مخازن السلاح الأميركية لدى "إسرائيل".. تاريخها ودورها في حرب الإبادة
الجانب الأكثر غموضاً في العلاقات العسكرية بين واشنطن و"إسرائيل" يتمثل في مخزون الطوارئ الأميركي من الأسلحة في "إسرائيل".
منذ الـ 7 من أكتوبر 2023، عملت الولايات المتحدة الأميركية على توفير الدعم العسكري اللامحدود لكيان الاحتلال. وبحسب موقع "ذي إنترسبت" الأميركي، فإن "المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، لا يعرف مقدار المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى "إسرائيل"، في أثناء حربها منذ الـ7 من أكتوبر، على الرغم من أن وزارته تشرف على مثل هذه التقديمات".
من الممكن أن يكون أحد أسباب زعم واشنطن جهلها مقدارَ مساعداتها لكيان الاحتلال، أن أغلبية هذه المساعدات لم تأتِ عبر الطرق التقليدية، جواً أو بحراً، بل كانت من مخازن واشنطن العسكرية، التي أنشأتها في كيان الاحتلال ضمن سياساتها التي بدأت مع الحرب الباردة.
مرحلة "الحرب الباردة"
مع بدء "الحرب الباردة" مع الاتحاد السوفياتي، عمل المخططون العسكريون الأميركيون على تخزين الأسلحة بكميات كبيرة، على مقربة من مسارح العمليات، بحيث يسهل نشر القوات وتسليحها في وقت قياسي إلى حين إنشاء خطوط إمداد تلبي حاجات الحرب.
أتت هذه الخطوة بعد استغراق القوات الأميركية، خلال الحرب العالمية الثانية، عدةَ شهور، في تجميع القدرات العسكرية في أوروبا وآسيا لمواجهة ألمانيا واليابان، بسبب بُعد المسافة، التي قد تصل إلى 45 يوماً لوصول الإمدادات العسكرية إلى مسارح العمليات، كما أن مخزون الأسلحة في الأراضي الأميركية سيتناقص في حال السحب منه، وقد لا يكفي من أجل تغطية الحاجة في حال اندلاع حرب كبرى.
تاريخ مخازن الأسلحة لدى "إسرائيل"
شهدت حرب عام 1973 تدشين أول جسر جوي أميركي لنقل الأسلحة إلى "إسرائيل"، من أجل استعادة التفوق في المعركة، وامتصاص صدمة الهجوم المصري السوري المشترك، والهادف إلى استعادة الأراضي المحتلة في سيناء والجولان.
لاحقاً، بدأت واشنطن تأسيس مستودعات أسلحة استراتيجية داخل كيان الاحتلال، موزَّعةً على أربع نقاط، شمالاً، وجنوباً، وشرقاً، وغرباً، وداخل مناطق عسكرية محظور دخولها، تُكدّس فيها الولايات المتحدة الأسلحة، وأُطلقت عليها تسمية "مخازن الاحتياطي الاستراتيجي"، على أن تستخدمها القوات الأميركية فقط في حال الطوارئ.
عام 1984، بدأت عملية تخزين الأسلحة الأميركية بعد توقيع مذكرة تفاهم ثنائية، نصّت على أن تكون الأسلحة مخصَّصة للاستخدام الأميركي فقط، في حال حدوث هجوم سوفياتي، أو الانخراط في حرب في الشرق الأوسط.
وعام 1989، غيّرت إدارة جورج بوش الأب شروط التخزين، لتسمح لـ"جيش" الاحتلال بالوصول إلى الأسلحة المخزَّنة في حالات الطوارئ من دون اشتراط إخطار الكونغرس قبل 60 يوماً من عملية السحب. واحتوى المخزون على ما قيمته 100 مليون دولار من العتاد العسكري الأميركي (بتكلفة ذاك الوقت). وبُرّر القرار بـ"المحافظة على التفوق النوعي العسكري لإسرائيل".
استخدام كيان الاحتلال المتكرر لمخزون الطوارئ الأميركي
الجانب الأكثر غموضاً في العلاقات العسكرية بين واشنطن و"إسرائيل" يتمثل بمخزون الطوارئ الأميركي السري من الأسلحة في "إسرائيل"، والمعروف بـ "WRSA - War Reserve Stockpile Allies"، فلا توجد بيانات رسمية بشأن مكوناته أو مواقع تخزينه.
وطلبت "إسرائيل" استخدام مخزون الطوارئ مرتين قبل الحرب الحالية على غزة: الأولى خلال حرب عام 2006، عندما طلبت ذخائر إضافية مع طول مدة القتال التي استمرت 33 يوماً. والثانية في عام 2014، في أثناء العدوان على قطاع غزة.
في عامي 2022 و2023، لم تعترض "إسرائيل" على سحب واشنطن مئات الآلاف من القذائف المدفعية والذخائر التقليدية من أجل إرسالها إلى أوكرانيا، الأمر الذي أتاح فرصة ملء المخزون بذخائر دقيقة متوافقة مع الطائرات والدبابات الإسرائيلية المطوّرة، بديلة من "الذخائر الغبية" التي كانت مخزنة.
أما في الحرب الحالية، فلم تكتفِ "إسرائيل" بالاعتماد على مخزون الطوارئ الأميركي فقط، بل طلبت أيضاً جسراً جوياً وبحرياً أميركياً، من أجل نقل أكثر من 10 آلاف طن من الأسلحة عبر طائرات شحن وسفن نقل. وهذا، بطبيعة الحال، يؤكد ما ذكره اللواء في الاحتياط الإسرائيلي، إسحاق بريك، ومفاده أن واشنطن تمتلك القدرة على إلزام "إسرائيل" بوقف العمليات العسكرية في غزة، وتجنب استهداف المدنيين، متى أرادت ذلك.
الأطر القانونية الأميركية لاستخدام المخزون.. ما الذي فعلته إدارة بايدن؟
يتيح القسم 514 من قانون المساعدات الخارجية لوزارة الدفاع الأميركية (DoD) تخزين الأسلحة الأميركية في "دول أجنبية" من أجل الاستخدام المستقبلي، وخصوصاً الدول الأعضاء في حلف "الناتو"، أو الحلفاء الرئيسيين خارج "الناتو". حالياً، توجد هذه المخزونات فقط في "إسرائيل" وكوريا الجنوبية، وهي مخصصة للاستخدام من جانب تلك الدول، الأمر الذي يميزها من المخزونات الأميركية الأخرى في الخارج.
أيضاً، بموجب قانون مخصصات الدفاع، للسنة المالية 2005، يتيح القسم 12001 للرئيس نقل الأسلحة القديمة أو الفائضة من WRSA-I في مقابل قيمة معينة. وهذا يعني أن "إسرائيل" ليست مضطرة إلى الدفع نقداً، بل يمكنها تقديم خدمات أو امتيازات أخرى بدلاً من ذلك، لكن يتطلب قانون AECA إخطار الكونغرس بحالات FMS التي تستوفي حد القيمة المحدد. بالنسبة لـ"إسرائيل"، فإن عتبة القيمة هي 25 مليون دولار للمعدات الدفاعية الرئيسية وأعلى لأنواع المبيعات الأخرى.
لكن جوش بول، الذي استقال من وزارة الخارجية الأميركية احتجاجاً على الدعم العسكري المستمر لـ"إسرائيل"، أشار إلى أن تعديلات المخزون كانت جزءاً من جهود إدارة بايدن من أجل البحث عن طرائق جديدة لتزويد "إسرائيل" بالأسلحة. وأكد مسؤولون أميركيون سابقون أن المخزون بات يتيح عمليات نقل سريعة للأسلحة إلى "الجيش" الإسرائيلي، ويحمي هذه العمليات من التدقيق العام، أو رقابة الكونغرس.
ففي الـ 20 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، طلب الرئيس بايدن تمويلاً إضافياً طارئاً من الكونغرس من أجل المساعدة الأمنية لكل من "إسرائيل" وأوكرانيا. ويتضمن الطلب الخاص بـ"إسرائيل"، تحديداً، تعديلات مقترحة من شأنها أن تقلل القيود المفروضة على عمليات النقل من WRSA-I وإلىها، في الأقسام التالية:
في القسم 514: إزالة الحد الأقصى لقيمة الأسلحة الدفاعية، التي يمكن لوزارة الدفاع نقلها إلى WRSA-I، في السنة المالية 2024 (المحددة بمبلغ 200 مليون دولار)، على نحو يسمح لوزارة الدفاع بوضع كمية غير محدودة من المخزون في WRSA-I.
في القسم 12001: إزالة القيود التي تقيد عمليات النقل بموجب القسم 12001، من خلال السماح بنقل أي سلاح إلى WRSA-I، والسماح بأن تكون الامتيازات التي تقدمها "إسرائيل" في مقابل المواد الدفاعية المنقولة "بالمبلغ الذي يحدده وزير الدفاع"، وهو ما قد يسمح بعمليات النقل من دون تعويض كبير، بالإضافة إلى تغيير متطلبات الإبلاغ بشأن عمليات النقل بموجب القسم 12001 "قبل هذا النقل قدر الإمكان"، خلال "الظروف الاستثنائية التي تؤثر في الأمن القومي للولايات المتحدة"، بمعنى تجاوز إخطار الكونغرس.
في القسم 506: طلب زيادة سقف السنة المالية لعمليات السحب الرئاسية من 100 مليون دولار إلى 7 مليارات دولار.
تلك التعديلات أزالت القيود المفروضة على حركة الأسلحة الأميركية إلى مخزون WRSA-I أولاً، وعلى نقل الأسلحة الموجودة في المخزون إلى "إسرائيل" ثانياً، مع تقليل الرقابة من الكونغرس. وبالتالي، سمحت بمزيد من الأسلحة للذهاب إلى "إسرائيل" لاستخدامها في حرب الإبادة، مع قيود أقل وتدقيق عام أقل.