"إسرائيل" تعيش قلقاً وجودياً.. كيف ينعكس فقدان الثقة لدى المستوطنين على مستقبلها؟
معلقون وخبراء إسرائيليون يطرحون تساؤلات بشأن مستقبل "إسرائيل" واستمراريتها، واحتمالات تفككها وقدرتها على مواجهة الانقسامات الداخلية، والتحديات الخارجية، والتي يمكن إدراجها كلها ضمن مصطلح "القلق الوجودي".
كعادتها كل عام، تُحْيي "إسرائيل"، هذه الأيام، ذكرى قتلى معاركها، وذكرى ما تسميه "استقلالها"؛ أي احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948.
في هذه المناسبة، وفي ظل الظروف التي تعيشها "إسرائيل"، على المستوى الداخلي من جهة، وعلى مستوى الحرب في قطاع غزة وجبهات الإسناد (في لبنان تحديداً)، من جهة ثانية، أعاد معلقون وخبراء طرح تساؤلات بشأن مستقبل "إسرائيل" واستمراريتها، وبشأن احتمالات تفككها وقدرتها على مواجهة الانقسامات الداخلية، والتحديات الخارجية، والتي يمكن إدراجها، كلها، ضمن مصطلح "القلق الوجودي".
هل ستبقى "إسرائيل" للاحتفال بيوبيلها؟
تحت عنوان "هل سنحظى بالاحتفال بيوبيل 100 عام؟"، كتبت صحيفة "هآرتس" افتتاحيةً، ذكرت فيها أنّ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عقد، قبل نحو 7 أعوام، "محفلَ الكتاب المقدس"، وفاجأ المشاركين فيه بـ"تحذير شديد بشأن مستقبل إسرائيل". وقال نتنياهو حينها إنّ "وجودنا ليس أمراً مسلّماً به، فدولة الحشمونائيم استمرت نحو 80 عاماً، وعلينا أن نتجاوزها". ووعد بـ"فعل كل شيء دفاعاً عن "الدولة"، حتى تصل إلى الذكرى المئوية لتأسيسها".
الصحيفة أكدت أنّ نتنياهو "كالعادة، فعل عكس ما وعد به. وبدلاً من الدفاع عن "الدولة"، عمل على إضعافها وتفكيكها، حتى أصبح وجودها موضع شك، للمرة الأولى".
وفي هذا الإطار، تناولت الصحيفة "النتائج القاسية لتسيّب نتنياهو"، مؤكدةً أنّها "واضحة في جميع الجبهات". ففي غزة، يتعرّض الأسرى الـ132 لمعاناة لا توصف في أنفاق حماس. وتم أيضاً التخلي عن مستوطنات الغلاف والشمال، وليس معلوماً ما إذا كان سيستوطنها إسرائيليون مرةً أخرى، أو متى سيقومون بذلك.
إلى جانب ذلك، أُغلق طريق الشحن الحيوي إلى "إيلات". وتوقفت شركات الطيران الدولية عن تسيير رحلات إلى مطار بن غوريون. وانخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل"، والعجز والتضخم على وشك الانفجار. وإيران تشعر بالأمان بما يكفي لإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة على "إسرائيل"، التي لم تستطع الدفاع عن نفسها بمفردها.
"إسرائيل" متَّهَمة بالإبادة الجماعية، ونتنياهو مرشّح لمذكرة توقيف دولية. وأوقف الرئيس الأميركي، جو بايدن، شحنات أسلحة إلى "الجيش" الإسرائيلي، وقررت إدارته أن "إسرائيل" انتهكت، "على الأرجح"، القانون الدولي في غزة. والمستوطنون، بتشجيع من الحكومة، شرعوا في حملة تدمير وانتقام ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربية.
"إسرائيل تتفكك"
الكاتبة السياسية إيريس لعال، كتبت في "هآرتس" أن "حماس لا تزال في قيد الحياة، وتتنفس، والأسرى يقلّ عددهم، بينما لا تؤدي القيادة الإسرائيلية وظائفها".
وأضافت لعال أنّ الإسرائيليين سيكونون "قادرين في يوم صحو على رؤية أنفسهم جاثِين على ركبهم، مهزومين"، إذا أضعفوا الموسيقى التصويرية لتبجحات وزير الأمن، يوآف غالانت، أو نتنياهو وأعضاء حكومته المضطربين.
وبعد 7 أشهر من الحرب، ها هي "إسرائيل تتفكك"، بحسب لعال. ووفقاً لها، فإنّ "إسرائيل تتجه إلى كارثة"، إذ إنّ المستقبل يضمن للإسرائيليين انهياراً اقتصادياً وعزلةً عالميةً، وفقدان الدعم من الدول الغربية، وحرباً أبديةً سيخوضونها بالأظافر.
"إسرائيل أكثر تشاؤماً من قبل"
ونشر موقع "مداد" (موقع إلكتروني لجمع معطيات عن السياسة والمجتمع في "إسرائيل" وتحليلها) معطيات أفادت بوجود انخفاض كبير في مستوى التفاؤل لدى الجمهور الإسرائيلي، مقارنةً بالبيانات التي تمّ جمعها في كانون الثاني/يناير الماضي. وانخفضت نسبة "المتفائلين جداً" بمستقبل "إسرائيل" من 48% إلى 37%، بينما ارتفع معدل التشاؤم من 21% إلى 30%. ووفق مقياس من 0 (التشاؤم) إلى 10 (التفاؤل)، انخفضت درجة "إسرائيل" من 7.3 إلى 6.3، وهذا انخفاض كبير.
هذه المعطيات دفعت خبراء إلى تحليلها، مؤكدين أن "الجمهور" الإسرائيلي يفقد الثقة بقدرة "إسرائيل" على كسب الحرب. وبما أنه اعتُقد، ولا يزال يُعتقد، أن هذه حرب مهمة، بل حرب وجودية، فإن فقدان الثقة بالقدرة على الانتصار ينعكس بالضرورة على توقع المستقبل.
وبحسب الخبراء أنفسهم، فإنّ "إسرائيل" تعيش أزمةً مستمرة. والأمر الأكثر إثارةً للقلق، وفقاً لهم، هو الاتجاه الانحداري للأرقام، فحين لا يعتقد الجمهور أنّ له مستقبلاً جيداً، سيكون ثمة صعوبة في تجنيد المستوطنين، وفي جذب الاستثمار والهجرة، وفي الاحتفاظ بنُخبه. وإذا كان الجنود لا يعتقدون أنّ أمام "إسرائيل" مستقبلاً جيداً، فقد يُطرح السؤال بشأن سبب السير إلى المعركة.
"إسرائيل ينتظرها مستقبل حزين"
وذكرت صحيفة "ذا ماركر" أن "عيد الاستقلال السادس والسبعين هو العيد الأشد حزناً وكآبة وقسوة منذ قيام إسرائيل، بحيث يتساءل الإسرائيليون عما إذا كانت إسرائيل ستنجح في الخروج من هذه الأزمة، وتحتفل بمئويتها". وقدّمت الصحيفة الجواب بنفسها، مستعينةً بما حسمه الخبيران يوجين كندل ورون تسور، اللذان أعدّا وثيقةً تهدف إلى رسم الخطوط العريضة لرؤية جديدة لـ"إسرائيل"، ومفاد الجواب: "لا، وفق المسلك الحالي، لن تتمكن إسرائيل من الاحتفال بمئويتها".
وأشارت الصحيفة إلى أن الوثيقة خلصت إلى أن "إسرائيل" ينتظرها "مستقبل حزين"، إذ ثمة "احتمال كبير ألا تبقى إسرائيل كدولة يهودية سيادية في العقود المقبلة"، بحيث اتضحت صورة فشل مطلق في منظومات نظام الحكم والإدارة والتشغيل، مع التعديلات القضائية و"طوفان الأقصى" وما تبعه، بحسب الكاتبين. وهذا الفشل "ليس إخفاقاً موضعياً، أو مقتصراً على مدماك واحد في المؤسسة الحكومية في إسرائيل، بل إنّه يمثّل انهياراً في أداء المنظومة كلها"، وفقاً لهما.
وأشار كندل وتسور إلى أن "انهيار أداء إسرائيل يدل على أنها تحت تهديد وجودي حقيقي. وإذا لم تحرّك ساكناً، فإنّها لن تبلغ مئويتها الأولى، ولاسيما أن لا احتمال لوقف الحرب الداخلية في إطار النظام السياسي المتَّبع فيها اليوم".
وبحسب ما تابعا، فإن الخطوط العريضة لعملية التفكّك التي تمرّ فيها "إسرائيل"، تبرز في انقسامها إلى معسكرات متباينة، كلّ منها يتمسك بمفاهيم ومواقف معينة، وتتقاتل فيما بينها، ليفرض أحدها قيمه ومفهومه على الكيان كله. في حين أن الفجوات بين المعسكرات "أكبر من أن يكون من الممكن جسرها". وعليه، يتوقع الكاتبان أن يتجدد الصراع الداخلي الممزِّق بكامل قوته مع انتهاء الحرب، بحيث يُمكن أن "يؤدي كل هذا إلى عملية انحلال للمجتمع في إسرائيل، الأمر الذي سيقود حتماً إلى عملية هجرة جماعية للدولة".
ورسم الخبيران الإسرائيليان، كندل وتسور، في وثيقتهما، الخطوط العريضة للتحديات الوجودية الثلاثة لـ"إسرائيل":
أولاً، التحدي الاقتصادي: وجود 3 مجموعات من المستوطنين، تموّل نفسها على حساب الآخرين.
ثانياً، تحدي تصادم القيم: تحدث الرئيس الإسرائيلي السابق، رؤوفن ريفلين، للمرة الأولى عن مصطلح "القبائل الأربع"، ودعا إلى التوصل إلى رؤية اجتماعية جديدة تتفق عليها جميع القبائل. لكن، بحسب كندل وتسور، لا يوجد فرصة في التوصل إلى رؤية اجتماعية مجمَع عليها من جانب هذه القبائل. ويضيف الكاتبان أنه، في المدى البعيد، لا يوجد فرصة للديمقراطية الليبرالية في "إسرائيل"، لأن الديمغرافيا الحريدية ستحسم في اتجاه دولة قومية - توراتية، أيديولوجياً واقتصادياً، بحيث تضطر المجموعة المنتجة، التي تؤمن بالقيم الليبرالية، إلى أن تقوم بهجرة جماعية. وبعد ذلك، ستنحدر "إسرائيل"، اجتماعياً واقتصادياً، وحتى أمنياً، وفقاً لكندل وتسور.
ثالثاً، لامبالاة "الشعب" والسياسيين حيال التفكك شبه المؤكد لـ"إسرائيل": يشدد كندل وتسور على أن هدفهما حالياً يتمثل باستنهاض الناخب الإسرائيلي، كي يفهم أنه ينبغي له أن ينشغل بقضايا جوهرية، مثل كيفية الحيلولة دون تفكك "إسرائيل"، على خلفية الشرخ الداخلي العميق، بدلاً من الانشغال مجدداً بقضايا "اليسار واليمين، والعلمانيين والمتدينين...".