حزب الله لـ "إسرائيل" وواشنطن: Don’t (1)
إذا كانت الإحداثيات التي عرضها حزب الله وما حفل به خطاب السيد نصر الله واضحَي الدلالة، فكيف نفهم التحذيرات متعددة المصادر من مغبّة توسّع الصراع، بما يشير إلى أن الاحتمال ما زال قائماً؟
حلّق هُدهُد حزب الله فوق أجواء حيفا. حدّد وهدّف وهدّد. لم يمرّ وقت طويل قبل أن ينشر الإعلام الحربي في المقاومة اللبنانية فيديو "إلى من يعنيه الأمر" يتضمّن إحداثيات لمواقع سرّية وحسّاسة.
إذا كانت المشاهد الأولى على درجة كبيرة من وضوح الرسالة، فإن المشاهد الثانية لم تترك أي مجال للالتباس في فهم فحوى ما يُراد إيصاله: حزب الله قادر بالقوة وبالفعل على إعادة "إسرائيل" إلى العصر الحجري.
بعبارة أخرى، سوف يضطر حزب الله إلى تفعيل عملية الانتقال من حالة الفوز بالنقاط على "إسرائيل" إلى حالة الفوز بالضربة القاضية إذا ما فرضت الأخيرة حرباً شاملة على لبنان. ينسجم هذا الأمر مع تحذير أحد كوادر حزب الله، نواف الموسوي، من أن الحرب المقبلة، إذا وقعت، فستكون حرب النهايات.
ما يعزّز من مصداقية هذه الخلاصة وواقعيتها، على نحو سواء، ليس فقط التهديدات والشرح المفصّل اللذان حفل بهما الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله خلال ذكرى استشهاد القيادي أبو طالب، إنما لكونها تستند إلى تجربة ميدانية على امتداد أكثر من ثمانية أشهر، أثبتت خلالها المقاومة اللبنانية بالمشاهد الحية والأدلة الحسية وباعترافات إسرائيلية، أن لديها من القدرات والإمكانات والطاقات ما يجعلها قادرة على تنفيذ ما تُهدد به وأن تخلّ بكل الحسابات الإسرائيلية المسبقة، بحيث خابت بعض توقعاتها واستعداداتها أمام بعض ما شهده الميدان وأفرجت عنه جبهة الإسناد.
انطلاقاً من ذلك، ما الذي سوف يتبقى من "إسرائيل" في حال اتجهت الأمور إلى حرب مفتوحة، تم فيها إعطاب أغلب مواقعها الحيوية والاستراتيجية والحساسة، المدنية والعسكرية، خصوصاً إذا ما جرى ذلك بالتوازي مع اقتحام الجليل؟
أسئلة ما بعد "الهدهد"
اعترف "جيش" الاحتلال بأن حادثة الهدهد غير المسبوقة في تاريخ الصراع ("طوفان الأقصى" عموماً بمختلف جبهاته هو مجموعة سوابق في تاريخ الصراع وهذا الأمر له دلالته) ألحقت ضرراً خطراً في الوعي الإسرائيلي. جميع الرسائل التي حملتها المسيّرة استفاض الإعلام العبري في مناقشتها. طُرحت جملة من الأسئلة في استديوهات التحليل؛ تخبّطت دعاية "الجيش" الإسرائيلي في محاولة تقليص الضرر، فزادت الطين بلة. فهم الجمهور الإسرائيلي أنه يجب التعامل مع كل ما تم تصويره، وما لم يتم عرضه، كما لو كان تعرض للهجوم فعلاً، وأن المسافة بين عرض الإحداثيات وبين إصابتها هي مسألة قرار. هنا، تبرز مجموعة من الأسئلة:
إذا كانت غلة "الهدهد" أدّت الغرض منها بعدما أظهرت قدرات استخبارية عالية ومعرفة بأدق التفاصيل التي توفّر بنك أهداف نوعياً ومُتقدّماً، فلماذا استتبعت بعد أقل من أسبوع بفيديو "إلى من يعنيه الأمر"؟ علماً أن معلومات خاصة بـ الميادين أفادت بأن هذه هي المرة الأولى التي يلمّح فيها حزب الله إلى صواريخه النقطوية الأكثر خطراً والأدق إصابة من الصواريخ الدقيقة.
إذا كانت المشهديات التي عُرضت الأسبوع الماضي إضافة إلى ما حفل به خطاب السيد نصر الله واضحة الدلالة، فكيف يمكن أن نفهم استمرار التحذير الأميركي والدولي من مغبة توسّع الصراع بما يشير إلى أنه احتمال ما زال قائماً؟
علام يراهن بنيامين نتنياهو والمستوى العسكري الصهيوني في ظل كلفة عالية مُتوقعة وغير مسبوقة قد لا تستطيع "إسرائيل" احتمالها مقابل أي حرب موسّعة ضد لبنان؟ وكيف يمكن أن نفهم استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن أغلبية الإسرائيليين تؤيد توسيع الحرب، رغم كل المشاهد والوقائع الرادعة التي عرضتها المقاومة ويُفترض أن تلجم مثل هذا الاتجاه لدى كل صاحب عقل؟
هل تصمد "إسرائيل" من دون كهرباء بالحد الأدنى؟
لا يعوز الحكومة و"الجيش" الإسرائيليين أسباب موجبة ومُسوّغات لتوسيع الحرب ضد حزب الله. على امتداد الشهور الفائتة تحدث الإعلام العبري نفسه عما وصفه بإذلال يتعرض له "الجيش" شمال الكيان، وعن ضرر لا يمكن إصلاحه على صعيد الردع وعلى صعيد الصورة، وما يتسرب من نتائج إلى وعي المستوطنين وإلى كل من يراقب في المنطقة، عدا عن وعود ألزم المسؤولون من المستويين السياسي والأمني أنفسهم بها، معطوفة على خسائر متواصلة اقتصادية ومعنوية وسياسية وأمنية وبشرية.
هذه الأسباب عولجت حتى الآن بمحاولة جبي أثمان باهظة من حزب الله لكن من دون القدرة على لجمه أو تغيير قواعد الاشتباك، وأيضاً بمزيد من التهديدات الصريحة والمُسربة عبر الإعلام، والتي أوحت في مراحل معينة بأنها باتت وشيكة وفي أحيان أخرى بأنها محتومة ومجرد مسألة وقت، كما حصل خلال الأسبوع الذي سبق عرض ما عاد به الهدهد ورسالة "إلى من يهمه الأمر".
لم يكن الجمهور الإسرائيلي غافلاً، لا قبل الهدهد ولا بعده، عن أن أي معركة شاملة مع حزب الله لن تكون شبيهة بما آلت إليه حرب تموز 2006. شاهد الجمهور الإسرائيلي وسمع، وجزء منه اختبر، ما يمكن أن يحدث، سواء من خلال ما بثه الإعلام الحربي في حزب الله الأسبوع الماضي، وما سبقه على امتداد شهور.
قبل ذلك بسنوات، كانت حدود المعرفة الإسرائيلية تحيط بشكل عام بأن حزب الله بات يمتلك صواريخ دقيقة ومسيّرات ومنظومات دفاع جوي، وجزء من هذه الإحاطة جاءت من خلال ما قرّر حزب الله أن يكشف عنه، مثلما جرى خلال النزاع البحري على حقل كاريش، وأخرى جاءت من خلال رسائل وخطابات رسمية، وبعضها من خلال تقديرات مراكز أبحاث إسرائيلية. لكن المعرفة العامة والمُتصورة شيء، ورؤية ما يمكن أن تحققه الإصابات الدقيقة وآثارها المحتملة شيء آخر على مستوى الوعي.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" قدّرت حديثاً أن يصل عدد القتلى في "إسرائيل" إلى 15 ألفاً من جراء تداعيات "حرب ثالثة" مع لبنان. ونقلت عن مدير عام إدارة نظم الكهرباء أنه بعد 72 ساعة من دون كهرباء لن يكون من الممكن العيش في "إسرائيل"، منوّهة إلى أنه من الممكن أن يستمر انقطاع الكهرباء لوقت أطول من ذلك. وأعادت التذكير بما قاله رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة من أن واشنطن ستواجه صعوبة في الدفاع عن "إسرائيل" في حربها مع حزب الله.
من أجل ردم الفجوة بين تصوّر ما يمكن أن يحدث وبين نتيجته الردعية جاءت الرسائل البصرية الحسية الأسبوع المنصرم بمنزلة محفزّات إضافية لمختلف الشرائح الإسرائيلية، وربما أبعد من ذلك إلى الأميركيين. إشراك الحواس في الرسائل النفسية من شأنه أن يحثّ شعور الخطر ويهزّ الغارقين في تبلّد ذهني في حال لم يكن ذلك الذهن قادراً بعد على إنتاج واقع مُتصور. أُرفق ذلك بضربة إضافية دقيقة لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي Drone Dome الخاص بالتصدي للمسيرات، في رسالة تكمل مسار استهداف منظومتي "طل شمايم" والقبة الحديدية.
جاءت هذه التطورات بالتزامن مع إيحاءات إسرائيلية وتصريحات باقتراب عمل عسكري واسع ضد لبنان بالتوازي مع كلام إسرائيلي عن قرب انتهاء العملية في رفح والانتقال إلى المرحلة الثالثة في مجمل القطاع. في هذا الإطار، أعلن نتنياهو أن "جيشه" جاهز لعملية مكثفة في لبنان إذا لزم الأمر، متعهداً بإعادة الأمن إلى الحدود الشمالية، فيما أعلن "جيش" الاحتلال أنه وافق على خطط عملياتية لتنفيذ هجوم في لبنان، وأفاد بيان صادر عن مكتب وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس بما يلي: "نحن قريبون جداً من اللحظة التي سنقرر فيها تغيير قواعد اللعبة ضد حزب الله ولبنان، في حرب شاملة، سيتم القضاء على حزب الله وسيُضرب لبنان بشدة".
لكن، ما الذي حصل بعد ذلك وإلى أين وصلنا اليوم؟ من المفيد استعادة خطابات "الصيف الملتهب" الإسرائيلية وملاحظة مسار انحدارها في كل مرة نلامس فيها ذروة التهويل، على اعتبار أن هذا النمط المتكرر منذ أشهر يؤشر إلى أنه سوف يعود إلى الظهور مجدداً في استحقاقات مقبلة لم يعد من العسير التنبؤ بها. الجمعة الماضي (28 حزيران/يونيو) ذكرت القناة 14 الإسرائيلية الموالية لليمين المتطرف أنه لن تندلع حرب بين "إسرائيل" وحزب الله قريباً، ومن المحتمل جداً ألا تندلع على الإطلاق.
حسابات الكلفة والجدوى
هل يلمح ذلك إلى أن كل ما نسمعه من تهديدات إسرائيلية هو مجرد حرب نفسية وتهويل؟ غالباً نعم، لكن ليس بصورة مطلقة وقاطعة مع بقاء احتمال التصعيد قائماً ولو بنسبة ضئيلة، علماً أن هناك مستويات متعددة من إمكانيات التصعيد، إذ يختلف الأمر بين أن يكون عملية محدودة أو عملية استباقية مباغتة وكبيرة.
ربما يجدر التمييز أيضاً بين مستويات مختلفة من الجهات النافذة والقادرة على اتخاذ القرار بتوسيع الحرب على لبنان، وهذه الجهات نظرياً هي: واشنطن ونتنياهو و"الجيش" الإسرائيلي. فما الذي يريده كل طرف من هذه الأطراف الثلاثة المقررة في الحرب؟
قبل الإجابة عن ذلك، من المفيد استعراض نماذج وردت خلال الأيام الفائتة في "إسرائيل"، وهي وجهات نظر ومواقف طفحت بها الصحافة الإسرائيلية على امتداد شهور.
بدل أن تخبو هذه المواقف، نجد أنها على العكس من ذلك استمدت من التطورات اللاحقة ما يعزز وجهة نظرها. بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية وصفت التهديدات الواردة على لسان سياسيين وضباط حول قدرة "إسرائيل" على إلحاق ضرر بحزب الله بأنها تنطوي على الكثير من التهديدات المتغطرسة، ورأى بعضها أنه على الرغم من أن شمال "إسرائيل" يحترق فإن اجتياح لبنان لن يحل شيئاً والثمن سيكون أعظم بكثير من الإنجاز.
في هذا السياق، عدّت نائبة رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي أن الحرب ضد حزب الله ستكون أكثر تعقيداً وتداعياتها أصعب بكثير على الداخل. ربما كان ذلك تعبيراً مخففاً مقارنة بما ذكره اللواء في الاحتياط إسحاق بريك إذ قال "إذا هاجمنا لبنان فسيؤدي ذلك إلى تدمير الهيكل الثالث".
تبقى معادلة الكلفة والجدوى ماثلة أمام صانع القرار الإسرائيلي في أي هجوم موسّع على لبنان. الانتقال من حال سيئ إلى حال أسوأ ليس بالتأكيد ما يسعى إليه نتنياهو رغم دوافعه لإطالة أمد الحرب.
التسبّب بضرر كبير للجبهة الداخلية والمخاطرة بنسف ما تبقى من أسس يقوم عليها الكيان من دون أن يُقابل ذلك بحل جذري لخطر حزب الله من شأنه ليس فقط أن يزيد النقمة تجاه المستويين السياسي والعسكري، بل ربما إلى فقدان الأمل نهائياً بجدوى البقاء على أرض فلسطين، وقضم المزيد من منعتها.
في هذا الإطار، تحاجج صحيفة "يديعوت أحرونوت" خلال الأيام الفائتة، بأن أي حرب شاملة ضد لبنان سوف تكون نتيجتها الموت والدمار والخراب ونهايتها محكومة حتماً باتفاق. وترى أن هذا الاتفاق متوفّر حالياً ويمكن التوصل إليه الآن، وهو يتمثل بصفقة لتحرير المخطوفين ووقف الحرب في غزة وإبعاد حزب الله عن الحدود. بمعنى آخر، هي تطرح معادلة الجدوى والكلفة وترجّح بأن كفة الصفقة مع غزة وإنهاء الحرب تبقى أقل كلفة وأكثر جدوى من أي نتيجة يمكن الوصول إليها عبر الحرب.
في كل الأحوال، لم يعد هناك نقاش داخل "إسرائيل"، وباعتراف مسؤولين في الحكومة وفي "الجيش" عدا عن خبراء ومتقاعدين، بأن حزب الله قادر بمستوى معين على إلحاق أذى غير مسبوق في الجبهة الداخلية وفي المرافق الحيوية وفي "الجيش"، لكن رغم ذلك، يستمر التلويح بخيار الحرب، علماً أن هذا التلويح جرى غالباً مقروناً بخيار الدبلوماسية وهذا مؤشر له دلالة. يمكن الملاحظة في هذا الإطار أنه متى لامس الإسرائيلي ذروة التهديد عند قمة قوس التهديدات، عاد أثناء نزوله إلى المنسوب المتوسط إلى إقران ذلك بالدبلوماسية.
في الطريق إلى توسيع الحرب لا يعدم المسؤولون الإسرائيليون الدوافع والأسباب التي استفاض السيد نصر الله في شرحها وتشريحها. أحد أسباب هذا التوجه الرئيسية هو التفلّت من الزاوية التي يحُشر فيها الإسرائيلي اليوم ويصفها الإعلام العبري بعبارة تختصر المشهد: الحكومة و"الجيش" غير قادرين على تخليص نفسيهما من الفخ الاستراتيجي العميق الممتد منذ 7 أكتوبر.
لكن المأزق الإسرائيلي لا يقتصر على هذا التوصيف الواقعي؛ المشكلة أن هذا الفخ مرن ومتحرك وحدوده قابلة للتوسع والتعمّق اطراداً مع امتداد الحرب، الأمر الذي سبق أن حذّر منه مراراً وتكراراً بلغة دبلوماسية وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، وهذا يقود إلى رسم المشهد الحالي من خلال العودة إلى الخطاب الأول للسيد حسن نصر الله وصولاً إلى الخطاب الأخير، ولهذه العودة سبب وجيه.
الفخ الاستراتيجي
ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد أن اتجاه صاحب القرار في "إسرائيل" إلى معركة رفح قبل أسابيع، رغم الخطوط الحمر الأميركية المُعلنة والمُدعاة، سببها حاجة نتنياهو إلى إطالة أمد الحرب وعدم قدرته على دفع أكلاف ومخاطر هذه الرغبة إذا ما جرى تسييلها باتجاه الجبهة الشمالية.
ربط نتنياهو حينها عملية رفح بحجة تحقيق "النصر المطلق" وتفكيك آخر كتائب حماس، فيما أسهبت مجموعة مقالات وتسريبات نشرتها الصحافة الإسرائيلية وقتها في تقويض هذه الحجة نافية وجود أي أهداف استراتيجية من وراء هذه العملية، باستثناء أهداف شخصية وخاصة تخص نتنياهو وبعض مكونات ائتلافه.
مع إعلان نتنياهو ومقربين منه أخيراً عن قرب الانتهاء من عملية رفح إضافة إلى العمليات الموسّعة في عموم قطاع غزة والانتقال إلى المرحلة الثالثة التي تشمل عمليات مركّزة، بما يرافق ذلك من ضرورة تقليص عديد "الجيش" ووحداته التشغيلية وأصوله هناك، لا يتبقى لدى المستويين السياسي والعسكري الكثير من الذرائع أمام الجمهور الإسرائيلي لعدم معالجة مشكلة الشمال الداهمة حيث يتعرض الكيان للإذلال والإهانة، وفق توصيف عدد من نخبه.
توصيف الحالة الراهنة لمآلات "طوفان الأقصى" بعد أكثر من 8 أشهر على مختلف الجبهات يمثل مقدمة إلزامية لفهم طبيعة "الفخ الاستراتيجي" الذي ينزلق فيه الطرف الإسرائيلي المرهون لخيارات مرة، ويقف على رقعة الشطرنج في المنطقة مُهدداً بخطوة "كش ملك".
يمكن باختصار إدراج مجموعة من أبرز مكوّنات المشهد على الشكل الآتي:
أولاً، يمثّل موعد الانتخابات الأميركية استحقاقاً حرجاً وربما قاتلاً للإدارة الأميركية ربطاً بالتطورات المتصلة بـ"طوفان الأقصى". من الآن وحتى موعد الانتخابات المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لا يعدّ نتنياهو اللاعب الوحيد الذي يمكنه أن يمارس الضغط والابتزاز على الإدارة الأميركية، التي رغم كل محاولاتها التموضع والظهور بمظهر الوسيط، إلا أنها كانت وما زالت تعدّ الطرف الأوّل المقرر حول الحرب.
لو أن هذه الإدارة ومن خلفها البنتاغون كانت لديهما تقديرات بأن جدوى الحرب على حزب الله أكبر من كلفتها على مصالحهما في المنطقة وفي صلبها ضمان سلامة "إسرائيل"، لكانا بادرا إلى تشجيع الأخيرة على الحرب كما حصل في عام 2006.
ثانياً، ما زال المشهد الدولي محكوماً بالمعادلات نفسها التي أرخت بظلالها على المصالح الدولية منذ بدء الحرب الروسية-الأوكرانية. رغم كل التأييد الذي تحظى به "إسرائيل" من المنظومة الغربية الأطلسية فإن أولويات الأخيرة في ظل الحرب الروسية تمنعها من التفرّغ الآن للوقوف عند خاطر "إسرائيل" ونزوات ومصالح من يحكمها.
إن كل الكلام الغربي والدولي الطنان المغلّف بطابع إنساني والذي يدور حول التحذير من تبعات الحرب الموسعة وما قد ينجم عنها من كوارث لا يمكن تصورّها على شعوب المنطقة، إنما يعبّر في الجوهر عن خشية من تداعيات هذه الحرب على المصالح الغربية نفسها. في هذا الإطار، ثمة ما يجمع المخاوف الأميركية والأطلسية كما في موضوع سلامة "إسرائيل" ومسائل الطاقة والتجارة العالمية وخطر الانزلاق إلى سيناريوهات متطرفة، وهناك بعض التمايز مثل أن تصبح المصالح الأميركية في المنطقة مُهددة في حال توسّع الصراع.
ثالثاً، لو كانت "إسرائيل" أمام حالة مراوحة وقواعد اشتباك ثابتة (ستاتيكو) في مشاغلتها من قبل جبهات الإسناد لأمكن لها بناء تقديرات استناداً إلى بلوغها قمة القوس في مؤشر سوء الأحوال، لكن جانباً من مأزقها يكمن في أنها لا تضمن أن تسوء الأمور أكثر من خلال تصاعد وتيرة عمليات جبهات الإسناد، مع استمرار المراوحة والاستنزاف من جبهة غزة.
ثمة مؤشرات إلى ذلك منها الكشف عن صواريخ وأسلحة جديدة في اليمن والتلويح بالانتقال إلى المرحلة الخامسة من العمليات، ومنها ما أعلن عنه رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين خلال تشييع الشهيد أبو طالب ومفاده أن المقاومة اللبنانية سوف تزيد من عملياتها شدة وبأساً وكمّاً ونوعاً، ومنها أيضاً ما ورد في خطابات الأمين العام لحزب الله خلال الشهور الفائتة، ما يستدعي العودة إلى ما أعلنه في الخطاب الأول بعد "الطوفان".