هاريس ترقص على حبال الإبادة في غزة.. أسلحتنا لـ"إسرائيل" وقلوبنا مع الفلسطينيين!
المسار الذي تتبعه هاريس بشأن الحرب على غزة، أشبه بسياسة الرقص على الحبال الرفيعة. فهي من جهة، لم تنحرف علناً عن نهج بايدن تجاه الحرب بدعم "إسرائيل"، ولكنها انتقدت علناً بعض السلوكيات الإسرائيلية تجاه المدنيين.
مع انخراط نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، بقوة في الحملات الانتخابية، كبديل للرئيس الحالي جو بايدن، بعد انسحابه من السباق الانتخابي للعام 2024، ستجد هاريس نفسها بحاجة إلى تحديد مواقفها بشكل أكبر بشأن القضايا الرئيسية، خصوصاً في ما يتعلق بالإبادة الإسرائيلية القائمة في غزة.
في هذه الحالة، سيتركز النقاش من جانب الخبراء والمراقبين ووسائل الإعلام، حول إذا ما كانت هاريس ستمضي بالسير على النهج السياسي والدبلوماسي الكارثي لبايدن (المدمر حزبياً وشعبياً) أو أنها ستتحلى بالقدرة على المناورة واتخاذها بالتالي خطوات مختلفة ومغايرة، قد تقيها تجنب الوقوع في المستنقع الغزيّ الذي رمى بايدن نفسه فيه.
علاقات هاريس مع "إسرائيل" وجماعات الضغط اليهودية
تتمتع هاريس بعلاقات طويلة الأمد مع الجالية اليهودية الأميركية وجماعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة، خصوصاً لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC)، التي ألقت خطاباً في مؤتمرها السنوي في عام 2017، بعد وقت قصير من انتخابها مشرّعة في مجلس الشيوخ الأميركي، حيث قالت حينها، إن إحدى أولى خطواتها في المنصب، كانت تقديم قرار يعارض قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدين "إسرائيل" في ذلك الوقت. وأضافت: "أعتقد أن الروابط بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا يمكن كسرها".
إلى جانب ذلك، حصلت هاريس خلال حملتها للفوز بمنصب نائب الرئيس خلال انتخابات 2020، على دعم مجموعات يهودية كبيرة، بما في ذلك "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل"، و"جي ستريت" (منظمة أميركية تهدف إلى تعزيز السياسات التي تدعم الأمن والسلام لإسرائيل)، و"المجلس الديمقراطي اليهودي في أميركا".
وبالمثل، ترتبط هاريس، بعلاقة عمل جيدة مع الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، الذي يشاركها في الاهتمام بقضايا المناخ. كما إنها، وفقاً لجون كيربي، المتحدث باسم البيت الأبيض، "كانت شريكاً كاملاً في سياساتنا في الشرق الأوسط"، ولا سيما تجاه "إسرائيل" والحرب في غزة، وشاركت تقريباً في جميع المكالمات الهاتفية بين بايدن ونتنياهو والتي تجاوز عددها الـ 20 منذ بدء المذبحة. إضافة إلى أن زوجها اليهودي، دوغ إيمهوف، كان في طليعة العاملين في مبادرة إدارة بايدن ضد معاداة السامية منذ تشرين الأول/أكتوبر الفائت.
وعندما أحرق المحتجون خارج الكونغرس العلم الأميركي خلال زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن، أصدرت هاريس بياناً دانت فيه هذا الفعل، وندّدت أيضاً "بجميع الأفراد الذين يرتبطون بحماس، التي تعهدت بتدمير دولة إسرائيل وقتل اليهود"، بحسب بيان هاريس.
هاريس وسياسة الرقص على حبال الحرب الدموية في غزة
في الواقع، المسار الذي تتبعه هاريس بشأن الحرب على غزة، أشبه بسياسة الرقص على الحبال الرفيعة. فهي من جهة، لم تنحرف علناً عن نهج بايدن تجاه الحرب، إذ أكدت أنها لا تزال داعماً قوياً لـ"إسرائيل"، وفكرت في جمع الأموال لزراعة الأشجار في الأراضي المحتلة عندما كانت فتاة صغيرة، وأيدت مراراً وتكراراً ما يسمونه "حق تل أبيب في الدفاع عن نفسها" ضد حماس، وشددت على أن "التهديد الذي تشكله الحركة على إسرائيل، يجب القضاء عليه".
لكنها، في المقابل، أعربت أيضاً عن قلقها البالغ إزاء بعض سلوكيات "إسرائيل" في حملتها العسكرية المتواصلة في غزة، وأيضاً دفعت الإدارة الأميركية إلى النظر بشكل أكبر في المعاناة الفلسطينية، لذا كانت على الدوام أعلى مسؤول يتحدث بشكل قاطع عن الضحايا المدنيين.
ففي خطاب بارز لها في آذار/مارس الماضي، أصبحت هاريس أول مسؤول رفيع في إدارة بايدن يدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري، وإن كان مؤقتاً فقط، بعدما وصفت الوضع في غزة بأنه "كارثة إنسانية". كما طالبت الحكومة الإسرائيلية، بوجوب بذل جهود أكبر، لزيادة تدفق المساعدات إلى غزة، من دون تقديم أي أعذار". وتشير المعلومات إلى أن النسخة النهائية من الخطاب، قد تم تخفيفها مقارنةً بالمسودة الأصلية، التي انتقدت "إسرائيل" بشكل أكثر مباشرة، بسبب عرقلتها مرور شاحنات المساعدات إلى غزة.
ليس هذا فحسب، لم تتردد هاريس، في الإعراب عن تعاطفها مع الطلاب الجامعيين المتظاهرين الذين عبّروا عن شعورهم بالذعر من الموت والدمار المنتشر في غزة، وحاولوا الضغط على مؤسساتهم الأكاديمية لقطع العلاقات مع "إسرائيل". وذهبت هاريس أبعد من ذلك في موقفها، إذ قالت لمجلة "ذا نايشن" الأميركية: "إنهم يظهرون بالضبط ما يجب أن تكون عليه المشاعر الإنسانية كاستجابة للوضع في غزة". وأضافت: "هناك أشياء يقولها بعض المتظاهرين أرفضها تماماً، لذا لا أعني أنني أؤيد وجهات نظرهم بشكل كامل. لكن علينا أن نتعامل مع الأمر. أفهم المشاعر الكامنة وراء ذلك".
هاريس ومؤشرات التباين مع سياسات بايدن
صحيح أن هاريس لم تعلن سياستها تجاه غزة بعد، لكن إحدى الإشارات المبكرة على أنها قد لا تحذو حذو بايدن في منح المجرم الإسرائيلي "عناق الدب"، بعدما احتضن بايدن نتنياهو على مدرج مطار تل أبيب في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي كبادرة رمزية لدعمه المطلق لـ"إسرائيل"ـــ كانت إحدى الإشارات عندما ألقى نتنياهو خطاباً أمام الكونغرس في 24 تموز/يوليو الحالي، فاختارت عدم الحضور، وتذرعت بارتباطها مسبقاً بمناسبة في إنديانابوليس. إشارة إلى أن عدداً كبيراً من الديمقراطيين (وليس فقط التقدميين) في الكونغرس قاطعوا الخطاب احتجاجاً على استراتيجية نتنياهو في غزة.
أما الأمر الذي يعكس مدى التغيير الحاصل في الأيام الأخيرة في واشنطن، فهو قيام هاريس، وليس بايدن، بإلقاء تصريحات علنية بعد أن عقد كل منهما اجتماعات ثنائية مع نتنياهو، ومناشدتها لرئيس الحكومة الإسرائيلية قبول صفقة الأسرى، حيث قالت للصحفيين في تصريحات مقتضبة في البيت الأبيض في 25 الجاري: "دعونا نبرم الاتفاق حتى نتمكن من التوصل إلى وقف لإطلاق النار لإنهاء الحرب". وتابعت "دعونا نعيد الرهائن إلى الوطن، ونقدم الإغاثة التي يحتاجها الشعب الفلسطيني بشدة".
في السياق عينه، أفاد تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخراً، أنه إذا أصبحت هاريس رئيسة، من المتوقع أن تستبدل بعض المهندسين الرئيسيين لاستراتيجية إدارة بايدن في غزة، بما في ذلك مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزيرا الخارجية أنتوني بلينكن، والدفاع لويد أوستن. ومن المرجح كذلك، أن ترغب الرئيسة الجديدة في تعيين فريقها الخاص، ولكن أي تغييرات قد تفتح المجال لإمكانية اتباع نهج مختلف.
التحديات التي تواجه هاريس
سياسياً، تواجه هاريس معضلة تحديد ما إذا كان ينبغي لها أن تبتعد عن سجل بايدن في غزة، خصوصاً أن ثمة مشكلة انتخابية كبيرة بانتظارها، وهي تتمثل بوجود شريحة كبرى من التقدميين الديمقراطيين، الذين يرفعون الصوت علناً ضد بايدن لعدم وقفه شحنات الأسلحة إلى غزة، وامتناعه عن ممارسة المزيد من الضغوط على "إسرائيل" لإنهاء الحرب.
وما يزيد الأمور تعقيداً، هو تصويت أكثر من 650 ألف ديمقراطي "غير ملتزمين" في الانتخابات التمهيدية احتجاجاً على سياسات بايدن. وهذا بدوره يظهر أن حجم المعارضة لبايدن في الغرب الأوسط، قد يرجح كفة الانتخابات لصالح ترامب في الولايات المتأرجحة بما في ذلك ميشيغن وويسكونسن.
وبناء على ذلك، فإن أصوات هؤلاء الناخبين قد تشكل خطراً كبيراً على هاريس، إلا إذا نجحت في استقطابهم واستمالة عواطفهم من جديد. وتعليقاً على ذلك قالت ليلى العابد، شقيقة النائبة رشيدة طليب (ديمقراطية عن ميشيغن): أعتقد أن هناك إثارة لأن [بايدن] ليس على رأس التذكرة، لكننا أيضاً نراقب ونستمع الآن إلى ما ستفعله هاريس بعد ذلك".
في المحصلة، مثلما كانت الحال مع وعود بايدن خلال حملته الانتخابية، هناك دائماً فرصة أن يتغير ما تقوله هاريس أثناء حملتها الانتخابية بمجرد أن تتولى المنصب، فليس من المستبعد أن تمحو من قاموسها مصطلح المدنيين الفلسطينيين، وتبيح لـ"إسرائيل" بالتالي إبادتهم عن بكرة أبيهم. فهذه حال كل الرؤساء الأميركيين وهذا ديدنهم.
علي دربج - أستاذ جامعي.