"صوت غزة" في الانتخابات الأميركية.. ما الذي يجب معرفته عن قاعدة بايدن الشعبية؟

استجابة بايدن للحرب في غزة، ودعمه غير المشروط لـ"إسرائيل"، خلقت نفوراً شديداً من الناخبين، بما في ذلك الأميركيين السود واللاتين والشباب من "جيل زد" والمسلمين في البلاد.

  • غزة الانتخابات الأميركية
    "صوت غزة" في الانتخابات الأميركية

يواجه الرئيس الأميركي، جو بايدن، تأثيراً متزايداً للرأي العام المطالب بإنهاء الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة. ومع اقتراب انتخابات الرئاسة الأميركية، يوجد عدة تغيرات شهدتها البلاد، ومشهد سياسي جديد يتبلور.

مؤخراً، ساهم التحول الكبير، الذي أطلقته أكثر من 200 نقابة عمالية في الولايات المتحدة، بما في ذلك نقابات وطنية، في تغيير المشهد العام وتأثيره في الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة.

وبالتالي، يبدو أن التصرفات الخارجية لبايدن، وتحديداً ما يخص غزة، تفرض عليه التوازن بين دعم "إسرائيل" والاستجابة للمطالب العامة، من أجل وقف الإبادة في غزة.

استجابة بايدن للحرب في غزة، ودعمه غير المشروط لـ"إسرائيل"، خلقا نفوراً شديداً من الناخبين، بمن في ذلك الأميركيون السود، ومن أصول لاتينية، والشبان من "جيل زد"، والمسلمون في البلاد. وهم من أكثر الفئات التي كان لها تأثير في وصول بايدن إلى البيت الأبيض. فما التحولات التي شهدتها تلك الفئات في المجتمع الأميركي؟

المسلمون في الولايات المتحدة

نما المجتمع الإسلامي في الولايات المتحدة، بصورة لافتة، وهذا ما يمكن أن نلاحظه من خلال البيانات المتعلقة بالمؤسسات الدينية.

وبحسب تحليل لصحيفة "واشنطن بوست"، تبين أن 234 مقاطعة أميركية شهدت زيادة في عدد التجمعات الإسلامية منذ عام 2000، وهو ما يمثل نحو 7% من المقاطعات على مستوى البلاد.

وفي 217 مقاطعة، تضاعفت عضوية المساجد بين عامي 2000 و2020. أما في جميع أنحاء البلاد، فزاد عدد المساجد أكثر من الضعف منذ عام 2000، وفقاً لمعهد السياسة الاجتماعية والتفاهم، وهي شركة أبحاث تدرس المجتمعات المسلمة.

تتزامن الزيادة في النشاط السياسي اليوم مع زيادة مطّردة في النفوذ السياسي للمسلمين الأميركيين، والتي يمكن أن يكون لها تداعيات في عام 2024. والجدير ذكره أنهم ساعدوا على فوز الحزب الديمقراطي، وخصوصاً في ولايتَي ميشيغان وجورجيا.

السخط الشعبي على بايدن لا ينحصر فقط لدى هذه الفئة من المجتمع، إذ تبين، في استطلاع حديث لمؤسسة "غالوب"، انخفاض نسبة الموافقة على أداء بايدن الوظيفي إلى 38%. وهذا دليل على أن الحزب الديمقراطي يجب أن يهتمّ بأصوات الناخبين المسلمين العرب، لأنّ أصواتهم قد يكون لها تأثير في الصعيد الانتخابي العام. ووفقاً لاستطلاع "غالوب"، تتفاقم تقييمات الديمقراطيين لطريقة تعامل الرئيس مع الهجرة وأوضاع الشرق الأوسط وأوكرانيا.

كما سجل بايدن معدلات موافقة دون المستوى، بسبب تعامله مع خمس قضايا رئيسة، تواجه الولايات المتحدة، بما في ذلك مستوى منخفض جديد للهجرة بلغ 28%، وقراءات تتراوح بين 30% إلى 40% للوضع في الشرق الأوسط، وتحديداً الحرب على غزة، والشؤون الخارجية والاقتصاد والوضع في أوكرانيا.

لكن، من المهم الإشارة إلى أن الحرب الأخيرة على غزة، وما بيّنته من إجرام ووحشية من جهة، وتستر الإدارة الأميركية على هذه الجرائم، وعدم المطالبة بوقف إطلاق نار فوري في غزة، من جهة أخرى، ليسا السبب الوحيد في تراجع التأييد، بل إن الأمر يتعلق أيضاً بأنّ نقمة هذه الفئة على الحزب الديمقراطي تعود إلى أسباب أقدم من الحرب الحالية، أبرزها تهميش هذه الفئة من جانب الإدارات الديمقراطية المتعاقبة، كما أورد موقع "أكسيوس" مؤخراً. 

وحالياً، من أجل معاقبة الرئيس والحزب الديمقراطي بسبب سياساتهما تجاه فلسطين وغزة، بدأت حملة في مواقع التواصل الاجتماعي، يُديرها تحالف من الأميركيين المسلمين في الولايات، تحت عنوان "تخلوا عن بايدن"، من أجل حث الناخبين على عدم إعادة انتخاب الرئيس بايدن في عام 2024.

"الناخبون من ذي البشرة السوداء"

طوال عقود من الزمن، كانت معالجة مخاوف الناخبين السود، بشأن القضايا العرقية والاقتصادية المحلية، كافية لتعزيز تصويتهم لمصلحة الحزب الديمقراطي.

لكن هذا بدأ يتغير. إحجام جو بايدن عن الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، يقود مزيداً من الناخبين السود إلى التشكيك في دعمهم للرئيس.

وكان الاستياء المتزايد من تعامل بايدن مع الحرب متوقعاً في بعض النواحي. فلقد كشف استطلاع أجرته مؤسسة "كارنيغي" بشأن رأي الأميركيين السود، في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أن 95% منهم رفضوا فكرة "الدعم الثابت لإسرائيل".

وعلاوة على ذلك، كان السود، الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، أكثر عرضةً بنسبة 33%، للإبلاغ عن شعورهم الأسوأ تجاه الرئيس، مقارنةً بسائر المشاركين.

ويرتبط تراجع التأييد المطلق لبايدن لدى تلك الشريحة بشعورها بالتضامن مع قضية الشعب الفلسطيني.

وبالنسبة إلى آخرين، قد يكون الدعم الباهت لبايدن أيضاً، نتيجة عدم رغبتهم في تورط أميركي آخر في الشرق الأوسط، مع الإشارة إلى أن القتلى الـ3 الذين قضوا في هجوم بالقرب من الحدود السورية الأردنية كانوا من ذوي البشرة السوداء. وأثار هذا الأمر مشاعر قوية بشأن موقف بايدن في الشرق الأوسط.

من ناحية أخرى، تؤدي الكنائس، مثل "Mother Emanuel AME"، دوراً رئيساً في تشكيل قرارات التصويت لمجتمع السود الأكبر، إذ إنّ كثيرين من رجال الدين السود يتحدثون علناً، من على المنابر، ضد دعم بايدن لـ"إسرائيل".

وكشفت مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً أنه، على مدى الأشهر القليلة الماضية، دعا أكثر من 1000 قس أسود إلى "إنهاء العمليات الهجومية الإسرائيلية في غزة، وإلى وقف إطلاق النار".

"الجيل زد"

لطالما كان لفئة الشبان أهميتها الخاصة في الانتخابات الأميركية. ولهذا، يلاحظ مثلاً توجه الحملات الانتخابية لمختلف الأحزاب إلى إستخدام منصات التواصل في محاولةٍ للتواصل مع هذه الفئة من المجتمع، والتي لم تعد تتأثر بالخطاب السياسي التقليدي المقدم، عن طريق وسائل الإعلام الاعتيادية، كالصحف والخطابات الرسمية.

كذلك، يقول كثيرون من الناخبين الشبان أنّه في المنافسة بين بايدن وترامب قد يختارون الصمت. وبعد أن ساعد إقبال الشبان القياسي في عام 2020 على فوز بايدن، أظهر استطلاع حديث نشرته كلية "هارفارد كينيدي" أن احتمال تصويت الشبان الأميركيين في عام 2024، أقل مما كانوا عليه في عام 2020.

ووفقا للاستطلاع، في المرحلة من الدورة الانتخابية لعام 2020، كان 57% من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً يخططون للتصويت. وانخفض هذا الرقم منذ ذلك الحين إلى 49%، على الرغم من أن ناخبي "الجيل Z" يفضلون بايدن على منافسه المحتمل، ترامب. 

النقابات العمالية تقف في وجه الإبادة 

على مر العقود، وقف العمال ضد الحروب، وهذا ما حدث في الحرب العالمية الأولى، وحرب فيتنام، وحرب العراق. وتتمتع النقابات بتاريخ طويل في الدفاع عن القضايا التقدمية على المستوى الدولي. 

وفي السياق، يشير الناشطون العماليون إلى أن الدعم المتزايد من النقابات لوقف إطلاق النار، يُعَدّ خطوة كبيرة. وبدأ هذا الدعم غير المشروط يتحول، في أوائل القرن الحادي والعشرين.

وعلى الرغم من وجود دعم كبير لقرارات وقف إطلاق النار، فإن بعض أعضاء النقابات يرى أنه يجب الذهاب إلى أبعد من ذلك، في دعم جهود، مثل المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ضد "إسرائيل"، بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، بدعم من الأموال الضريبية الأميركية.

وتشهد النقابات العمالية الأميركية تحولاً كبيراً ضد السياسة الخارجية للبلاد، بحيث تواصل واشنطن إرسال عشرات المليارات من المساعدات العسكرية إلى "إسرائيل".

في هذا السياق، دخلت "United Auto Workers (UAW)"، إحدى أكبر النقابات في البلاد، التاريخ عندما أصدرت بياناً في كانون الأول/ديسمبر يدعو فيه إلى وقف إطلاق النار في غزة.

وأصدرت نقابات مؤثرة أخرى، مثل اتحاد عمال الكهرباء المتحدين، واتحاد عمال البريد الأميركي، و"المتحدين لعمال الرعاية الصحية في الشرق"، وعدد كبير من النقابات الصغيرة الأخرى، بيانات مماثلة.

وفي الـ22 من كانون الثاني/يناير، أصدر الاتحاد الدولي لموظفي الخدمة (SEIU)،وهو  ثاني أكبر نقابة لموظفي الخدمة العامة في البلاد، دعوة إلى وقف إطلاق النار.

في المحصلة، المزاج العام مهيَّأ لما يجب أن يكون انتصاراً للحزب الجمهوري في تشرين الثاني/نوفمبر، وفق ما تستنتجه صحيفة "وول ستريت جورنال"، مع تدني معدلات تأييد بايدن. ووفق الصحيفة، فإنّ أغلبية الناخبين لا تحب نتائج سياساته، فيما يتصل بالاقتصاد، والسياسة الخارجية، والهجرة، وكل شيء آخر تقريباً.

وتدلّل الصحيفة على ذلك عبر القول إن ائتلاف 2020 الذي انتخبه يتأكّل، مع تراجع ذوي الأصول اللاتينية والسود والناخبين الشبان والمستقلين. وهم أكثر الفئات تأثراً بالإبادة التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة، بمشاركة الإدارة الأميركية.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.