أول عيد خارج البيوت.. نازحون في جنوب لبنان: ننتظر عودتنا مع النصر

لا تغيب غزة عن ذهن الجنوبيين برغم محاولات الاحتلال المستمرة تشتيتهم عنها عبر القتل والاستهدافات العشوائية. عشية عيد الفطر، وفي آخر ليلة من شهر رمضان المبارك، لن يكون هناك بيت جنوبي لا يرفع دعوته لنصرة أهل غزة.

  • أول عيد خارج البيوت.. نازحون في جنوب لبنان: ننتظر عودتنا مع النصر
    أول عيد خارج البيوت.. نازحون في جنوب لبنان: ننتظر عودتنا مع النصر

لن يكون عيد الفطر سهلاً على آلاف الجنوبيين الذي تركوا منازلهم قسراً بعد 7 أشهر من الحرب في جنوب لبنان. وأياً منهم لن يسلم من خاطرة تلوح في ذهنه عن آخر عيد قضاه في منزله عشية عيد الفطر، خاصة من رأى جدران بيته الذي صام، وصلى، ودعا الله فيه طويلاً، تهوي وتتحوّل إلى ركام من جراء العدوان الإسرائيلي على المدنيين.

في السابق، لو سألت جنوبيّاً ماذا يعني العيد لك؟ لربما يجيبك بأنه لمّة العائلة، أو تفاصيل أخرى تُفرح القلب، كالعيدية في حقائب الأولاد الصغيرة، أو الثياب الجديدة، أو الألعاب النارية التي تستمر طوال الليل، أو أنه المذاق الحاد لزيت الزيتون على الفراكة من أيدي النساء، واللحمة المدقوقة على "البلاطة" من أشطرهن.

ولربما هو صلاة العيد، وصوت إمام المسجد يكبّر، ولعله الدمعة على قبر عزيز فجراً وإخباره بأنك تشتاقه. أو هو قبلات العمّات التي لا تنتهي، ثم البحث عن قطعة المعمول المحشي بالفستق الحلبي في صينية الضيافة وعدم إيجادها. لكن بعد التضحيات الباسلة التي يقدّمها الجنوبيون لنصرة أهل غزة، ربما سيُجمع كثر على أن العيد هو البيت وحده الذي اضطروا إلى النزوح منه.

ننتظر عودتنا مع النصر

إلى ماذا تحنّون في هذا العيد؟ سؤال قابله عدد من النازحين الجنوبيين بالصمت بداية، ربما ليرتّبوا كلماتهم وذكرياتهم: إلى فطور العيد قال واحد، إلى حاجز المحبة في الضيعة قالت أخرى، إلى زيارة القبور فجر العيد، إلى صورة العائلة الجامعة. وتقول زينب قارووط، وهي نازحة من بلدة ميس الجبل إلى قناريت، إن العيد الحقيقي للنازح الجنوبي أصبح يوم النصر. "هذا العيد يختلف عن باقي الأعياد، فطقوسنا التي اعتدناها لم تعد موجودة. أحن إلى جمعة العائلة في بيت جدي وسماع التهاليل تصدح من مآذن القرية، لكننا لن ننال البرّ حتى ننفق مما نحب، ونحن نحب الجنوب، وما يهمّنا أننا لن نخجل أمام الله يوم الحساب حين نُسأل عمّا قدّمناه لنصرة المستضعفين في غزة".

90,491 ألف جنوبي يقضون العيد خارج منازلهم، 97% منهم من قضاء بنت جبيل ومرجعيون وصور بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. صعوبة أثقلها فقد أكثر من 300 شهيد سيبقى حسّهم مفقوداً وأماكنهم خالية وأثرهم حاضراً، ولا سيما الأطفال منهم، كالشهيدات ريماس وليان وتالين شور اللواتي ارتقين في مجزرة عيناتا، وأمل الدر في مجزرة مجدل زون، وحسين وأمير محسن في مجزرة الصوانة، ومحمود عامر في مجزرة النبطية.

"بحن لأطلع إقرا الفاتحة على ترابات الشهدا"، تقول النازحة زهرة السيد علي من عيتا الشعب بلكنتها الجنوبية. "نحن ما عنا عيد، العالم اللي استشهدت واللي تدمّرت بيوتها، واللي عم تشوف شو عم يصير بفلسطين ما حيكون عندها عيد"، وتروي كيف اضطرّت للنزوح من عيتا الشعب إلى بلدة معركة في قضاء صور. ثم عادت لتبيع الخبز في معركة بعد أن اعتادت صنعه في ضيعتها من أجل تأمين معيشتها، فهي إن كانت قوية كما تقول، ستكون عائلتها كذلك  في هذه الظروف.

أما علاء جمعة الذي نزح من كفركلا إلى كفرجوز في قضاء النبطية، فيؤكد للميادين نت أنّ الإرادة دفعته لفتح محل صغير للحلويات في كفرجوز رغم أنه لم يستطع أخذ أغلب المعدات من قريته. ومع أنه كان يعد الحلويات الرمضانية طيلة الشهر الكريم، وكان يستشعر اهتمام ودعم أهل كفرجوز كما يقول، إلا أنه لا ينفك يذكر مع اقتراب عيد الفطر آخر عيد قضاه في قريته ومنزله، "خاصة إنو فيه عزيزين على قلوبنا فقدناهم ولم يعودوا بيننا، لكن برغم كل الحزن والأسى، نحن أهل الجنوب أهل العزة والكرامة وإيماننا كبير بعودتنا إلى بيوتنا ونصرنا القريب".

لا تغيب غزة عن ذهن الجنوبيين برغم محاولات الاحتلال المستمرة تشتيتهم عنها عبر القتل والاستهدافات العشوائية. عشية عيد الفطر، وفي آخر ليلة من شهر رمضان المبارك، لن يكون هناك بيت جنوبي لا يرفع دعوته لنصرة أهل غزة والمقاومين، فالعيد بحسب تعبيرهم، مهما أتى بظروف صعبة في الجنوب، لن يكون أصعب من ظروف أهل غزة الذين قالوا لهم كلمتهم وثبّتوا فيها وعدهم: لن تُتركوا بمفردكم، نحن معكم، وعيدنا هو النصر المشترك وهو قريب.