تنصيب مادورو رئيساً لفنزويلا لولاية ثالثة.. الواقع والتحديات
نيكولاس مادورو يؤدي اليمين الدستورية رئيساً لفنزويلا لولاية ثالثة وسط حضور دبلوماسي وشعبي ضخم، فيما يأتي حدث تنصيبه بعد فشل حملات التحريض والشغب التي قادتها المعارضة الفنزويلية، وفي وقت تمرّ البلاد بتحدبات سياسية واقتصادية.
أدى الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، صباح أمس الجمعة، اليمين الدستورية لولاية ثالثة تنتهي في عام 2031، وسط حضور قيادات القوات المسلحة والحزب الاشتراكي الموحد والوزراء والقضاة ومسؤولين حكوميين أخرين، إضافةً إلى ما يزيد على 2000 مندوب من أكثر من 120 دولة تضم الصين وروسيا والبرازيل والجزائر وقطر والسعودية والكويت. وكان على رأس الحضور الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل ودانييل أورتيغا رئيس نيكاراغوا، فيما كان لافتاً عدم حضور أي ممثل عن كولومبيا، التي لم تعترف حتى الآن بمادورو رئيساً للبلاد، كما لم تعترف أيضاً بإيدموندو غونزاليس، مرشح المعارضة اليمينية الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي اعترفت به الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والبلدان اللاتينية ذات الحكومات اليمينية رئيساً للبلاد.
وبعد أداء اليمين داخل قاعة الجمعية الوطنية الفنزويلية، وجّه الرئيس مادورو خطاباً مطوّلاً أكَّد خلاله على الأهمية القصوى للدستور المعتمد منذ عام 1999 والذي "يضمن لنا تحقيق دولة القانون والحقوق، دولة اشتراكية ديمقراطية حقيقية في مواجهة الإمبريالية"، لافتاً إلى أنّ "هذا الدستور هو النصر الحقيقي، وفنزويلا تسير بفضله على الطريق الصحيح".
وقال مادورو إنّ "السلطة التي أمثلها، والتي أوكلها إليّ الدستور، لم يمنحني إياها رئيس أجنبي أو حكومة غربية"، مشدداً على أنّه "لم يجرى تنصيبي رئيساً من قبل الولايات المتحدة الأميركية أو أي حكومة يمينية داعمة للإمبريالية في أميركا اللاتينية"، مؤكداً "لقد نُصِّبت رئيساً بفضل الشعب، وأنا من هذا الشعب وأعيش لأجله".
وقال الرئيس في خطابه: "أنا أعي ما هي أصولي ومن أين أتيت وما هو مساري، ولست رئيساً بصورة مطلقة ولن أكون يوماً خادماً للأوليغارشية وداعماً للهيمنة الغربية والإمبريالية"، لافتاً إلى أنّ هذه المناسبة حدثت لأنّ "الدولة البوليفارية مارست حقها في الدفاع عن نفسها في مواجهة مؤامرة إعلامية واضحة المعالم، برعاية الولايات المتحدة وتابعيها في أميركا اللاتينية والعالم، هدفت إلى تقويض رئاسة دولة فنزويلا في ما يشبه الاستفتاء العالمي، ولكنّنا فزنا بهذا الرهان وانتصرنا على الإمبريالية وهذا المسار الاستعماري وكل هذه المؤامرات من قبل الولايات المتحدة، التي لا تفقه شيئاً عن هذا الشعب وطبيعته ولا تفهمنا"، وشدد على أنّه "لن يتمكن أحد من التلاعب بهذا الشعب الجسور".
وأشار مادورو إلى أنّ "النظام الفاشي المعاصر يشهد حالة تراجع، والأوليغارشية تعيش حالة تفكك، ولكن إن أرادوا المواجهة، فلتكن كما يريدونها". وهدد قائلاً "نحن لم نولد لنكون خونة أو ضعفاء"، معتبراً أنّ المشهد العالمي الحالي يشير إلى أنّ "الإمبريالية تفقد صوابها".
كما تعهد الرئيس بأنّ "الشعب الفنزويلي سيبقى دوماً إلى جانب رئيسه، لأننا تعلمنا من كل ما حدث مع غوايدو وكل التطورات السابقة، والواقع أنّ الإمبريالية والأوليغارشية واليمين المتطرف لم يتعلموا أي درس من كل ما حدث"، مشيراً إلى وقائع محاولة الانقلاب الفاشلة عليه بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية السابقة في عام 2018.
ولفت إلى أنّ هذه القوى "عندما عملت على تنصيب غوايدو بفضل الأذرع الفاسدة المتوغلة في بلادنا، أرادت أن تطبق الخناق على الشعب الفنزويلي معتقدة أن الشعب سيخضع"، مؤكّداً مرة أخرى "إنّهم لم يفهموا ذلك ولن يفهموه... لا يمكن لأحد أن يفرض رئيساً على فنزويلا، ولن يتمكنوا من تحقيق ذلك، وهذا مستحيل حتى لو أطلقوا نسخة محدثة من غوايدو".
أجرت فنزويلا على مدار 25 عاماً 30 عملية انتخابية انتصر في معظمها التيار التشافيزي وحزبه الحاكم، ولكنهما تعرضا أيضاً لبعض الهزائم. في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 28 تموز/يوليو العام الماضي، فاز مادورو بحصوله على 6.4 مليون صوت مقابل 5.3 مليون صوت لمرشح المعارضة غونزاليس، على الرغم من محاولات المعارضة بقيادة ماريا ماتشادو التشكيك في نتائج الانتخابات، والتي أيدتها المحكمة العليا في آب/أغسطس الماضي، على الرغم من رفض المعارضة الاعتراف بها.
واتهمت الحكومة المعارضة بالتحريض على أحداث عنف وقعت آنذاك وراح ضحيتها 27 شخصاً، بالإضافة إلى أضرار واسعة في الممتلكات العامة واعتقال نحو 2000 شخص، أفرجت قوات الأمن مؤخراً عن قرابة 1500 منهم، فيما تستمر محاكمات البقية.
وخلال الأسبوع الماضي، دعت المعارضة الفنزويلية إلى تعبئة تظاهرة خرجت يوم الخميس الماضي في العاصمة كاراكاس، ولكنها لم تكن تضم إلاّ العشرات، على عكس المسيرات الضخمة التي خرجت في اليوم نفسه وأمس بدعوة من نائب رئيس الحزب الاشتراكي الموحد، ديوسدادو كابيلو، رداً على دعوات قوى اليمين ودعماً للرئيس مادورو.
والجدير ذكره هنا، أنّ الخميس الماضي شهد حملة إعلامية ضخمة، روج خلالها الإعلام الغربي واللاتيني الموالي له وقنوات وصحافة المعارضة الفنزويلية خبراً يفيد باعتقال ماتشادو خلال التظاهرة التي نظمتها المعارضة، وتداول الخبر شخصيات بارزة شملت غونزاليس والرئيس البنمي خوسيه مولينو، بالإضافة إلى منظمات معروفة مثل "هيومن رايتس ووتش"، ولكن ماتشادو ظهرت في وقت لاحق من اليوم نفسه في مقطع فيديو لتؤكد عدم تعرضها إلى الاعتقال.
وقبل ذلك بأيام، حرَّض غونزاليس وماتشادو القوات المسلحة للانقلاب على مادورو، ولكن جاء رد وزير الدفاع الفنزويلي، فلاديمير بادرينو لوبيز، في خطاب متلفز الاثنين الماضي، بالرفض القاطع مؤكداً "التزام القوات المسلحة بالديمقراطية" واعترافها بمادورو بصفته "الرئيس الدستوري". وتجدر الإشارة هنا، إلى أنّ غونزاليس الذي نفي إلى إسبانيا في أيلول/سبتمبر الماضي، تعهد في أكثر من مناسبة بالعودة إلى فنزويلا لأداء اليمين كرئيس للبلاد، لكنه يواجه حالياً مذكرة اعتقال صادرة عن النيابة العامة الفنزويلية بتهم انتحال صفة الرئيس والتزوير والتحريض على عصيان القانون والتآمر.
كما أعلنت السلطات الفنزويلية عن مكافأة قدرها 100,000 دولار لمن يساهم في اعتقاله. ومن جهة أخرى، تخضع زعيمة المعارضة، ماتشادو، إلى تحقيق على خلفية دعوتها الولايات المتحدة لغزو فنزويلا واشتراكها في رعاية أعمال عنف مختلفة شهدتها البلاد على مدار العام الماضي، وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة على نحو خاص.
مر تنصيب الرئيس مادورو أمس على خير، ولم تنجح المعارضة اليمينية في الخروج بتعبئة جماهيرية ضخمة كما ادعت، ولم يتعرض مادورو – حتى الآن – إلى محاولة اغتيال كما سبق وحدث مرات عدة. ومع ذلك، من الجدير ذكره أنّ قوى الأمن والجيش في فنزويلا اعتقلت منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة ما يزيد على 125 شخصاً من 25 دولة بتهم الإرهاب واستهداف الخدمات العامة والبنى التحتية، بالإضافة إلى 19 مرتزقاً في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بينهم سبعة أميركيين كانوا في البلاد لتنفيذ هجمات تهدف إلى عرقلة تنصيب مادورو يوم أمس.
وقد أعلن الرئيس مادورو، الأربعاء الماضي، عن القبض على سبعة أجانب آخرين بتهمة "الضلوع في أنشطة إرهابية تهدد السلام"، بينهم أميركيين اثنين وصفهما "بالقياديين البارزين"، بالإضافة إلى اثنين من "المرتزقة الكولومبيين" وثلاثة آخرين مرتبطين بـ "الحرب في أوكرانيا".
وكانت واشنطن قد أعلنت مؤخراً عن مكافئة مالية قدرها 25 مليون دولار لمن يوفر "معلومات تؤدي إلى القبض على أو إدانة" مادورو ووزير داخليته، إضافة إلى مكافأة أخرى مقدارها 15 مليون دولار لمن يساعد في إلقاء القبض على وزير الدفاع الفنزويلي. هذه المكافآت مرتبطة باتهامات وجهتها وزارة العدل الأميركية في آذار/مارس 2020 بشأن صلات مزعومة بين مسؤولين فنزويليين كبار و"الإرهاب المرتبط بالمخدرات". ومع ذلك، لم تقدم واشنطن حتى الآن أي دليل يدعم هذه التهم، في وقت أظهرت فيه تقارير الوكالات الأميركية أن معظم تجارة المخدرات في النصف الغربي من الكرة الأرضية تمر عبر كولومبيا وأميركا الوسطى.
ويأتي حدث تنصيب الرئيس في وقت عصيب تمر به فنزويلا، إذ تعاني البلاد من ضغوطات اقتصادية شديدة نتيجة لأكثر من 950 عقوبة أميركية على العديد من القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والخدمات العامة، إضافةً إلى عقوبات فردية فرضتها وزارة الخزانة الأميركية مؤخراً على 21 مسؤولاً حكومياً وعسكرياً فنزويلياً بتهمة "دعم القمع الذي يمارسه مادورو وادعائه غير الشرعي بالسلطة"، ومن بين هؤلاء رئيس شركة النفط الوطنية هيكتور أوبريغون، ووزير النقل رامون فيلاسكيز، ورئيس الشرطة الجنائية دوغلاس ريكو.
وفي ظل هذا الحصار الاقتصادي ونظام العقاب الجماعي الذي يتعرض له الفنزويليون، في وقت تتصاعد خلاله التوترات السياسية محلياً وإقليمياً، على الرغم من هذه التحديات، استطاع الاقتصاد الفنزويلي أن يظهر مؤخراً بعض بوادر التعافي بفضل السياسات الاقتصادية المحلية، مع توقعات بأن يبلغ نموه خلال العام الماضي نحو 6.2%، ليصبح أحد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم خلال عقد مضى.