محفوفاً بالمخاطر، خاصّة آلاف المدنيين من مدينة حلب قرروا النزوح أيضاً هرباً من المسلحين، فكانت طوابير السيارات طويلة خلال ساعات الليل على طريق حلب - السفيرة، وأيّ سيّارة كانت تتعرّض لعطلٍ ما على الطريق، كان ركّابها يتركونها ويتابعون طريقهم سيراً على الأقدام.

نجح كوسة وعائلته أخيراً في الوصول إلى منطقة "السفيرة" ومنها انطلقوا إلى طريق إثريا - خناصر حيث أصبحوا بعيدين عن خطر المسلحين، قبل أن يتوجهوا لاحقاً إلى دمشق في رحلة استمرت لنحو 35 ساعة تقريباً، وهذه الرحلة في الأحوال الطبيعية لا تتجاوز أكثر من 7 ساعات فقط، لكن الازدحام الكبير على الطريق والتوقف المتكرر لتجنب أيّ خطر محتمل أدى لإطالة الزمن.

قبل وصول السيارة إلى دمشق، توقف كوسة على جانب الطريق لبرهة؛ هنا حاولت العائلة استيعاب الصدمة واستعادة تفاصيل ما جرى، لكن حجم المُصاب كان أكبر والموقف لا يمكن تحليله في وقتٍ قصير، فهم غادروا سريعاً من المكان الذي يمثّل هويتهم وتاريخهم وخزّان أفكارهم، "سنعود حتماً، سنعود، فهذه الأرض لنا"، وبهذه الكلمات ختم كوسة حديثه.

حلب حلم تركيا!

"الهجوم على مدينة حلب لا يمكن أن يتم من دون ضوء أخضر تركي"، هذا الكلام أكدته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، والتي كشفت أن الجولاني ينفذ أجندة تركية لتحقيق حلم "الولاية 82". ويركز بعض قادة الأحزاب في تركيا على رغبة بلادهم بضم مدينة حلب السورية لتكون ولاية تركيّة جديدة، وهذا ما كشفه رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشلي الذي قال: "إن العلم التركي الذي يرفرف على قلعة حلب اليوم يؤكد الحقيقة المطلقة بأن حلب تركية ومسلمة حتى النخاع".

في هذا السياق، يكشف سامر فخرو  من مدينة حلب للميادين نت أن الأعلام التركية ترفع بشكل واضح على سيارات المسلحين في شوارع المدينة، إضافة إلى وجود عدد كبير من وسائل الإعلام التركية التي تصوّر الأحياء والشوارع تحت حماية المسلحين، ويمكن ملاحظة الكاميرات بسهولة في الشوارع نظراً لعدم وجود مدنيين أصلاً.

ويضيف فخرو: "عن أيّ تحرير يتحدثون وقد أنزلوا العلم السوري من أجل رفع العلم التركي وعلم جبهة النصرة؟ هل هذه الحرية التي يريدها الجولاني وفصائله لمدينة حلب؟"، ويتابع فخرو: "هذا الأمر لن يستمر طويلاً، فهم يعلمون أن حلب عصيّة على أحلامهم ولن تنكسر مهما كانت الضغوط العسكرية، لقد حاولوا قبل سنوات الدخول إلى حلب، لكن أرض المدينة لفظتهم جميعاً، وهذا الأمر سيتكرر اليوم حتماً".