ما خلفيات الإطاحة بحكومة بارنييه في فرنسا؟
فرنسا إلى أين؟ سؤال يفرضه واقع الإطاحة بحكومة ميشال بارنييه، وإسقاطها بأغلبية مريحة، في خطوة لم تشهدها البلاد منذ عقود، تحت عنوان اقتصادي وحياتي وبخلفية سياسية واضحة.
فرنسا إلى أين؟ سؤال يفرضه واقع الإطاحة بحكومة ميشال بارنييه، وإسقاطها بأغلبية مريحة، في خطوة لم تشهدها البلاد منذ عقود، تحت عنوان اقتصادي وحياتي وبخلفية سياسية واضحة.
لم يكن سقوط حكومة ميشال بارنييه مفاجئاً، فكل المؤشرات ومواقف الأحزاب الفاعلة كانت تدفع إلى ذلك، وتتعامل معه على أنه تحصيل حاصل، وذهب كثر إلى التداول بأسماء خليفته منذ أيام.
اكتمل النصاب. 331 نائباً من أصل 577 صوتوا في الجمعية الوطنية على حجب الثقة عن الحكومة. كان هذا التلاقي غير المعهود بين الخصمين اللدودين، أي تحالف اليسار وحزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبن، بهدف إسقاط بارنييه وحكومته، لافتاً، حيث كان رفض مشروع الموازنة العنوان الذي اجتمع عليه الطرفان، بينما هما يتناقضان في كل شيء، ويتبادلان أشنع الاتهامات.
لكن جذور القصة أبعد من ذلك، ولا يمكن إبعادها عن تصفية الحسابات مع الرئيس إيمانويل ماكرون. تحالف اليسار، الذي رفض الاقتطاعات والضرائب في الموازنة، يعدّ نفسه الأَولى بتشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية المبكرة، لحصوله، بفصائله المختلفة على المرتبة الأولى من حيث المقاعد.
لكن رئيس الدولة تجاهل النتائج مستنداً إلى ما يعطيه الدستور من صلاحيات. يومها اختار ماكرون بارنييه الديغولي، بالاعتماد على تواطؤ واضح مع أقصى اليمين، الذي يمثّله حزب لوبان، من أجل تشكيل الحكومة. في الواقع، ما كان لحكومة بارنييه أن ترى النور لولا الدعم الذي قدّمته لوبان، وكان حزبها صمام أمان هذه الحكومة، لكنه في النهاية أطلق رصاصة الرحمة عليها.
من الواضح أن خيبة أمل أصابت حزب لوبان من تعامل معسكر ماكرون معه، لكنه خشي ما هو أبعد؛ محاصرة زعيمته قضائياً والسعي للقضاء عليه سياسياً.
مارين لوبن الملاحقة قضائياً، مع قادة ومسؤولين في حزبها بتهم فساد ووظائف وهمية في البرلمان الأوروبي، بدت وكأنها استشعرت كما لو أنها خُدعت، ولاسيما أن القضاء طلب ليس فقط سجنها عامين مع النفاذ، من أصل خمسة، بل حرمانها من حقوقها المدنية خمسة أعوام أيضاً، ما يسقط عنها مقعدها النيابي.
والأهم من ذلك، فإن هذا الأمر يطيح بحلمها للترشح مجدداً لانتخابات الرئاسة، عام 2027، بعدما نجح حزبها في توسيع دوائره الشعبية، مستنداً إلى خطاب يلامس مشاغل الكثير من الفرنسيين.
هل سينجح رئيس الدولة في تجاوز تداعيات هذه الأزمة السياسية، التي تهدف إلى حشره لدفعه إلى الاستقالة، إذا ما عجز عن تشكيل حكومة جديدة لافتقاده الأغلبية المطلوبة؟
من المبكر الإجابة، لكن المؤكد أن الأشهر المقبلة ستكون صعبةً على ماكرون، خصوصاً إذا ما فشل في استنهاض الفرنسيين في حال أعاد حل الجمعية الوطنية - وهو أمر متوقع منه بداية الصيف - وجاءت نتائج الانتخابات التشريعية مشابهةً لواقع اليوم. حينها سيبدو التصويت بمنزلة استفتاء عليه وستضيق خيارات ماكرون كثيراً.
لا شك في أن سقوط حكومة بارنييه سيضعف فرنسا التي تشكل ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا، وسيظهرها بمظهر الدولة غير المستقرة. وانشغال فرنسا بأزمتها السياسية، التي تضاف إلى أزمات اجتماعية واقتصادية ضاغطة، سيحدّ من تأثيرها في محيطها الأوروبي وعلى الساحة الدولية.