محدِّدات موقف الهند وقيوده تجاه الأزمة الأوكرانية (2-2)

في الجزء الثاني من هذا المقال قراءة في العلاقات الهندية الروسية والهندية الصينية وصولاً إلى السؤال: كيف ستتصرف الهند وفق مصالحها وقيودها؟ وهل تنجح في موازنة علاقاتها بين الشرق والغرب؟

  • على الرغم من عمق العلاقات الهندية الروسية، فإن التعاون والتبادل التجاريَّين بين البلدين ظلّا بمثابة الحلقة الأضعف في هذه العلاقات الاستراتيجية.
    على الرغم من عمق العلاقات الهندية الروسية، فإن التعاون والتبادل التجاريَّين بين البلدين ظلّا بمثابة الحلقة الأضعف في هذه العلاقات الاستراتيجية.

رابعاً: العلاقات الهندية - الروسية

أُقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفياتي والهند في الـ13 من نيسان/أبريل 1947، وظلت هذه العلاقات الاستراتيجية المتعددة الأبعاد (عسكرية، اقتصادية، ودبلوماسية) قوية بين البلدين في أثناء فترة الحرب الباردة، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991. وعلى الرغم من توطيد علاقات الهند بالغرب، فإن العلاقات المتقاربة بين الهند وروسيا ظلت قائمة، بل تزداد رسوخاً، فجرى توقيع معاهدة جديدة للصداقة والتعاون بين البلدين بتاريخ الـ28 من كانون الثاني/يناير 1993، باعتبارها وثيقة رئيسة تقوم عليها العلاقات الروسية الهندية الجديدة. 

وعلى الرغم من عمق العلاقات الهندية الروسية، وطابعها ذي الأبعاد الاستراتيجية والأمنية الواسعة النطاق، فإن التعاون والتبادل التجاريَّين بين البلدين ظلّا بمثابة الحلقة الأضعف في هذه العلاقات الاستراتيجية، فلم يزد مستوى التبادل السلعي بين البلدين في عام 2006 على 3.2 مليارات دولار، وارتفع في عام 2007 إلى 5.3 مليارات دولار عام 2007، ثم إلى 7.5 مليارات دولار في عام 2009 . وعموماً، خلال الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2017، ظل التبادل التجاري بين البلدين يتراوح بين ثمانية وعشرة مليارات دولار أميركي سنوياً – باستثناء الصفقات العسكرية والتسليح –. كما أن عدد المشاريع الصناعية الروسية في الهند بلغ 70 مشروعاً صناعياً، منها 27 مشروعاً للطاقة، و9 مشاريع للفولاذ، و12 مشروعاً للكيميائيات. وهناك مشروع المفاعل النووي الذي ترعاه موسكو في منطقة كودانكولام في ولاية تاميل نادو الجنوبية.

وعلى الرغم من تعدد الزيارات الرسمية بين قادة البلدين طوال الأعوام العشرين الماضية، فإن مجالات التعاون ظلّت تتسع من دون أن تزداد في المقابل فرص التبادل التجاري بينهما. لقد زار الرئيس الروسي بوتين الهند في تشرين الأول/أكتوبر 2000، ووقع خلال الزيارة بيان الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والهند، وأُسست في هذا العام اللجنة الوزارية المشتركة الخاصة بالتعاون العسكري التقني، وتم التركيز خلال الزيارة على التعاون في مجال الطاقة، وتطوير العلاقات الوثيقة في مجال التقنيات المعلوماتية.

كما قام رئيس الوزراء الهندي آنذاك أتال بيهاري واجپاي في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2003 بزيارة روسيا، ووقعت في أثناء الزيارة 10 وثائق جديدة، بما فيها البيان المشترك بشأن «التحديات الشاملة وتهديد الأمن والاستقرار العالميَّين». 

وفي كانون الأول/ديسمبر 2005 وتشرين الثاني/نوفمبر 2007، زار روسيا رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ في زيارتين رسميتين، ووقع خلالهما عدداً من الاتفاقيات في مجال الفضاء والتعاون العسكري - التقني.

كما جري في شباط/فبراير 2008 التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية التعاون بين البلدين في مجال الطاقة النووية، وتقضي الاتفاقية بإنشاء 4 مفاعلات نووية في المحطة الذرية الهندية، التي تولت روسيا تشييدها بناءً على التصميم الروسي، وبواسطة المعدات الروسية. كما يقدم 50 خبيراً روسياً عوناً فنياً في تحقيق المشروع. غير أن أعمال الإنشاء والتركيب كلها تقوم بها شركات هندية. 

كما قام رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، بزيارة ثالثة لروسيا بتاريخ الـ7 من كانون الأول/ديسمبر 2009. وشهدت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للهند عام 2017، توقيع أكثر من عشرين اتفاقية ثنائية مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، لتطوير العلاقات بين البلدين في مختلف المستويات. وشملت الاتفاقات عقداً لبيع منظومة الصواريخ الروسية الشهيرة "أس-400" للهند، التي كانت تطمح لشراء شحنة كبيرة من هذه الصواريخ الاستراتيجية المضادة للطائرات، لتشكل قاعدة لنظام دفاع جوي/‏فضائي وطني مستقبلي. 

كما وُقِّعت بحضورهما اتفاقية بشأن برنامج التعاون العسكري التقني، واتفاقية بشأن صيانة الأسلحة والآليات الحربية الروسية في فترة ما بعد بيعها للهند، والبروتوكول الملحق باتفاقية تصميم طائرة النقل المتعددة الأغراض وصنعها، والموقعة في الـ12 من تشرين الثاني/نوفمبر 2007. 

وخلال شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2021، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهند مجددا، والتقى رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات، مع التركيز على التعاون العسكري والتقني، والتعاون في الساحات السياسية الدولية.

والحقيقة أن مجالات التعاون بين روسيا الاتحادية والهند تشمل مروحة واسعة من المجالات، لعل أبرزها: 

-       التعاون العسكري. 

-       التعاون، علمياً وفضائياً. 

-       التعاون في المجال النووي. 

-       التعاون في مجال الطاقة (النفط والغاز).

(1) على صعيد التعاون، عسكرياً وأمنياً، والذي يشغل حيزاً كبيراً من العلاقات بين البلدين، لا يقتصر الأمر على مجرد إبرام صفقات أسلحة ومعدات قتالية، لكنه يمتد ليشمل التزام روسيا صيانةَ الأسلحة السوفياتية الصنع، التي تملكها الهند، وتزويدها بقطع الغيار اللازمة للإصلاح، وتوفير الأسلحة والعتاد العسكري، التي تطلبها الهند، لمواجهة التهديدات المحيطة بها، وتوريد معدات عسكرية عالية التقنيات، بما فيها الصواريخ الباليستية والغواصات الذرية. وتتجاوز قيمة الصفقات، التي أبرمتها الدولتان طوال الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2017 نحو 39 مليار دولار، بحيث تقوم روسيا سنوياً بتوريد أسلحة ومعدات عسكرية إلى الهند بما قيمته 4.5 مليارات دولار، بالإضافة إلى أن روسيا قامت طوال فترة التعاون العسكري الفني بين البلدين بتوريد معدات عسكرية إلى الهند بقيمة تزيد على 65 مليار دولار(9).

ومن أهم الصفقات توقيع الجانبين ما عرف بـ«صفقات القرن» في عامي 2001 و2010، التي أعطت فيها روسيا للهند، ليس فقط حق إنتاج 140 مقاتلة متطورة من طراز سوخوي، بل أيضاً حق نقل تكنولوجيا هذا الطراز المتقدم من المقاتلات إلى الهند.

وعلى الرغم من تراجع حصة روسيا من التسليح الهندي من 70% إلى 49%، بسبب قرار الهند تنويع مصادرها وتعزيز التصنيع الدفاعي المحلي، فإن روسيا قامت بتزويد الهند بمعدات عسكرية متطورة، مثل نظام الدفاع الصاروخي (S-400)، وبيع 4 فرقاطات عسكرية روسية، ودفعة كبيرة من أنظمة "إيغلا" الصاروخية. وتشير معلومات نشرتها وكالة "نوفوستي" الروسية إلى أن القوات البحرية الهندية مزودة بمعدات عسكرية روسية الصنع بنسبة 80%، والقوات الجوية الهندية مزودة بنحو 70% من السلاح الروسي. كما تورد إلى الهند الدبابات «ت-90»، والطائرات الحربية سوخوي. وتُعَد شركة Hindustan aeronautics limited شريكة لروسيا من الجانب الهندي فيما يتعلق بصنع مقاتلات الجيل الخامس. كما تقوم هذه الشركة بصنع المقاتلة "سوخوي – 30 أم كي إي" بموجب ترخيص منحته لها روسيا.

وبالإضافة إلى ذلك، فان شركة "ميغ" شاركت في المناقصة الهندية الخاصة بصنع مقاتلة متعددة الاغراض MRCA"  في آذار/مارس 2009، لمصلحة القوات الجوية الهندية. كما تستمر هذه الشركة في العمل على تجربة الرادار الجوي "جوك – آ أي"، الذي من المفترض أن يركب في الطائرة التجريبية من طراز "ميغ - 35"، كما تم تصميم الصاروخ الهندي "براموس" وصنعه في المؤسسة الروسية الهندية المشتركة، التي تُعَدّ مثالاً عى التعاون العسكري التقني في مجال تبادل التقنيات والتكنولوجيات المشتركة.

في الـ24 من كانون الأول/ديسمبر 2012، وقعت روسيا والهند على صفقتين دفاعيتين كبيرتين بقيمة 4.5 مليارات دولار، تتضمن الأولى تصدير روسيا إلى الهند 71 مروحية من طراز "مي 17 في 5"، والثانية تقضي بتزويدها بالمعدات اللازمة لتجميع 42 طائرة من طراز "سوخوي ـ 30 أم كاي أي" (10).

ونظراً إلى خطورة ما تمثله المنظومة الصاروخية المتطورة "أس 400" على العمليات العسكرية الأميركية وحلفائها، علاوة على تأثيرها المنافس لمبيعات الأسلحة الأميركية عالمياً، هددت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات على الدول التي تشتري منظومات الأسلحة الروسية الجديدة، ومنها المنظومة الصاروخية "أس – 400" والمقاتلات الروسية "أس يو 35". وفرضت فعلاً عقوبات على الصين لشرائها شحنة من هذه الصواريخ ومقاتلات "أس يو – 35"؛ وهددت بفرض عقوبات مماثلة على الهند في حال تعاقدها مع روسيا على تزويدها بهذه الأسلحة. 

غير أن الهند - على الرغم من مطرقة العقوبات الأميركية - حسمت القرار، ووقع الطرفان على الصفقة التي تقدَّر بنحو 5.43 مليارات دولار، وهي إشارة واضحة متعددة الدلالات على عمق العلاقات الاستراتيجية بين روسيا والهند، وقدرة الهند على تحدي الضغوط الأميركية.

وعلى الجانب الآخر، تعلق روسيا الاتحادية بدورها أهمية بالغة على علاقاتها بنيودلهي والسوق الهندية الضخمة، وخصوصا في مشترياتها من الأسلحة والعتاد العسكري، فضلاً عن رغبة روسيا في تحسين ترسانة الهند النووية، من خلال بيعها غواصات نووية ومعدات إلكترونية متطورة، وأنظمة صواريخ باليستية ومفاعلات نووية، وغيرها، على الرغم من معارضة واشنطن وباكستان والصين ذلك. لذا، تتوافق مصالح البلدين في عدد من المجالات. فالهند الطموحة في حاجة إلى التكنولوجيا العسكرية الروسية. وروسيا بدورها تعاني مشكلات اقتصادية وعقوبات أوروبية وأميركية عليها. 
وعلى الرغم من اتفاق الهند وروسيا مع الصين على معارضة النظام الدولي القائم على القطبية الأحادية وهيمنة الولايات المتحدة على مجريات الأمور على الساحة الدولية، وتفضيل هذه الدول قيام نظام دولي متعدد الأقطاب، وكذلك المخاوف المشتركة من الإرهاب الدولي والتطرف الديني، ونجاحها في إبرام العشرات من اتفاقات تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والعسكرية والتكنولوجية، فإن روسيا تنظر إلى الهند، باعتبارها مكسباً استراتيجياً شديد الأهمية، في ظل سعي موسكو لإعادة ترتيب علاقاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية. 

(2) في مجال التعاون الاقتصادي، على الرغم من تصريحات سيرغي سوبيانين، نائب رئيس الوزراء الروسي في الاجتماع الخامس عشر للجنة الحكومية المشتركة الروسية الهندية الخاصة بالتعاون، اقتصادياً وعلمياً وتقنياً وثقافياً، والذي عُقِد بتاريخ 21 تشرين الأول/أكتوبر عام 2009 في موسكو، فإن الجانبين يحرصان على تنفيذ الخطط الطموحة، وايصال حجم التبادل السلعي بين البلدين عام 2015 إلى ما قيمته 20 مليار دولار. لقد ظلت التجارة الثنائية بين نيودلهي وموسكو، منذ نيسان/أبريل 2020 حتى آذار/مارس 2021، دون المستوى المأمول، بحيث بلغت 8.1 مليارات دولار أميركي (منها الصادرات الهندية 2.6 مليار دولار، والواردات من روسيا 5.48 مليارات دولار). وفي الفترة نفسها، وبحسب الأرقام الروسية، بلغت التجارة الثنائية 9.31 مليارات دولار (إذ بلغت الصادرات الهندية 3.48 مليارات دولار، بينما بلغت الواردات من روسيا 5.83 مليارات دولار). ويستهدف البلدان تعزيز التعاون، تجارياً واقتصادياً، وزيادة الاستثمار الثنائي إلى 50 مليار دولار، وزيادة التجارة الثنائية إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2025. 

وخلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للهند في كانون الأول/ديسمبر 2021، تم عقد القمة السنوية العشرين الهندية الروسية، وتم التوقيع على 50 اتفاقية، بينها 15 وثيقة على المستوى الحكومي، و35 اتفاقية في الشؤون الاقتصادية والتجارية.

(3) في مجال الطاقة، تعاون الطرفان في أهم مشاريع التعاون الثنائي، وهي تشغيل حقل النفط والغاز(ساخالين – 1) والتنقيب عن الغاز في الجرف القاري في خليج البنغال، الذي تشارك فيه شركة النفط والغاز الحكومية الهندية ONGC، وشركة «غازبروم» الروسية. وجاءت الدعوة، التي وجهتها روسيا إلى شركة "ONGC Videsh" الهندية في عام 2001 للمشاركة في مشروع «ساخالين – 1» في الشرق الأقصى، بمثابة أول تجربة ناجحة في تعاون الشراكة الهندية مع روسيا، وحصلت الشركة الهندية آنذاك على حصة 20% من المشروع، وبدأت الهند تحصل على النفط من حقل «ساخالين – 1» منذ اواخر عام 2006. كما اقترحت الهند على شركة غازبروم المشاركة في مشروع إنشاء خط أنابيب الغاز الاستراتيجي «تركمانستان – أفغانستان – باكستان – الهند»، ومشاركة روسيا في هذا المشروع بصفتها طرفاً مورداً للغاز الطبيعي، إلى جانب أذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان، ويبلغ طول خط أنابيب الغاز هذا ما يقارب 1700 كيلومتر. 

كما أن مشاركة روسيا والهند في إعداد المشروع الخاص بتوريد الغاز الإيراني إلى الهند، قد تكون أحد الاتجاهات الرئيسية للتعاون المقبل بين شركة غازپروم وشركة GAIL الهندية. وتبدي شركة غازپروم اهتمامها أيضاً بالمشاركة في إنشاء خط انابيب الغاز( ميانمار – بنغلادش – الهند ) بصفة شركة استشارية.

(4) في مجال التعاون الفضائي والعلوم والتكنولوجيا، جرى التوقيع عام 2000 في نيودلهي على البرنامج الشامل والطويل الأمد لتطوير التعاون بين البلدين، علمياً وتقنياً، حتى عام 2010. وفي 17 آذار/مارس 2006، خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الروسي السابق ميخائيل فرادكوف للهند، وُقعت الاتفاقيات بين مؤسسة "روس كوسموس" الروسية ومؤسسة الأبحاث الفضائية الهندية بشأن التعاون في إطار برنامج غلوناس للملاحة الفضائية. وخلال الأعوام الـ16 المنصرمة بعد التوقيع على البرنامج المذكور، تم تبادل الوفود بعدد 3000 وفد، وتحقيق ما يزيد على 300 مشروع علمي في كل المجالات، وإنشاء 7 مراكز للابحاث العلمية في مختلف فروع العلم. ويجري العمل على 150 مشروعاً آخر للابحاث العلمية. ويتطور التعاون العلمي التقني في إطار هذا البرنامج الطويل الامد في 11 اتجاهاً علمياً. كما يتضمن البرنامج تشييد مركز الأبحاث الخاص بصنع المسحوق الحديدي، واللدائن الجديدة في مدينة حيدر آباد الهندية. 

ومن إنجازات البرنامج الأخرى البدء في إنتاج اللقاح الخاص بمعالجة شلل الأطفال في شركة بيبيسكول الهندية في مدينة بولاندشار الهندية (11)، الذي يصنع سنوياً 100 مليون جرعة من اللقاح بدعم روسيا. وثمة إنجاز آخر للبرنامج، وهو افتتاح المركز الهندي - الروسي للابحاث الكومبيوترية المستقبلية في موسكو. كما تجدر الإشارة إلى المركز الهندي الروسي للتقنيات البيولوجية، والمركز الهندي الروسي الخاص باستخراج الغاز الطبيعي. وسيسمح إنشاء 4 مراكز جديدة للمعادن غير الحديدية، والتقنيات البيولوجية والطبية، ونقل التقنيات والمسرّعات الليزرية، بتوسيع التعاون بين البلدين إلى حد كبير. كما تم التجميع الناجح لكومبيوتر فائق السرعة كونه نتاجاً مشتركاً لمعهد التصميم المؤتمت Atomization لدى أكاديمية العلوم الروسية ومركز الأبحاث الحكومي الهندي.

(5) وفي مجال التعاون في العقاقير الطبية، اقترحت روسيا على الهند أن تنشأ في هذا البلد مؤسسة مشتركة خاصة بصنع المضادات الحيوية من جيل جديد. وفي إمكان روسيا والهند أن تُنشئا معملاً يصنّع هذه المواد بقدرة إنتاجية تبلغ 30 ألف طن من العقاقير سنوياً. كما أن في مقدور هذه المؤسسة أن تعمل على أساس الشراكة بين القطاعين العام والخاص في منطقة التجارة الحرة الهندية. ومن المفترض منحها تسهيلات ضريبية وجمركية لمدة 10 أعوام. كما أن من المتوقع ان تموّل نسبة 55% من حصة روسيا في المشروع على حساب تسديد الديون الهندية. أمّا نسبة 45% المتبقية فمن المتوقع تمويلها عن طريق الاستثمارات الخاصة من الجانب الهندي. ومن المحتمل أن تبلغ القيمة الإجمالية للمشروع 105 ملايين دولار. كما ساهمت جائحة كورونا في تعزيز التعاون العلمي في هذا المجال.
 

خامساً: العلاقات الهندية – الصينية 

بدأت العلاقة الحديثة بين البلدين في عام 1950 عندما اعترفت الهند بجمهورية الصين الشعبية كحكومة شرعية لبر الصين الرئيسي. وتُعَد الصين والهند أكبر دولتين من ناحية عدد السكان، وأسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم خلال الأعوام الأربعين الأخيرة. 

اتّسمت العلاقات بين البلدين ببعض الحساسيات والنزاعات الحدودية، ونشبت فعلاً أربعة نزاعات عسكرية بين البلدين. الأولى عام 1962، والتي عُرفت بالحرب الصينية الهندية. والثانية هي حادثة شولا في عام 1967. والثالثة في المناوشات الصينية الهندية في عام 1987. كما اشتبك البلدان في هضبة دوكلام على طول الحدود الصينية البوتانية المتنازع عليها في أوائل عام 2017. 

واستمر قلق الهند حيال العلاقات الثنائية الاستراتيجية القوية للصين مع باكستان، وذلك في حين أعربت الصين عن قلقها بشأن الأنشطة العسكرية والاقتصادية الهندية في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

وعلى الرغم من ذلك، فإن البلدين نجحا في إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وأصبحت الصين من أكبر الشركاء التجاريين للهند في عام 2008، وأعلنت الصين والهند، في حزيران/يونيو 2012، أن «العلاقات الصينية الهندية» قد تكون «أهم شراكة ثنائية في القرن». وحدد كل من ون جيا باو رئيس مجلس الدولة الصيني، ومانموهان سينغ، رئيس وزراء الهند، في ذلك الشهر، هدفاً لزيادة التجارة الثنائية بين البلدين إلى 100 مليار دولار أميركي بحلول عام 2015. 

فالصين أكبر اقتصاد في آسيا، وثاني أكبر اقتصاد في العالم، بناتج محلي إجمالي بلغ عام 2021 نحو 18.0 تريليون دولار، بينما تحتل الهند المركز الثالث في آسيا بناتج محلي إجمالي يبلغ 2.7 تريليون دولار. وفي عام 2014 بلغت التجارة السلعية بين البلدين نحو 75.0 مليار دولار، كان منها الواردات الصينية من الهند 16.4 مليار دولار. وفي المقابل، بلغت الصادرات الصينية إلى الهند 58.4 مليار دولار (12). وهكذا أصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري للهند بعد الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي. وبين عامي 2017  و2018، بلغت التجارة الثنائية بين البلدين نحو 89.6 مليار دولار أميركي، وبلغ عجز الهند التجاري مع الصين 63.05 مليار دولار لمصلحة الصين، وهو ما أثار قلق الهند(13). 

وبقدر توخّي الهند حذرها في علاقتها بالصين وتصاعد حضورها في جنوب آسيا، فإن الحقيقة الراسخة تتمثل بأهمية الصين للاقتصاد الهندي. واتفق البلدان، في الآونة الأخيرة، على تعزيز الاهتمام بالبحث عن سبل إلى تسوية مسألة الحدود. والتقى ممثلون عن البلدين، معنيون بقضايا الحدود، للبحث في إمكان تركيز بعض الجهد والاهتمام في محادثات الحدود، وكان هذا هو الاجتماع الثاني والعشرين بشأن مناقشة قضية الحدود بين البلدين. وترأَّس الوفد الهندي أجيت دوفال، مستشار الأمن القومي الهندي، وترأّس الجانب الصيني، وانغ يي، وزير خارجية الصين.

وعلى الرغم من تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الهند والصين، فإن نزاعاً اندلع بين البلدين عام 2017 بشأن دوكلام، وهي منطقة متنازع عليها بين جارتي الهند، بوتان والصين. وأيدت الهند ادعاءات بوتان، وسبب هذا التأييد هو أن المنطقة قريبة استراتيجياً من ممر سيليغوري في الهند، وهو قطاع ضيق من الأرض يربط ولايات الهند الشمالية الشرقية بسائر البلاد. وحُسم المأزق الحدودي من خلال الدبلوماسية، وتبع ذلك اجتماع قمة بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينغ في مدينة ووهان الصينية. وبعد المحادثات، أكد الجانبان من جديد «احترام الحساسيات المتبادلة من أجل توطيد العلاقات». وتحدثا أيضاً عن قرار بشأن «تكثيف جهودهم في سبيل التوصل إلى حل عادل ومعقول ومقبول من الطرفين لمسألة الحدود الهندية الصينية» (14). 

الواقع أن أحد أهم معالم العلاقة بين الهند والصين يتمثل بقدرة البلدين على فصل العلاقات الاقتصادية عن قضية الحدود، الأمر الذي أدى إلى توطيد الروابط الاقتصادية بينهما بغض النظر عن أي توترات في بعض الملفات. 

وهنا تأتي الرؤية الأميركية ودوائرها العسكرية التي تتصور أنه يمكن جذب الهند إلى اقتراب استراتيچى من الولايات المتحدة في منافستها الكبرى مع الصين على النفوذ الأكبر في آسيا. وهذا التصور قائم على رأي يرى أن الهند خرجت من إطار عدم الانحياز إلى قطب دولي، وأنها، بالذات تحت حكم رئيس الوزراء مودي الذي هو النقيض لكل ما مثله حزب المؤتمر الذي حكم الهند طوال عقود ما بعد الاستقلال، دخلت فعلاً – فكرياً ومن خلال مصالح الطبقة الحاكمة فيها – في المعسكر الغربى.

كما يرى الأميركيون أن مصالح الصين التجارية بدأت تُعبّر عن نفسها من خلال وجود عسكري – بحري في معظمه – يُقلق الهند، وهذا الوجود العسكري الصيني بمثابة تطبيق للرؤية العسكرية الصينية المعروفة باسم «استراتيجية المحيطين» الپاسيفيكى والهندي. يضاف إلى ذلك تصور أميركى مفاده أن التقارب العسكري والتجاري بين الصين وباكستان لا بد من أنه سبب قويق في التفكير الهندي للاقتراب من الولايات المتحدة.

ويرى الاستراتيجيون الأميركيون أن الاستراتيچية الصينية تزيد في رقعة وجودها في أهم طرق التجارة الآسيوية وعند النقاط الحاكمة في حركتها، مثل تعزيز وجودها في جزيرة سيريلانكا، وتوسيع قدرة قاعدتها العسكرية في چيبوتي، وهي مدخل المحيط الهندي وصلته الرئيسة بالبحر الأحمر ومنه إلى أوروبا، وهو ما سوف يثير القلق لدى الهند. ثم، فإن هناك دواعي تنافر بين طموحات الصين من ناحية، واعتزاز الهند بموقعها كدولة ذات تأثير قوي في آسيا من ناحية أخرى. 

كما أن كثيراً من التقديرات الأميركية يرى أن الاقتصاد الهندي له فرص نمو، بالذات في صناعات تكنولوچية مهمة للمستقبل، على نحو يُمكن أن ينافس الصين. وبالمثل، فإن العلاقات بين كبريات الشركات الهندية ووادي السيلكون (silicon valley) الأميركي عميقة ومتداخلة في أحيان كثيرة، على عكس الحال مع الشركات الصينية. وذلك يعني أن آفاق التعاون الاقتصادي الأميركي - الهندي، يُقوّي الجانبين الأميركي والهندي، في مقابل الصين. 

وقبل كل ذلك، فإن الهند بلد يقترب تعداده من مليار ونصف مليار، أي أنه تقريباً يعادل التعداد الصيني، وهذا يجعل الهند القوة الإنسانية الوحيدة في آسيا القادرة على موازنة الصين ككيان اجتماعي (وتلك نقطة مهمة في الحسابات الاستراتيچية). 

في المقابل، فإن هناك عاملين رئيسيين يظهران في خطاب المؤسسات الحاكمة في الهند، وخصوصاً من هيئات أمنها القومي:

العامل الأول، أن الهند لن تقبل، تحت أي ظروف، الانطواء تحت هيمنة صينية على آسيا، حتى وإن تراجعت الصين عن تقاربها مع پاكستان.

العامل الثاني، هو أن الهند، باعتزازها بمكانتها التقليدية في آسيا، و كنتيجة لنجاحات كبيرة لعدد من شركاتها ومؤسساتها العلمية في مجالات شديدة الأهمية، سوف تحافظ على ما تُسميه عقيدة الاستقلال الاستراتيجي strategic independence doctrine، بمعنى استقلال قرارها في كل الأمور الحيوية والاستراتيجية، استقلالاً حقيقياً و ليس شكلياً.

هذان العاملان لا يساعدان على التقارب الذي تريده الولايات المتحدة مع الهند على حساب علاقة الهند بكل من روسيا والصين. ولهذا، فإن التصور الأميركي يُدرك أن عليه بذل كثير لجذب الهند إليه (15).

وهنا يطرح السؤال: 

ما موقف الهند مما يجري في أوكرانيا؟ وكيف ستتصرف مستقبلا؟ 

تدرس الهند خطواتها وتصريحاتها بشأن الأزمة في أوكرانيا منذ بدايتها، وتحاول موازنة علاقاتها بموسكو والغرب. وجاءت أبرز مواقف الهند من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، عندما أعرب مندوب الهند عن أسفه لعدم الاستجابة لدعوات المجتمع الدولي، ودعا إلى منح الدبلوماسية والحوار فرصة، من دون توجيه الاتهامات إلى روسيا. لذا، امتنعت الهند عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي مجلس حقوق الإنسان لإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وغالباً فإن الهند سوف تسعي لاقتناص الفرص من أجل الحصول على النفط والغاز الروسيَّين بأقل الأسعار من ناحية، من دون أن تفجّر التناقضات والصراعات مع دول التحالف الأطلسي.. وهذا مرهون، بدوره، في صمود هذا التحالف الأطلسي أو تفككه، في الشهور القليلة المقبلة.

المصادر

(9) "روسيا والهند توقعان على صفقات دفاعية بقيمة 4.5 مليارات دولار"، جريدة الحياة اللبنانية، 24 كانون الأول/ديسمبر 2012.

(10) نبذة عن العلاقات الروسية الهندية، روسيا اليوم، نسخة محفوظة، 5 آب/أغسطس 2012 على موقع واي باك مشين.

(11)   الهند والصين..علاقات اقتصادية (alarabiya.net)

(13) https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1390840

(14) العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والهند - ويكيبيديا (wikipedia.org)

(15) https://www.nidaalwatan.com/article/63986

 

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.