أسواق حلب القديمة تجذب الزوّار بعبق الزعتر وصابون الغار وروائح العطور

لمدينة حلب مكانة تجارية مهمة، فقد كانت عبر التاريخ وجهة القوافل التجارية من دول العالم، وكانت مقصد من يملك رأس مال ويريد توظيفه في التجارة والصناعة.

  • أسواق مدينة حلب القديمة بين ماضيها الجميل ومستقبلها الواعد
    أسواق مدينة حلب القديمة بين ماضيها الجميل ومستقبلها الواعد

تتميز مدينة حلب بأسواقها التجارية القديمة، التي تعود بتاريخها إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، عهد "باريم ليم" ملك حلب.

تُعَد أسواق حلب الأولى في جميع أنحاء العالم من حيث كبرها، وسعتها،وتعدد الفعاليات الاقتصادية التي تمارس فيها. توسّعت في العهد الأيوبي ثم في العهدين المملوكي والعثماني. وهي من أجمل أسواق الشرق العربي والإسلامي.

تتلاصق هذه الأسواق الواسعة والكبيرة على طرفي الشارع المستقيم الممتد من باب أنطاكية إلى سفح قلعة حلب، الذي كان ممراً للحجاج القادمين إلى المدينة لزيارة الإله الحلبي الكبير "حدد" في قلعتها. تشبه في طريقة بنائها آثار دمشق، وأفاميا، وقلعة المضيق، وجَرَش في الأردن، وغيرها من المدن التي بناها سلوقس نيكاتور عام 300 (ق.م)، وهو ما يبقيها شاهداً على عراقة مدينة حلب وتطورها عبر التاريخ.

  • تتلاصق أسواق حلب على طرفي الشارع المستقيم الممتد من باب أنطاكية إلى سفح القلعة
    تتلاصق أسواق حلب على طرفي الشارع المستقيم الممتد من باب أنطاكية إلى سفح القلعة

وإذا كانت السفارات العربية، في العهد العثماني، واقعة في إسطنبول، فإن المهام القنصلية الرئيسة كانت تُنفّذ في حلب، ففي القرن الثامن عشر نقل القناصل والتجار الأوروبيون سكنهم إلى حلب، نظراً إلى أهمية أسواقها التي تعد نحو 37 سوقاً تنتشر على مساحة 16 هكتاراً، وتعَد من أطول الأسواق القديمة المغطاة في العالم وأكبرها، إذ يصل طولها إلى 15 كيلو متراً. أدخلت إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية.

وعن أهميتها قبل فتح قناة السويس، قال أحد الرحالة إنها أكبر سوق في العالم، و إن ما كان يباع في أسواق القاهرة في شهر كامل، كان يباع في أسواق حلب القديمة في يوم واحد.

بينما كنا نجول في ميادينها، مع روائح وعبق الزعتر الحلبي وصابون الغار وروائح العطور تملأ أجواءها، استقبلنا أحمد عبطيني، تاجر الصابون المعروف بلباقته وأناقته وحسن ضيافته، وفي نفسه قصة لا تروى بل تعاش.

اقرأ أيضاً: استخدم قديماً للتحنيط وصناعة البخور.. ما هي فوائد الزعتر؟

  • لأسواق حلب القديمة مكانة تجارية مهمة
    لأسواق حلب القديمة مكانة تجارية مهمة

حدثنا قائلاً: "أسواق حلب القديمة، صور جميلة، وذكريات رائعة، عشت فيها طفولتي وبلغت ذروة شبابي. عندما أجول في ميادينها أشعر بالغبطة والدهشة والمتعة. تعلّقت بها، وأعيش فيها مع أصوات الباعة وقصص الزوار والسياح".

وأضاف: "لمدينة حلب مكانة تجارية مهمة، فقد كانت عبر التاريخ وجهة القوافل التجارية من دول العالم، وكانت مقصد من يملك رأس مال ويريد توظيفه في التجارة والصناعة. ومن يبحث عن عمل يكسب فيه لقمة العيش. وتميّز تجار مدينة حلب بالصدق في العمل، وإتقان تقاليد البيع والشراء واعتدال الأسعار والتقيد بالمعايير التجارية".

  • أسواق حلب القديمة تجذب الزوّار بعبق الزعتر وصابون الغار وروائح العطور

كلّ هذه الأمور جعلت أسواق مدينة حلب جزءاً من التراث الحلبي، الذي يحمل عبق الماضي وأصالة الحضارة السورية وعراقتها. ولفت عبطيني إلى أنّ هذه الأسواق تحمل أسماء وفقاً للحرفة المتداولة فيها أو ما يختص به السوق من البضاعة مثل: سوق الذهب، سوق العطارين، سوق الزائرين، سوق السراجين، سوق الحبال، سوق الأحذية، سوق "العبايات"، يقصدها الزوار، والسياح، والتجار، والمتسوقون من الأرياف والمحافظات السورية، ومن دول العالم كافة .

وشهدت عبر التاريخ مرحلة ازدهار تجاري، وبلغت ذروتها عام 2011، تاريخ بدء الحرب على سوريا، وكانت الحركة التجارية والسياحية فيها لا مثيل لها.

وعلى جانب آخر، وفي محطة أخرى من أسواق حلب القديمة،استقبلَنا عبد القادر أوسطه وهو تاجر مكسّرات، وقال: "عشت طفولتي وبلغت ذروة شبابي في هذه الأسواق، يؤلمني ما تعرّضت له من تخريب وتدمير منذ مطلع عام 2012 على يد العصابات الإرهابية المسلحة، ما أدى إلى تخريبها وتدمير المحالّ فيها، وسلب ونهب الممتلكات والمحتويات، وأصبحت ساحة مواجهة، وتوقف العمل فيها حتى نهاية عام 2016، موعد فك الحصار وإعلان انتصار حلب على الإرهاب، بفضل صمود أبطال الجيش العربي السوري، ووعي أهالي حلب الشرفاء".

وتابع أوسطه: "ولد لدينا الأمل من رَحِم الأَلم، وبدأنا نُلَملِم جراحنا وبتعاون أصحاب المحالّ فيما بينهم وبرعاية الجهات المعنية وإشرافها، انطلقت عملية إعادة الترميم والتأهيل وانتهى قسم منها، وعادت تنبض بالحياة أحلى وأجمل مما كانت في سابق عهدها". 

  • شهدت أسواق حلب القديمة عبر التاريخ مرحلة ازدهار تجاري، وبلغت ذروتها عام 2011
    شهدت أسواق حلب القديمة عبر التاريخ مرحلة ازدهار تجاري، وبلغت ذروتها عام 2011

وأكد أن العمل لا يزال مستمراً لترميم الأسواق وتأهيلها. أما عن حركة التسوق والبيع والشراء قال إنها "ضعيفة وليست على مستوى طموحنا وتطلعاتنا، نتابع المشوار ونسابق الزمن لتنشيط الحركة التجارية فيها. إرادتنا اليوم أقوى وبأسنا أشد كي تستمر الحياة، وتبقى أسواق حلب القديمة تلبي حاجة المتسوّقين والزائرين، تزهو وتزدهر حلب بأهلها الشرفاء المخلصين وتعود هذه الأسواق إلى ألقها واستعادة مجدها، أفضل وأجمل مما كانت عليه في سابق عهدها".

بدوره، قال المهندس، أحمد شهابي، مدير أسواق حلب القديمة: "عشت في أسواق حلب القديمة، وأتابع واقعها وأدق تفاصيلها. أجول فيها وألتقي زوارها وأتحدث إلى أصحاب محالها. لها مكانة كبيرة في نفسي، تأخذ جُلَّ اهتمامي، فهي أكبر وأطول الأسواق القديمة الأثرية والسياحية والتجارية المغطاة في العالم".

وأضاف: "حَرَص بُناتُها على تحقيق معادلة حماية المتسوق من الأمطار والثلوج والهواء البارد شتاءً والحار صيفاً، وفي سقوفها فتحات ونوافذ يندفع منها الهواء وأشعة الشمس كأنها أنوار مصابيح كشافة ذهبية اللون، ناشرة الدفء في الأيام الباردة والبرودة الناعمة في الأيام الحارة". وأضاف شهابي: "يمر الزمن على السائح والزائر والمتسوق سريعاً من دون الشعور بالملل أو التعب وحالما ينهي زيارته بعد ساعات يشعر بأنه جال في 37 سوقاً هي أسواق حلب القديمة وشاهد فيها كل بضائع العالم التراثية وجميع الحاجات الإنسانية".