"إسرائيل" لم تنجح في إعادة مستوطني الشمال.. وقلق على جنودها في لبنان

يقول الإعلام الإسرائيلي إن حزب الله لديه أنفاق وأسلحة، وهو يستطيع أن يهاجم "تل أبيب"، كما فعل حين أعلنت "إسرائيل" أنها هزمته خلال الحرب.

  • أضرار في مستوطنة شمالي فلسطين المحتلة من جراء سقوط صواريخ أطلقت من لبنان ( أ ف ب)
    أضرار في مستوطنة شمالي فلسطين المحتلة من جراء سقوط صواريخ أطلقت من لبنان ( أ ف ب)

استمر الاهتمام الإسرائيلي، ولاسيما من قبل المستوى الإعلامي، بتطورات الوضع في شمال فلسطين، مع اقتراب اتفاق وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحزب الله، من إطفاء شمعة الشهر الأول على إقراره، حيث جرى التركيز على عناوين عديدة، أبرزها العودة البطيئة لمستوطني شمال فلسطين المحتلة (الإسرائيليين) إلى منازلهم، بسبب عدم شعورهم بالأمان، وبسبب تأقلمهم مع الحياة الجديدة التي أسسوها خلال الفترة الماضية؛ و استمرار تواجد الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الجنود؛ والأسباب الموجبة لدفع إسرائيل لإنهاء الحرب مع لبنان، والمتمثلة بنقص عديد القوات اللازم لأداء المهمة؛ إضافة إلى تصاعد الدعوات الهادفة إلى تشجيع الاستيطان الإسرائيلي في جنوب لبنان.

33 % من مستوطني الشمال لا يريدون العودة

على الرغم من مرور أكثر من 3 أسابيع على الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل"، لم يعد مستوطنو الشمال الى مستوطناتهم المحاذية للحدود مع لبنان بشكل كبير على الرغم من الحوافز والتسهيلات التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية لهذه الغاية. ويعود ذلك، وفقا لمراسل القناة الـ 12 الإسرائيلية في الشمال، غاي بيرون، إلى أنه "في اختبار النتائج، السكان لا يقبلون بالصورة الأمنية التي يقدمها الجيش الإسرائيلي، بحيث أن قلة قليلة هم الذين عادوا الى منازلهم حتى الآن". بيرون أضاف بأنه في نظرة مستقبلية، تبدو الصورة ليست جيدة، لأن نحو 33 في المئة من النازحين في الشمال لا يريدون العودة الى منازلهم الآن، في حين أن "هذا الرقم كان 13 في المئة فقط قبل ثمانية أشهر"، بحسب بيرون. 

وفي سياق مرتبط، قال رئيس مؤسسة "كيرين كيهيلات" الدكتور إسحاق لاكس، في مقابلة مع القناة "السابعة" الإسرائيلية، إنه "يوجد قلق كبير من أن العديد من سكان الشمال الذين تم إجلاؤهم من منازلهم لن يعودوا إلى بيوتهم بعد الحرب"، لأنهم تمكنوا من التكيف وإيجاد عمل في منطقة الوسط، وأصبح أطفالهم أيضاً متكيفين اجتماعياً ورأوا أنه من الجيد لهم البقاء هناك.

ونقل لاكس عن رئيس بلدية كريات شمونة، أفيحاي شترن، قوله إن نحو 40 % من مستوطني "كريات شمونة" الذين يبلغ عددهم نحو 22000 لا يخططون للعودة إلى المستوطنة. ودعا لاكس إلى العمل على معالجة هذه المشكلة وتشجيعهم على العودة إلى الشمال، لأن هذا الأمر هدف استراتيجي أساسي في هذه المرحلة.

وأمام هذا الواقع، لفتت إذاعة "الجيش" الإسرائيلي إلى أن "الجيش" لم يوجه "دعوة صريحة" إلى مستوطني الشمال من أجل العودة، وذلك "إنطلاقاً من الفهم بأن بناء الثقة سيستغرق وقتاً إضافياً".

وفي هذا السياق، نقلت الإذاعة عن قائد فرقة الجليل في "الجيش" الإسرائيلي، العميد شاي كليبر، قوله إن "الرسالة إلى سكان الجليل، هي أن الجيش الإسرائيلي سيفعل كل ما بوسعه لتمكين عودتكم".

وأوجز رئيس مجلس الجليل الأعلى، غيورا زيلتس، الوضع حالياً في مستوطنات الشمال، إذ رأى أنه على الرغم من أن "الجيش الإسرائيلي وصل في الشمال إلى إنجازات مثيرة للانطباع غيرت بشكل هام الواقع الأمني"، إلا أنه على المستوى المدني، "نحن في اخفاق من الصعب وصفه، فمنذ 15 شهراً ونحن في حرب وليس لدى أحد مسؤولية وميزانية لمعالجة مواضيع سكان الشمال".

الوضع الصعب هذا، دفع برئيس مديرية تطوير الشمال، اللواء احتياط تشيني ماروم، إلى تقديم استقالته من منصبه، بعد نحو 6 أشهر فقط من توليه منصبه، وذلك بسبب تقليص صلاحياته، وبسبب خلافات في الرأي مع وزير المديريات الجديد، زئيف إلكين، وفقاً لهيئة البث العام الإسرائيلية.

وتعليقاً على الواقع الصعب "مدنياً" بعد الحرب، كشف رئيس "معسكر الدولة"، بني غانتس، أن رئيس سلطة محلية من الشمال، تضررت بشدة من الحرب، أرسل له رسالة مفادها أنه من الصعب عليه التعامل مع بيروقراطية الوزارات الحكومية أكثر من التعامل مع إطلاق النار من قبل حزب الله.

الجنود في خطر

إنّ بقاء "الجيش" الإسرائيلي في جنوب لبنان على الرغم من مرور أكثر من 3 أسابيع على الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تضمن بنداً يسمح لـ"جيش" الاحتلال بذلك لمدة 60 يوماً، كان موضع اهتمام متابعة من قبل معلقين وخبراء إسرائيليين.

ورأى مراسل الشمال في القناة "12" سابقاً، مناحيم هوروفيتش أنه لا حاجة للانتظار حتى نهاية فترة الستين يوماً المحددة في الاتفاق، من أجل سحب الجنود الإسرائيليين من لبنان، فجنوب لبنان ليس مكاناً آمناً لهم، حتى في فترة وقف إطلاق النار، فالجنود ما زالوا يتعرّضون للإصابة في لبنان، وآلاف عائلات المقاتلين في الخدمة النظامية والاحتياطية ما زالت تعيش في قلق من احتمال وصول أخبار سيئة، لذلك "من الأفضل عمد المخاطرة بالقوات، "إذا لم تكن لإسرائيل مهام هجومية محددة عبر الحدود"، ولاسيما أن الفترة الحالية انتقالية وحرجة، حيث يتواجد الجنود في لبنان وهم ليسوا في حالة تأهب عملياتي، كما كان الحال أثناء الحرب، مما يؤدي إلى ارتكاب أخطاء أو مبادرات محلية من قبل ضباط في الميدان، قد تؤدي إلى إصابات.

"إسرائيل" لا تستطيع إكمال الحرب

تستمر التصريحات والتلميحات في "إسرائيل" بشأـن الأسباب التي دفعت "إسرائيل" لإنهاء الحرب في لبنان، حيث قال مفوض شكاوى الجنود في "الجيش" الإسرائيلي سابقاً، اللواء احتياط إسحاق بريك، في مقابلة مع "القناة 12" الإسرائيلية، إن "إسرائيل" لم تستطع أن تهزم حزب الله لسبب بسيط، هو أنه من أجل ذلك، كانت بحاجة إلى "جيش" بحجم يناور، ليس فقط في عمق 3 كلم، بل في عمق المنطقة كلها، وليس في نقاط تلامس الليطاني فقط، كما كانت بحاجة إلى "جيش" قادر على البقاء في المناطق التي يحتلها، ولا يخرج منها، لأنه لا يمتلك القدرة على المواصلة، وليس لديه قوات لتبديلها، ولم تمتلك "إسرائيل" ذلك.

بريك أشار أيضاً إلى أن وقف القتال الذي تم التوصل اليه، لم يحصل لأن "إسرائيل" لم تكن نريد أن تهزم حزب الله، بل لأنها أدركت أنه ليس لديها أي قدرة على هزيمته، وعلى الجمهور أن يدرك بأن حزب الله على الرغم من أنه "تم إضعافه"، لكن لديه أنفاق وأسلحة، وهو يستطيع أن يهاجم "تل أبيب"، كما فعل حين أعلنت "إسرائيل" أنها هزمته خلال الحرب، حين لقنها درساً مع هجمات طالت حتى "تل أبيب". و"بعد ذلك، طلبنا وقف الحرب ونحن وافقنا بعد أن أدركنا أنه لا يمكن هزيمته".

وصدر كلام مشابه لكلام بريك، عن مراسل الشؤون العسكرية في "القناة 12"، نير دفوري، أشار فيه إلى أنه "يوجد نقص خطير في الجيش الإسرائيلي، إذ ينقصه نحو 7 آلاف جندي ومقاتل بسبب الحرب التي ما تزال تجري في عدة جبهات". وإضافة إلى ذلك، رأى مناحيم هوروفيتش، في مقال كتبه في موقع القناة، أن "الجيش الإسرائيلي"،  قد ضغط حتى حدوده القصوى من حيث الموارد البشرية، وهو يعمل في سيناريو لم يكن أحد قد استعد له، مع نشر الفرق داخل سوريا ولبنان.

ولفت هوروفيتش أيضاً إلى أنه في كامل أنحاء لبنان، يوجد الآلاف من مخازن الذخيرة، والمخابئ، والمقاتلين لدى حزب الله، ومن الواضح أنه لا إمكانية لتدميرها كلها، لذلك ما سيحسم الأمر، ليس تدمير نفق آخر أو العثور على مستودع صواريخ آخر، بل "الردع طويل الأمد".

وبدوره، قال محلل الشؤون العسكرية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمير بار شالوم، إن حزب الله لا يزال قوياً جداً على الساحة الداخلية اللبنانية، لكن "الهيمنة السياسية والعسكرية التي كانت لديه تصدعت بشكل هام".

دعوات للاستيطان في جنوب لبنان

طفت على واجهة الأحداث، خلال الأيام الأخيرة، حادثة جديدة تدخل ضمن سياق الدعوات والمبادرات الهادفة إلى تشجيع الاستيطان الإسرائيلي في جنوب لبنان، حيث تبين أنه، خلافاً، لكلام "الجيش" الاسرائيلي (سابقاً)، بشأن عدم تمكن ناشطي حركة "عوري تسافون" (حركة تعدو للاستيطان في جنوب لبنان) من إقامة خيم داخل الأراضي اللبنانية، تبين بعد التحقيق في الحادث أن مستوطنين إسرائيليين اجتازوا عدة امتار الخط الأزرق، وبعد أن تم تشخيصهم من قبل قوات "الجيش" الاسرائيلي، أبعدوا من المكان.

وردوا في "الجيش" الإسرائيلي بعد ذلك في بيان ورد فيه: "يجري الحديث عن حادث خطير يجري التحقيق فيه. كل محاولة للاقتراب أو اجتياز الحدود إلى أراضي لبنان من دون تنسيق يمثل خطراً على الحياة ويمس بقدرات "الجيش" الإسرائيلي على العمل في المنطقة، وعلى القيام بالمهمة".

وتطرق مصدر عسكري إسرائيلي إلى القضية أيضاً، ولفت إلى أنه "في الاسابيع الماضية، تم القيام بعدة أعمال لإغلاق معابر عند السياج، كما تم تشديد إجراءات الوصول إلى منطقة الحدود".

وتأكيداً على جهودها ومساعيها للاستيطان في جنوب لبنان، قالت حركة "عوري تسافون" في بيان إنها تطالب بعودة التوطين في جنوب لبنان، لأن الاستيطان اليهودي في لبنان هو أمر صحيح أخلاقياً وتاريخياً وأمنياً، فالاستيطان وحده سيجلب الأمن إلى الشمال، وسيبث العزم والقوة ضد أعداء إسرائيل. وأضافت الحركة في بيانها، بأن المنطقة التي نفذت فيها نشاطها، لن تكون قريبًا خلف الحدود، بل مستوطنة في أرض "إسرائيل".

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.