مؤامرة أميركية جديدة ضد فنزويلا.. أسبابها وسُبل كاراكارس في صدّها
في محاولة لتبرير عقوباتها على فنزويلا، تذرّعت الولايات المتحدة بأنّ منع ماتشادو من الترشح للانتخابات يتعارض مع اتفاق باربادوس، الذي ينصّ على إجراء انتخابات حرة وعادلة. إلا أنّ وراء الادّعاءات الأميركية عجزاً عن احتواء البلد الثابت على مناهضة هيمنة واشنطن.
أصدرت محكمة العدل العليا في فنزويلا، في الـ26 من كانون الثاني/يناير، قراراً يقضي بمنع ماريا كورينا ماتشادو المعارِضة من الترشح لمنصب الرئاسة في الانتخابات المرتقبة هذا العام، نظراً لعدم أهليتها لتبوّأ هذا المنصب، بسبب تورّطها في الفساد، وتأييدها العقوبات الأميركية ضدّ بلادها.
لم تتأخر الولايات المتحدة الأميركية عن التدخل في الشؤون الفنزويلية لمصلحة المعارضة ضدّ الرئيس نيكولاس مادورو، فأعادت بعد 3 أيام من صدور القرار القضائي، فرض عقوباتٍ على مجموعة التعدين "CVG-Minerven"، التي تملكها الدولة الفنزويلية، وأمهلت الشركات الأميركية حتى الـ13 من شباط/فبراير، لإنهاء المعاملات مع الشركة.
لم تكتفِ واشنطن بذلك، إذ هدّدت بتجديد العقوبات على النفط والغاز في فنزويلا، بدءاً من 18 نيسان/أبريل المقبل، في حال عدم حصول تقدّم بين الحكومة والمعارضة، لا سيما فيما يتعلق بالسماح لجميع المرشحين بالتنافس في انتخابات الرئاسة هذا العام.
وفي محاولةٍ لتبرير عقوباتها، تذرّعت الولايات المتحدة بأنّ منع ماتشادو من الترشح للانتخابات يتعارض مع اتفاق باربادوس، الذي عُقد في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بين الحكومة والمعارضة، والذي ينصّ على إجراء انتخابات حرة وعادلة. إلا أنّ وراء العقوبات والادّعاءات الأميركية، عجزاً عن احتواء البلد الذي يملك أكبر احتياطي للنفط في العالم.
ابتزاز أميركي مدعوم من جماعات يمينية
المسؤولون الفنزويليون وصفوا التهديد الأميركي بالابتزاز، مؤكدين أنّ واشنطن تمارس الإكراه والتهديد سعياً لفرض انقلاب في فنزويلا وزعزعة استقرار اقتصادها ورفاهية شعبها. وأمام ذلك، حذّرت السلطات الفنزويلية من أنّ اشتداد "العدوان الاقتصادي" الذي تشنّه واشنطن سيُقابَل بإيقاف التعاون في رحلات إعادة المهاجرين الفنزويليين من الولايات المتحدة.
أضاءت السلطات في فنزويلا أيضاً على دور القطاعات الأوليغارشية واليمين المتطرّف في البلاد في دعم هجوم الولايات المتحدة. ورداً على إجراءات التدخل الأميركية، دعت حكومة مادورو إلى وحدة الفنزويليين وتعبئتهم، دفاعاً عن السيادة الوطنية.
محاولات الزعزعة هذه لم تكن مفاجئةً، ففي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حذّر مادورو من وجود مخطّطات ضدّ السلم الأهلي في فنزويلا، التي تتقدّم سياسياً واقتصادياً، ومحاولات لزعزعة الاستقرار من جانب الجماعات اليمينية الصغيرة، التي تواصل الرهان على العنف.
اقرأ أيضاً: مادورو: الحكم القضائي بحق كورينا نهائي.. ولا أحد فوق الدستور
ما وراء المعلَن: واشنطن عاجزة عن احتواء كاراكاس
كما في كل محاولاتها لتبرير العقوبات ضدّ الأنظمة المناهضة لها، تدّعي الولايات المتحدة دعمها الديمقراطية ضد الاستبداد. وإذ عمدت إلى ذلك سابقاً في فنزويلا، فإنّها فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها لأسباب عدة.
معارضة منقسمة
تدلّ مسارعة الولايات المتحدة إلى نجدة المعارضة الفنزويلية على المشكلات الداخلية التي تعانيها الأخيرة، بحيث تجد واشنطن نفسها مضطرةً لخوض معركة مباشرة ضدّ مادورو المدعوم شعبياً، بعد فشل وكلائها في إضعافه أو إقصائه.
الانقسامات العميقة والخلافات الاستراتيجية داخل المعارضة تزيد من ضعفها، وتحول دون تبنّيها استراتيجيةً موحّدةً وفعّالةً. ويذكّر هذا الواقع بالتجربة الفاشلة للمعارضة في فرض رئاسة غوايدو، الذي أعلن نفسه "رئيساً موقّتاً" للبلاد في كانون الثاني/يناير 2019.
وأخذ الدعم لهذه الرئاسة الوهمية بالتلاشي، في حين كان مدفوعاً من الولايات المتحدة، حتى وضعت المعارضة المنقسمة جداً حداً لها في كانون الثاني/يناير 2022.
واشنطن تسعى لعسكرة النزاع مع غوايانا.. وكاراكاس تصرّ على الحوار
في إقليم إيسيكيبو المتنازع عليه بين فنزويلا وغوايانا، منحت سلطات الأخيرة امتيازاتٍ نفطيةً لشركة "إكسون موبيل" الأميركية في منطقة بحرية غير محددة، وسط مخططات أميركية لإنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة، سعياً للاستيلاء على ثروة الإقليم التي تشمل الذهب والماس والمياه والغاز وحقول النفط والغاز، إلى جانب التنوع البيولوجي.
الرئيس الفنزويلي تصدّى للمحاولات الأميركية الرامية إلى عسكرة النزاع الإقليمي، بتأكيده أنّ الحل المحتمل الوحيد للنزاع مع غوايانا هو استئناف الحوار المباشر معها، وفقاً لاتفاقية جنيف. وفي هذا الإطار، التقى مادورو رئيسَ غوايانا، محمد عرفان علي، واتفق الطرفان على ألا يهدّد أي منهما الآخر، ولن يستخدما القوة فيما بينهما، تحت أي ظرف من الظروف.
فنزويلا تعارض الهيمنة الأميركية العالمية
تعارض فنزويلا، بقيادة مادورو، السياسات الأميركية تجاه مختلف القضايا، ما يفسّر أيضاً السعي الأميركي للإطاحة به ودعم منافسيه، نظراً لمكانتها المتنامية على صعيد أميركا اللاتينية والعالم. وضمن إجراءاتها لرفض الهيمنة الأميركية وكل ما يدور في فلكها، تعرب فنزويلا عن رغبتها للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، بوصفها "المحرّك الكبير لتسريع ولادة عالم جديد"، الذي يُعدُّ توسّعه ضربةً للقوة الأميركية.
في الإطار نفسه، تعمل فنزويلا على تعزيز علاقاتها بكل من الصين وروسيا، الخصمين الأساسين للولايات المتحدة. وفي أيلول/سبتمبر الماضي، زار مادورو العاصمة الصينية بكين، بدعوة من الرئيس شي جين بينغ، في زيارة هي الأولى منذ عام 2018.
وفي حين أنّ العقوبات الأميركية، التي تعود بدايتها إلى 2014، هي المسؤولة عن تراجع الإنتاج وتقلّص إجمالي الناتج الداخلي لديها بنسبة نحو 80%، تبرز بكين كأحد الدائنين الرئيسيين لكاراكاس.
أما فيما يتعلّق بالعلاقات مع روسيا، فأبدت كاراكاس دعمها المطلق لموسكو في عمليتها العسكرية في أوكرانيا. وتعزّزت العلاقات بين البلدين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وحتى طبياً وإغاثياً. وأثار تنامي التعاون الروسي - الفنزويلي حفيظةَ الولايات المتحدة، التي تبنّى مجلس نوابها مشروع قانون لـ"مكافحة نفوذ روسيا في فنزويلا"، عام 2019.
وخلال الأشهر الأخيرة، وتحديداً منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أبدت كاراكاس دعمها الكامل للفلسطينيين في الحرب التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي عليهم، وبرزت كأحد أبرز التي وقفت إلى جانب أهل غزة. وهي في إدانتها الجرائم الإسرائيلية، تركّز على الدعم الأميركي للحرب، سياسياً ومالياً، والدور الرئيس الذي تؤديه واشنطن في مواصلتها.
أمام ثبات كاراكاس في سياساتها المناهضة لما تتبّعه واشنطن، في الداخل الفنزويلي والعالم، يبدو أنّ العلاقات بين الطرفين ستزداد اضطراباً، في حين تثبت تجارب الماضي أنّ العقوبات، لا سيما التي تطال الشعب، سلاح عاجز عن تحقيق الأهداف، سياسيةً كانت أم أمنية.