تصعيد عسكري في ليبيا: هل يعود منطق السلاح من جديد؟
انتشرت خلال الأيام الأخيرة معلومات مفادها أن مجموعات مسلحة موالية لحكومة الوحدة الوطنية تخطط لمحاصرة مصرف ليبيا المركزي في العاصمة طرابلس واستبدال محافظه بالقوة.
في خطوة من شأنها أن تزيد من تعقيد الوضع واشتعال فتيل الحرب في ليبيا، مجلس النواب الليبي، برئاسة عقيلة صالح، قرّر وقف العمل باتفاق "جنيف" السياسي، وإنهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة، واعتبار حكومة مجلس النواب هي "الحكومة الشرعية"، بالإضافة إلى سحب صلاحية القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي، ونقلها إلى رئيس مجلس النواب.
القرار رفضه رئيس حكومة الوحدة الوطنية، الدبيبة، قائلاً إن حكومته "تستمدّ شرعيتها من الاتفاق السياسي المضمَّن في الإعلان الدستوري"، وإن قرار مجلس النواب الذي أعلنه بشأن انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية "رأي سياسي غير ملزم".
هذه التطوّرات، بحسب متابعين، تنذر بأن البلاد تتجه نحو مأزق ربما يكون أكثر خطورة من أي وقت مضى.
اقرأ أيضاً: ليبيا: هل باتت حكومة الوحدة بوابة لتصاعد الخلافات؟
طرابلس تفقد الدعم الدولي
تشهد ليبيا وضعاً سياسياً محتقناً يؤكد أن المحاولات الداخلية والخارجية فشلت في إيجاد حلول للانسداد السياسي الذي تحوّل إلى صراعات عسكرية وتوترات أمنية، خصوصاً مع تعمّق الخلافات بين حكومة الشرق المدعومة من البرلمان الليبي وقوى إقليمية من بينها مصر، التي استقبلت مؤخراً رئيس حكومة الشرق غير المعترف بها دولياً، أسامة حماد، وكذلك تركيا التي غيّرت موقفها عبر استقبال وزير خارجيتها لنجل المشير خليفة حفتر، المسؤول الأول عن إعادة الإعمار في الشرق الليبي، وهو ما عدّته طرابلس طعنة في الظهر، خصوصاً وأن تركيا كانت تمثّل الحليف الأول لها، وهو ما يعني أن التوازنات الإقليمية بدأت تتغيّر في اتجاه مختلف.
تدل كل هذه التطوّرات، وفق مراقبين، على أن حكومة الدبيبة بدأت تفقد الدعم الإقليمي والدولي خصوصاً الدعم الأميركي، حيث وجّهت الإدارة الأميركية عبر مبعوثها الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند رسالة حازمة إلى الدبيبة تضمّنت رفضها لأيّ تحرّك قد يستهدف محافظ مصرف ليبيا المركزي، وهدّدت بأنها ستجعل ليبيا معزولة مالياً، وجاء تحذير المبعوث الخاص خلال لقاء جمعه بالمحافظ الليبي، الصديق الكبير، الاثنين الماضي، بمقر سفارة الولايات المتحدة في تونس.
اقرأ أيضاً: لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان الليبي: الدعم الأميركي للمسلحين يعطل الاستقرار
وانتشرت خلال الأيام الأخيرة معلومات مفادها أن مجموعات مسلحة موالية لحكومة الوحدة الوطنية تخطط لمحاصرة مصرف ليبيا المركزي في العاصمة طرابلس واستبدال محافظه بالقوة.
وبرزت بوادر الخلاف بين البنك المركزي والحكومة في طرابلس منذ نهاية العام الماضي. حيث اتهم محافظ البنك، الصديق الكبير، حكومة الدبيبة بالتوسّع في الإنفاق العام، إلى جانب صرف المنح والإعانات، مشيراً إلى أن الدبيبة قدّم للشعب صورة وردية للاقتصاد الليبي، بما يعدّ تضليلاً للرأي العام.
مخاوف من عودة الاقتتال
وأثار تحرّك قوات "شرق ليبيا" بقيادة خليفة حفتر، نحو جنوب غربي البلاد، مخاوف سلطات الغرب الليبي التي أعطت بدورها تعليمات للجيش بفرض أقصى درجات الاستعداد والتأهّب، في مشهد يوحي بعودة الاقتتال في البلاد، ووسط مخاوف أممية ودولية من الانزلاق نحو مربّع العنف المسلّح.
ورغم إعلان رئاسة أركان القوات البرية بقوات الشرق الليبي، أن تحرّك قواتها يأتي "في إطار خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية للوطن، وتعزيز الأمن القومي للبلد واستقراره في هذه المناطق الحيوية، عبر تكثيف الدوريات الصحراوية والرقابة على الشريط الحدودي مع الدول المجاورة"، إلا أن التركيز على مدينة غدامس ومطارها المتاخم للحدود الجزائرية والذي يعدّ موقعاً لوجستياً هاماً، يعطي للعملية بعداً آخر وقد يفهم منه، بحسب مراقبين، أنه تهديد للعاصمة طرابلس وللمنطقة الغربية ولحكومة الدبيبة، الأمر الذي دفع بإعطاء معاون رئيس الأركان العامة للجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية صلاح النمروش، تعليماته لوحدات الجيش "برفع درجة الاستعداد لصدّ أي هجوم محتمل".
وعلى أثر هذه التحرّكات من الجانبين، دعت البعثة الأممية المتحدة في بيان لها جميع الأطراف إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنّب أيّ عمل عسكري استفزازي يمكن أن يعرّض الاستقرار الهشّ في ليبيا وأمن سكانها للخطر".
فيما عبّرت الجزائر عن قلقها البالغ إزاء عمليات التحشيد العسكري لقوات حفتر في منطقة غدامس داخل ليبيا على مقربة من حدودها الجنوبية الشرقية، محذرة من عودة الاقتتال في الداخل الليبي.
أما الجارة الأخرى، تونس فقد دعت إلى ضرورة أن يكون الحل ليبياً - ليبياً في إطار من التوافق وقيادة ليبية برعاية منظمة الأمم المتحدة. مجددة في السياق ذاته دعمها لكل الجهود الهادفة إلى إيجاد تسوية شاملة ودائمة تضمن أمن ليبيا واستقرارها ووحدتها وسيادة شعبها على ثرواتها ومقدّراتها الوطنية.
حكومة وحدة وطنية ضرورة
وخلق وجود حكومتين في البلاد، الأولى برئاسة الدبيبة المتمركزة بالعاصمة، والثانية حكومة "الاستقرار" المكلّفة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حمّاد، أزمة سياسية عميقة، لا يمكن حلّها إلّا عبر انتخاب حكومة وحدة وطنية حقيقية تكون مدعومة دولياً، تعمل على توحيد مؤسسات الدولة التي بدأت تتفكّك، خصوصاً وأن كل المؤشرات تدل على أن الدولة باتت على مشارف فوضى كبيرة قد يصعب السيطرة عليها إذا لم يتم الإسراع بتشكيل حكومة وحدة وطنية لإنقاذ ليبيا التي وإن دخلت مجدداً في حرب داخلية فسوف تغرق في مزيد من الفوضى والخراب والتراجع الاقتصادي والاجتماعي، في ظلّ تداخل قوى إقليمية ودولية.