أبعاد الأزمة في العلاقات المصرية - السعودية (3-3)
حصل النظام المصري على "منح" وقروض ومساعدات خلال خمس سنوات (2013/2014 حتى العام 2018/2019)، أكبر حجماً من المنح والمساعدات والقروض التي حصلت عليها مصر في أي سنوات سابقة.
تتنوّع الاستثمارات السعودية في مصر تنوّعاً ملحوظاً، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة (2012-2022)، وتتفاوت التقديرات بشأن هذه الاستثمارات في مصر، إذ تقدّر بعض المصادر بأن حجمها يتراوح بين 32.0 مليار دولار، تنفّذها من خلال 6800 شركة سعودية، فيما تقول مصادر أخرى إن حجمها يبلغ نحو 50.0 مليار دولار موزّعة على 5300 مشروع، وفقاً لتصريحات وزير التجارة السعودي، في حين لا يتجاوز حجم الاستثمارات المصرية في السعودية 5 مليارات دولار من خلال أكثر من 802 شركة مصرية.
وتتوزّع الاستثمارات السعودية في مصر، بشكل أساسي، في قطاعات التشييد والسياحة والخدمات المالية والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات، فيما تتركز الاستثمارات المصرية في المملكة في قطاعات الصناعة والتشييد والاتصالات وتقنية المعلومات وتجارة الجملة والتجزئة والخدمات التقنية والعلمية والمهنية.
ومن أبرز استثمارات القطاع الخاص السعودي في مصر قطاع البنوك والتأمين، مثل: بنك التمويل المصري السعودي وبنك فيصل الإسلامي المصري وبنك الدلتا الدولي والبنك المصري الخليجي، فضلاً عن مشروعات في التمويل والاستثمار، منها "مجموعة النعيم للاستثمار" والشركة "السعودية المصرية للاستثمار والتمويل" وشركة "أوريكس المالية المحدودة" وشركة "كولدويل بانكر الشرق الأوسط للاستثمار".
وفي قطاع الفنادق والسياحة تتمثل الاستثمارات السعودية في فندق "سميراميس إنتركونتننتال" بالقاهرة، وفندق "فورسيزونز"، ومجموعة فنادق "سيتي ستارز" بالقاهرة، وفنادق ومنتجعات "موفنبيك".
وهناك أيضاً استثمارات في القطاع الصناعي أبرزها: شركة "الزامل للمباني الحديدية" المحدودة، وشركة "المصنع الوطني لمكيّفات الفريون" (أولمبيك إلكتريك)، فضلاً عن شركة "مصر الخليج لتصنيع الزيوت"، و"الشركة العربية لمنتجات الألبان"، و"الشركة الاستثمارية للإنتاج والتصنيع"، وشركة "بيبسي بقشان للاستثمار".
وفي القطاع الزراعي هناك شركة "المملكة للتنمية الزراعية" وشركة "التنمية الزراعية العربية" وشركة "الهجن المصرية" وشركة "الوادي لتصدير الحاصلات الزراعية". كما أعلن الصندوق السيادي السعودي، الذي يعدّ إحدى أذرع الحكومة السعودية، عن إطلاق "الشركة السعودية -المصرية للاستثمارات" عام 2021 بهدف "الاستثمار في المجالات الواعدة في مصر"، وتركز الشركة الجديدة على الاستثمار في قطاعات "البنية التحتية والعقارات والصحة والزراعة والأدوية".
ويعدّ الصندوق السيادي السعودي ثاني أكبر الصناديق الاستثمارية في العالم العربي بعد صندوق "أبو ظبي السيادي"، وكان إجمالي رأس ماله منذ عام 1971 حتى عام 2015 نحو 152 مليار دولار، ثم تضاعفت أصوله خلال السنوات السبع الأخيرة (2022) حتى بلغت 620 مليار دولار منها 80 مليار دولار تم تحويلها من أسهم شركة "أرامكو" السعودية إلى الصندوق خلال فترة تولي ابن سلمان رئاسته. بهذه الأصول، بات الصندوق أكبر مرة ونصفاً من حجم الناتج القومي المصري الذي بلغ نحو 420 مليار دولار في ذلك العام (وفقاً لبيانات صادرة عن البنك الدولي خلال الربع الأول من 2022).
وفي مطلع شهر تموز/يوليو 2022، وافق مجلس النواب المصري على اتفاقية تُمكّن صندوق الاستثمارات العامة السعودي من تملّك الأصول والاستحواذ على الكيانات التجارية في مصر.
ونصّت الاتفاقية، التي أُقرت بالقرار الجمهوري رقم (261) لسنة 2022، على السماح للصندوق السعودي بالوجود في المجالات الاستثمارية المتاحة في مصر كافة، وذلك عبر شراء العقارات والأصول المنقولة وغير المنقولة وتملكها، والتصرف بها أو الانتفاع منها، وتأسيس كيانات تجارية بمفرده أو بمشاركة غيره، أو الاستحواذ على القائم منها، والاشتراك أو الإسهام مع الكيانات الحكومية، أو كيانات القطاع الخاص في مختلف المجالات، كذلك حق البحث والاستكشاف والاستخراج واستغلال الموارد الطبيعية وحقوق الامتياز للمرافق العامة.
كما نصّت الاتفاقية على عدم فرض قيود على استيفاء وإعادة تحويل أصل رأس المال وأرباحه واستهلاكاته والتعويضات، ومعاملة الصندوق في مصر معاملة المستثمر الوطني من حيث التسهيلات الممنوحة للاستثمار، وعدم اتخاذ إجراءات من شأنها حرمان الصندوق من ملكية رأس ماله أو أرباحه، كلياً أو جزئياً بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتضمنت الاتفاقية التزام الطرفين بالمحافظة على سرية المعلومات المتبادلة بينهما في إطار الاتفاق، وأن يقتصر استخدامها على الأغراض التي قدمت من أجلها. ولا يجوز لأي منهما نقلها أو تمريرها بأي شكل إلى طرف ثالث إلا بعد موافقة كتابية من الطرف الذي قدمها. مضيفة أن أي نزاع ينشأ بين الطرفين أو بين الصندوق ومصر يتعلق بتفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية يلتزم الطرفان بتسويته ودياً من خلال التفاوض أو التوفيق أو الوساطة.
وفي حال عدم التوصل إلى تسوية، يتفق الطرفان على الآلية المناسبة لحل هذا النزاع، ومن ذلك: التحكيم أو اللجوء إلى المحكمة العربية للاستثمار، أو أي وسيلة خاصة بتسوية النزاع.
وكان قد سبقت هذه الاتفاقية مباشرة زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للقاهرة في حزيران/ يونيو 2022، ووقع البلدان 14 اتفاقية بإجمالي نحو 7.7 مليارات دولار تغطي بعض القطاعات والمجالات: مثل البنية التحتية والخدمات اللوجستية وإدارة الموانئ والصناعات الغذائية وصناعة الأدوية والطاقة التقليدية والطاقة المتجددة ومنظومة الدفع الإلكتروني والحلول التقنية المالية والمعلوماتية، مع وعود باستثمار 30 مليار دولار أخرى في مصر؛ تشجيعاً لها على عرض الأصول المصرية للبيع والخصخصة. وبعدها بأسابيع قليلة، جرى تخفيض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي بنسبة 15%، ثم في كانون الأول/ديسمبر 2022 وكانون الثاني/ يناير 2023، جرى تخفيض ثان للجنيه المصري بأكثر من 30% إضافية.
وذلك وسط معاناة الاقتصاد المصري من ضغوطات بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتقلبات سعر الصرف وتدهور قيمة الجنيه المصري.
كما قامت المملكة السعودية في آذار / مارس عام 2022 بوضع وديعة في البنك المركزي المصري بقيمة 5 مليارات دولار، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وافقت المملكة على مد أجل سداد الوديعة إلى سنة إضافية، بطلب من الحكومة المصرية والرئيس السيسي شخصياً.
ومن المقرر أن يلعب الصندوق السعودي دوراً في الاستثمار من خلال شراء حصص من "الشركة الوطنية للبترول" التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، وفقاً لما كشف عنه أيمن سليمان، المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي، والاستحواذ على حصص في محطات الكهرباء الثلاث التي بنتها شركة "سيمنز"، وذلك كجزء من خطة أوسع للصندوق لاستثمار ما يصل إلى 10 مليارات دولار في مصر، مشيراً إلى أن الصندوق السعودي يتطلع إلى الاستثمار في قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والزراعة والخدمات المالية في مصر.
وهكذا، زادت وتيرة الاستثمارات السعودية في مصر في الأشهر القليلة الماضية، ففي نيسان/أبريل 2022، اشترت الشركة العربية لخدمات الإنترنت والاتصالات "سولوشنز"، التابعة لشركة الاتصالات السعودية STC المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، اشترت حصة من شركة "جيزة سيستمز" تبلغ 44.7% بقيمة 145 مليون دولار. وفي حزيران/يونيو، اشترت عائلة الحكير السعودية 4.99% من شركة "فاليو" Value التي تنشط في مجال التقسيط والتأجير في السوق المصرية، وذلك مقابل 12.4 مليون دولار، ما رفع تقييم الشركة إلى نحو 247.4 مليون دولار، كما وقّعت الشركة المصرية لنقل الكهرباء على اتفاقية مع شركة "أكواباور" السعودية في حزيران/يونيو أيضاً لتنفيذ محطة طاقة رياح بقدرة 1100 ميغاوات في جبل الزيت وخليج السويس مع الشركة القابضة لكهرباء مصر باستثمارات تصل إلى 1.5 مليار دولار.
وفي 10 آب/أغسطس 2022، أعلن صندوق مصر السيادي عن إتمام أول صفقة استحواذ لـ"الشركة السعودية المصرية للاستثمار" على نسب أقلية في أربع شركات مدرجة في البورصة المصرية، تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار أميركي (نحو 24.89 مليار جنيه مصري) وهي:
1. أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية (ABUK.CA) لعدد 250.12 مليون سهم بسعر 29.07 جنيهاً للسهم، بإجمالي قيمة الصفقة بما يشمل عملية نقل الملكية 7.272 مليارات جنيه.
2. مصر لإنتاج الأسمدة "موبكو" (MFPC.CA) لعدد 57.279 مليون سهم بسعر 123.9 جنيهاً للسهم، بإجمالي قيمة الصفقة بما يشمل عملية نقل الملكية 7.1 مليارات جنيه.
3. الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، (ALCN.CA) لعدد 297.95 مليون سهم بسعر السهم 10.06 جنيهات / للسهم، بإجمالي قيمة الصفقة بما يشمل عملية نقل الملكية 3.020 مليارات جنيه.
4. إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية (EFIH.CA) لعدد 462.2 مليون سهم بسعر 15.98 جنيهاً / للسهم، بإجمالي قيمة الصفقة بما يشمل عملية نقل الملكية 7.499 مليارات جنيه.
وتبذل الحكومة المصرية جهوداً لتمويل العجز في ميزانيتها وسط ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع العملة وتحفّظ المستثمرين الواسع حيال الأسواق في الدول النامية، لا سيما بعد أن بدأ مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي رفع أسعار الفائدة، ووسط ارتفاع أسعار السلع وانخفاض عائدات السياحة بعد الحرب في أوكرانيا.
ورددت د. هالة حلمي السعيد، وزيرة التخطيط، وابنة أحد الضباط الأحرار البارزين في ثورة يوليو 1952، ورئيسة مجلس إدارة "صندوق مصر السيادي"، المقولات المكررة بأن "هذه الصفقة تأتي في إطار خطة الدولة لتوسيع قاعدة الملكية وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، واستراتيجية "صندوق مصر السيادي" في جذب المستثمرين العرب والأجانب وإتاحة فرص استثمارية واعدة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، بما يحقق أعلى درجات الاستفادة للدولة المصرية ويعظم من استغلال الأصول المملوكة للدولة، ويضمن حقوق الأجيال القادمة".
وأوضح تقرير اتحاد الغرف السعودية أن المملكة السعودية ومصر ترتبطان بأكثر من 160 اتفاقية ثنائية تدعم نمو العلاقات الاقتصادية، كما وقعت مصر في آذار / مارس عام 2022 على اتفاقية مع صندوق الاستثمارات العامة، بهدف ضخ 10 مليارات دولار في السوق المصرية خلال الفترة المقبلة، بهدف التركيز على إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، وصناعة الأدوية وتكنولوجيا المعلومات.
وقد ساهم تخفيض سعر صرف الجنيه المصري طوال عامي 2021 و2022 في تراجع القيمة الحقيقية للأصول المصرية، ما حفز المستثمرين والسماسرة في السعودية والإمارات وقطر على اقتناص مثل هذه الأصول بأبخس الأثمان.
كذلك حصل النظام المصري على "منح" وقروض ومساعدات خلال خمس سنوات (2013/2014 حتى العام 2018/2019)، أكبر حجماً من المنح والمساعدات والقروض التي حصلت عليها مصر في أي سنوات سابقة.
فقد بلغت المساعدات الخليجية من السعودية والإمارات والكويت في العامين الأولين أكثر من 30.0 مليار دولار، ففي 2013 وصلت المساعدات من السعودية والكويت والإمارات إلى نحو 9 مليارات دولار، بينما وصلت في 2014، إلى 21.03 مليار دولار، قبل أن ترتفع مجدداً بزيادة 4 مليارات دولار في 2016، ثم تمت زيادتها على هيئة منح نفطية وذلك لسد احتياجات مصر من منتجات بترولية تشمل السولار والبنزين والبوتاغاز والمازوت، بسبب الأزمة الطاحنة التي تعانيها مصر في الوقود بين الحين والآخر.
كما قدمت السعودية والإمارات والكويت، نحو 12.9 مليار دولار كمساعدات نقدية، وتمويل لمشروعات تنموية في مصر، ووصلت المساعدات النفطية لمصر من السعودية، والإمارات، والكويت، خلال العام المالي 2013/2014، إلى 7.13 مليارات دولار.
وبالتالي، فإن حجم القروض والمنح التي حصلت عليها مصر، بعد إطاحة حكم "الإخوان المسلمين " في تموز/يوليو 2013 حتى نهاية عام 2016 فقط، قد بلغ نحو 56 مليار دولار، وإذا أضفنا المساعدات والقروض التي قدمتها دول الخليج حتى نهاية عام 2022 فإن الرقم يزيد على 80 إلى 85 مليار دولار.
وبدلاً من التريث والترشيد، زاد اندفاع الحكومة المصرية في مشروعات واسعة مفتقرة إلى دراسات جدوى حقيقية من وجهة النظر التنموية، ومعظمها ذهب إلى مشروعات البنية التحتية مثل الطرق والجسور، لخدمة المستثمرين وتهيئة البلاد للاستثمار، وهي معزوفة رددها الرؤساء السابقون لمصر منذ عام 1974؛ فابتلعت أكثر من 440.0 مليار جنيه منذ عام 1974 حتى العام 2010، ولم تهيئ البلاد بعد للاستثمار..!.
وقد أضافت الظلال الداكنة للتوقيع الرسمي للحكومة المصرية على اتفاقية القرض والوصاية الكاملة لصندوق النقد الدولي على البلاد لمدة 3 سنوات (2016 – 2019) مقابل الحصول على 12 مليار دولار على هيئة شرائح ربع سنوية، والحصول بالتالي على "شهادة حُسن سير وسلوك" لمصر من أجل النزول بقوة أكثر إلى سوق الاقتراض الدولية، طرح سندات دين على البلاد خلال تلك السنوات تزيد على 25 مليار دولار أخرى. وقد تضمنت شروط الصندوق تنفيذ الحكومة المصرية عدة إجراءات كانت في الواقع تقوم بتنفيذها منذ أكثر من ثلاث سنوات سابقة للتوقيع على الاتفاق رسمياً.
وبدا كأن الحكومة المصرية نفق ليس له نهاية، خاصة بعد أن انتشرت في وسائل الإعلام الدولية كافة معلومات وصور حول الإنفاق السفيه على القصور وشراء الطائرات الخاصة وغيرها من صور البذخ. ومن هنا، بدأت مرحلة جديدة في العلاقات بين مصر وبين بقية دول الخليج وحكوماته، تقوم على مقايضة الديون والمساعدات بالأصول المصرية، سواء كانت شركات وأراضي أو غيرها. وبدا أن نظام الجنرال مستسلماً تماماً لرغبات المستثمرين في الخليج العربي وطلباتهم.
والآن، إذا كانت هذه حال المساعدات السعودية للحكومات المصرية منذ عام 1967 حتى اليوم.. فما الذي قدمته مصر في المقابل إلى حكومة المملكة السعودية طوال هذا التاريخ الطويل؟