رسائل إيران الباليستية.. أبعاد ودلالات الاستهداف في أربيل وإدلب؟
إيران نفذت وعدها، وصواريخها البالستية الاستراتيجية دكت أحد مقار الموساد الإسرائيلي في أربيل بالعراق، ومراكز تدريب للإرهابيين في إدلب السورية، فما هي الرسائل من وراء هذا الرد الكبير؟
في أول ردّ استراتيجي لها بهذا المستوى على الجرائم الإرهابية التي طالت الداخل الإيراني، أو اغتيال قادة حرس الثورة ومحور المقاومة، استهدفت إيران منتصف أمس الإثنين أحد مقار الموساد الإسرائيلي في إقليم كردستان العراق، باستخدام صواريخ بالستية عالية الدقة.
وأعلن حرس الثورة الإيرانية في بيان أنّ مقرّ "الموساد" المستهدَف هو "مركز تطوير عمليات التجسس والتخطيط لعمليات إرهابية في المنطقة، وخصوصاً ضد إيران"، مؤكداً إصابته وتدميره.
وفي بيان آخر، أعلن حرس الثورة أنّه "استهدف أيضاً تجمعات لإرهابيين في سوريا، مرتبطين بالعمليات الإرهابية التي نُفِّذت في إيران مؤخراً"، مشيراً إلى استهداف معسكرات تدريب ومقار دعم لوجستي، ونقطة طبية لمسلحي الحزب الإسلامي التركستاني المصنّف إرهابياً وذلك في منطقة جبل السماق ومحيط بلدة حارم في إدلب، شمالي غربي سوريا.
وبحسب البيان، فقد أصابت الصواريخ المنطقة التي يتم فيها تدريب مسلحي "داعش خرسان"، الذين يتم نقلهم من جانب الأميركيين إلى أفغانستان والحدود الإيرانية، من أجل توجيه ضربات إرهابية في الداخل الإيراني.
الإعلام الإسرائيلي وصف الحدث بأنه "غير مسبوق"، حيث تجاوزت الصواريخ الدقيقة مدى الـ1200 كلم.
فما هي الرسائل الداخلية والخارجية التي بعثت بها إيران إلى أعدائها عبر هذا الرد الاستراتيجي، وفي هذا التوقيت، في ظل ملحمة "طوفان الأقصى"، ومع استمرار العدوان على غزة.
من طبيعة الاستهداف يظهر أن الرسالة الأبرز وجّهت لـ "إسرائيل"، كون الضربة استهدفت الموساد في أربيل، وهي رسالة أمنية واضحة مفادها أنّ كل تحرّكات "الموساد" في المنطقة تحت المراقبة، أما الرسالة الثانية التي تبعثها الضربات التي استهدفت الإرهابيين في سوريا، فهي التحذير للأميركي من محاولة تصعيد وتوسيع الصراع في المنطقة.
زمن "اضرب واهرب" قد ولّى
المحلل السياسي الإيراني هادي أفقهي، علّق في حديث للميادين نت على الاستهداف الإيراني، متناولاً مقولة قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، أنّ "زمن اضرب واهرب قد ولّى"، وأن إيران بهذه المقولة أكدت أنه في أي مكان تحصل الاعتداءات ضدها، فإنها ستردّ في المكان والزمان المناسبين.
ورأى أفقهي أنّ هذه الضربات الإيرانية هي رسائل موجّهة أولاً إلى الداخل الإيراني مفادها أنّ "حرس الثورة الإيراني إذا وعد وفى"، وكما لاحظنا بعد اغتيال الشهيد السيد رضي موسوي، واغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، والعمليات الإرهابية في كرمان وغيرها، بالقرب من مرقد قائد قوة القدس الشهيد قاسم سليماني، وعد قائد حرس الثورة وتم تنفيذ وعده اليوم.
محور المقاومة في جاهزية عالية
اللواء السوري المتقاعد، محمد عباس، رأى في حديث للميادين نت، أنّ ما يحدث في المنطقة حالياً في ظل "طوفان الأقصى"، من فلسطين المحتلة إلى اليمن (صنعاء) ولبنان والعراق وسوريا وإيران بشكل عام، والردّ الإيراني بالصواريخ البالستية مؤخراً هو رسالة واضحة إلى الأميركي "إذا ما استمر في تنفيذ مخططاته للوصول إلى الحرب الإقليمية أو إلى تجنّب هذه الحرب - وفق ما يدّعي -، وخصوصاً عندما يوجّه الأميركي ضرباته إلى اليمن، ويدعم الإرهاب الإسرائيلي ضد غزة، فهو يعتقد أنه يستطيع أن يهدّد محور المقاومة، ويستطيع أن يصل إلى حافة الهاوية من دون الانزلاق إليها، بمعنى أنه عندما ينفّذ الإرهاب الأميركي عدوانه في كرمان بإيران، وفي سوريا وغزة والعراق، عبر استهداف رجال وقادة المقاومة هذا يشير إلى أنّ الأميركي والإسرائيلي يحاولان معاً العبث في الهامش المتاح لهما لتوجيه ضرباتهما، قبل الدخول في الحرب الإقليمية، لأنهما يعتقدان أنّ دول محور المقاومة ستتجاوز هذا العدوان وستتجنّب الحرب الإقليمية".
وأشار عباس إلى أنّ روسيا والصين تراقبان تطوّر الأحداث عن كثب، "وهما تشكّلان مع دول محور المقاومة جبهة استراتيجية هامة، فاجأت الولايات المتحدة التي تحاول التمدّد للهيمنة على غربي آسيا، وقلب الشرق الأوسط المتمثّل في منطقة هلال الشام، وعلى مربع اقتصاد الطاقة العالمي، الذي يمتد من بلاد الشام وصولاً إلى اليمن".
أما الباحث والأكاديمي من بغداد عباس العرداوي، فقال لـ "المياين نت" إنّ صواريخ إيران البالستية ضد وكلاء الولايات المتحدة ومراكز الموساد الإسرائيلي، هي "رسالة واضحة جداً ووصلت"، ومفادها بأنّ ما يخطط له الكيان الإسرائيلي الغاصب ويقوم به هو تحت المراقبة وأعين حرس الثورة الإيراني، وأنّ هناك بنكاً من المعلومات عالية الدقة وفق الاستهداف الإيراني الأخير (في شمال العراق والشمال السوري).
وأكّد العرداوي أنّ هذه الصواريخ البالستية طالت مواقع مهمة وحقيقية، ومن الممكن أن تتكرّر مرة أخرى ما لم تقف "إسرائيل" عند حدّها، وتوقف إرهابها ومجازرها في الحرب التي تشنّها على الفلسطينيين في قطاع غزة.
وتؤكد هذه الضربات الصاروخية الإيرانية للأميركيين أنّ "إيران تستطيع أن تنتقل بالمنطقة إلى الحرب الإقليمية، وهي جاهزة لها بالتعاون مع حلفائها في دول محور المقاومة، وأيضاً هي رسائل لردع وكبح جماح الغطرسة الأميركية التي تعتقد أنها تستطيع أن تجر أو تُدخل المنطقة في حرب إقليمية" وفق اللواء محمد عباس، ويتابع "فيما تحاول المنطقة والعالم تجنّب الحرب الإقليمة والعالمية، يواصل الأميركي المغامرة في عدوانيته بأمن المنطقة".
إيران في ردّها الصاروخي البالستي تؤكد "أننا جاهزون لإشعال المصالح الأميركية في المنطقة، وزعزعة استقرار العالم إذا كان الأميركي يراهن ويصرّ على إظهار قدرته على تخريب الاستقرار العالمي"، بحسب ما رأى اللواء عباس، بحيث سعت إيران في هذا الردّ إلى ضبط إيقاع هذا الصراع. كما أنها أيضاً رسائل إلى المجتمع الغربي الذي يحاول فرض حضوره واستعماره الجديد للهيمنة على المنطقة، وعسكرة البحر الأحمر.
ويتفق العرداوي مع اللواء عباس، حيث يرى أنّ الضربات الصاروخية الإيرانية تؤكد أيضاً الجاهزية العالية لمحور المقاومة، وأنها مبنية على معلومات دقيقة جداً، وبالتالي هي تتقاطع مع دول محور المقاومة لتقطع الطريق على هذه العصابات الإرهابية التي يحاول "الموساد" خصوصاً نشرها في المنطقة.
الضربات الإيرانية تعمّق التراجع والتقهقر الأميركي في المنطقة
الرسائل الخارجية التي أرسلتها إيران، وفق أفقهي، موجّهة بالدرجة الأولى إلى الولايات المتحدة، مفادها أنه من غير المسموح لها أن تعبث بأمن المنطقة، أو أن تتحرّك كيفما تشاء وأينما تشاء، وتضرب وتغتال بكل إجرام وغطرسة.
أما بالنسبة إلى العدو الصهيوني، فالرسالة التي أرسلتها إيران له أنه عندما يقوم بأي عملية إجرامية وإرهابية فإنّ الرد يكون حقيقة ردّاً صاعقاً ومزلزلاً، وأنه ربما قد يتأخّر الردّ يوماً أو عدة أيام، لكنه يبقى محفوظاً ومكفولاً لدى الجهات المتضررة.
وفيما يخص العناصر الإرهابية، سواء المنظمات الإرهابية الانفصالية التي تتخذ من إقليم كردستان العراق مقراً لها، أو الأخرى في الداخل السوري أو العراقي، فرسالة إيران لها بأنّ صواريخها ومسيّراتها الانقضاضية المدمّرة التي عرفت طهران بدقتها ومهارتها في استخدام هذه الإمكانيات العسكرية ستطالها أينما كانت.
دخول إيران إلى حلبة الصراع في الشمال السوري بهذا الشكل، وفق ما يؤكد اللواء عباس، يعني أنه "لا يوجد خطوط حمراء في الصراع"، وأنّ إيران مستعدة للتعامل مع المتغيّرات الاستراتيجية القائمة أو التي من الممكن أن تحدث مستقبلاً في المنطقة.
وبالنتيجة خلص اللواء عباس إلى أنّ الدقة والفعّالية للصواريخ البالستية الإيرانية، ونجاحها في تدمير أهدافها تشير إلى قدراتها العالية، رغم أنّ الإعلام الغربي حاول التقليل من أهمية هذه الصواريخ ومن فعّاليتها التدميرية.
وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية قد ذكرت قبل أيام، أنّ "الولايات المتحدة لم تعد القوة الأكبر في الشرق الأوسط بعد الآن، بل إيران"، مشيرةً إلى أنّ طهران، "مع بكين وروسيا كحليفتين، تنشئ تحالفاً شرق أوسطي مع تضاؤل نفوذ واشنطن".
ورأت الصحيفة نفسها أنّ حقيقة اضطرار الولايات المتحدة، بدعم من بريطانيا، إلى استخدام القوة ردّاً على هجمات القوات المسلحة اليمنية، "تعكس واقعاً غير مستساغ"، مفاده أنّ "نفوذ واشنطن السياسي آخذ في التضاؤل، ودبلوماسيتها غير فعّالة، وسلطتها محل ازدراء".
فهل ما كشفته الصحيفة البريطانية بعد استهداف حرس الثورة لمقار "الموساد" في أربيل، والمجموعات الإرهابية في سوريا، يعني أنّ إيران باتت صاحبة النفوذ الأكبر في المنطقة، مقابل مزيد من التقهقهر والتراجع في المحور الأميركي الإسرائيلي في الشرق الأوسط؟