فرنسا والجزائر: جمرٌ تحت الرماد يتكشَّف
تقلبات كثيرة عرفتها العلاقات الفرنسية الجزائرية منذ الاستقلال وغالباً ما كان يتم تجاوزها إلا أنّها اتخذت هذه المرة طابعاً أكثر حدة. ماذا في التفاصيل؟
ماذا يحدث بين فرنسا والجزائر ولماذا هذا الاتهام الفرنسي للسلطات الجزائرية بأنها تسعى إلى إذلال باريس وصولاً إلى حد التلويح بإجراءات حادة وفاعلة إذا استمرت الجزائر بالتصعيد.
الخلافات كثيرة لكن الجديد فيها والذي أثار حنق باريس وغضب مسؤوليها هو رفض الجزائر السماح بدخول أحد مواطنيها من المؤثرين الجزائريين حيث جرت إعادته إلى باريس هذا الخميس، بعدما كان تم ترحيله من فرنسا، إثر اتهامه بالتحريض على الكراهية والعنف ضد فرنسا على شبكات التواصل الاجتماعي مع ثلاثة مؤثرين جزائريين آخرين تم القبض عليهم للسبب نفسه لا سيما التحريض على الحرق والقتل والاغتصاب والدعوة إلى ارتكاب أعمال عنف، غالباً ضد معارضي النظام الجزائري وفق صحيفة الاتهام الفرنسي.
ثارت ثائرة المسؤولين الفرنسيين على هذا الرفض الجزائري، ووزير الداخلية برونو ريتيليو لم يستطع أن يخفي غضبه وعبر عنه بقوة أمام وسائل الإعلام، كذلك فعل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الذي قال إنه لن يكون أمام فرنسا أي خيار آخر سوى الرد إذا واصل الجزائريون هذا الموقف الذي وصفه بـ "التصعيدي والعدائي".
وتحدث الوزير بارو عن امتلاك فرنسا ترسانة كاملة من الرد الدبلوماسي، مشيراً إلى أن بعض الأشياء نقولها والبعض الآخر لا نقولها وسنفعل ذلك بالوتيرة وبالطريقة التي نعتبرها الأكثر فعالية، مع حشد جميع الأدوات المتاحة لنا.
قضية المؤثر الجزائري اتخذت طابعاً سياسياً وخرج رئيس الوزراء الأسبق غابريال اتال ليندد بالتجاوزات الخطيرة للمؤثرين الجزائريين تجاه فرنسا، ودعا إلى رد حازم إزاء السلطات الجزائرية، ويقول أتال إن على فرنسا أن تكون شجاعة وأن تضع حداً لتبجح الجزائر فاستفزاز فرنسا لا يمكن ان يمر دون عواقب.
رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق انتهز الفرصة للدعوة الى مراجعة اتفاق مبرم بين فرنسا والجزائر بعد 6 سنوات من استقلال الأخيرة كان أوجد وضعاً خاصاً للمواطنين الجزائريين مقارنة ببقية الاجانب فيما يتعلق بالتنقل والإقامة والعمل في فرنسا ويواجه هذا الاتفاق منذ فترة انتقادات شديدة من جانب اليمين المحافظ وأقصى اليمين في فرنسا والأرجح أن يشكل مادة جديدة للسجال على الساحة الفرنسية وإلى تفاقم الأمور أكثر في علاقة باريس مع الجزائر وهي علاقة متوترة أصلاً زادها توتراً تبني باريس لرؤية المغرب وسيادته على الصحراء الغربية. صحيح أن هذا القرار أسهم في عودة الدفء بشكل أكبر مع الرباط بعد فترة من البرودة لكنه خلق أزمة جديدة مع الجزائر قد يصعب حلها نظراً لما يعرف عن موقف الجزائر من الصحراء الغربية.
وجاء اعتقال السلطات الجزائرية قبل أسابيع للكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال بتهمة المساس بأمن الدولة، ليرفع من منسوب التوتر خصوصاً مع دخول الرئيس الفرنسي على الخط إذ اعتبر إيمانويل ماكرون أن الجزائر باعتقالها صنصال البالغ من العمر 75 عاماً تسيء إلى سمعتها من خلال منع شخص مريض من الحصول على العلاج. الجزائر عدَّت تصريحات ماكرون تدخلاً سافراً وغير مقبول في شؤونها الداخلية فيما وصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الكاتب صنصال، بالمحتال المرسل من فرنسا.
قبل نحو ثلاثة أشهر اعترف وزير الداخلية الجزائري ابراهيم مراد بوجود خلاف مع باريس التي تطالبها باستعادة الآلاف من مواطنيها المقيمين بصورة غير شرعية في فرنسا ودعا في الوقت نفسه سلطات فرنسا إلى تحسين ظروف حياة الرعايا الجزائريين معتبراً أنهم يعانون من التمييز و"الإسلاموفوبيا" وخطاب الكراهية ومشاكل تعيق عمليات لم الشمل.
تقلبات كثيرة عرفتها العلاقات الفرنسية الجزائرية منذ الاستقلال وغالباً ما كان يتم تجاوزها بعد فترة لتعود العلاقات إلى منحاها الطبيعي لكن واضح مما سبق ذكره أن الخلافات هذه المرة كبيرة وتحتاج من يُسهم في ضبط إيقاعها حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة وتدفع إلى مزيد من التباعد والنفور بين البلدين.