اليمن يتحدى ثلاثي الشر: أميركا وبريطانيا و"إسرائيل"

ما حصل في ميدان السبعين، والجماهير تهتف بالتحدي، وتنتفض غضباً، وهي تلوح بسلاحها، ليس سوى أنموذج مصغر للحالة اليمنية التي لم يفهمها هذه الثلاثي على مدى أكثر من عشر سنوات.

0:00
  • اليمن يفشل التحالفات.
    اليمن يفشل التحالفات.

في انتهاك سافر للسيادة اليمنية وتصعيد خطير، أقدم تحالف الصهيونية العالمي، ممثلاً بثلاثي الشر الأميركي- البريطاني- الإسرائيلي، على شن عدوان جديد استهدف العاصمة صنعاء، ومحافظتي الحديدة وعمران.

وبعكس الادعاءات الأميركية والإسرائيلية ومزاعمها استهداف مخازن وقدرات عسكرية، فقد تركزت غارات العدوان الثلاثي على أهداف مدنية، حيوية واقتصادية، وسيادية، تمثلت بميناءين في الحديدة، ومحطة كهرباء واستهداف دار الرئاسة في العاصمة صنعاء، وأسفرت عن أضرار مادية، وبعض الخسائر البشرية.

فشل معادلات الردع

في الآونة الأخيرة، شنّ العدو الإسرائيلي عدواناً على مطار صنعاء الدولي ومحطة حزيز للكهرباء، فاستهدفت القوات المسلحة بعد ذلك مطار "بن غوريون" ومحطة كهرباء شرق "تل أبيب"، تعطلت على إثره خطط السكك الحديد الرابطة بين بن غوريون والقدس، بل أوصل اليمن صواريخه فرط صوتية إلى ما بعد بعد "تل أبيب"، وصولاً إلى حيفا.

من هنا، فإن استهداف دار الرئاسة في العاصمة صنعاء، ومحطة حزيز من جديد، وموانئ الحديدة بما تعنيه من استهداف للسيادة، وتصعيد خطير واستهداف لمصالح كل اليمنيين، قد يفتح معادلات جديدة على قاعدة العين بالعين والسن بالسن، وإن كانت العمليات اليمنية أكبر من قواعد الاشتباك هذه، لكن بيان المجلس السياسي الأعلى، بما حمله من رسائل وتحذيرات يوحي بحتمية الرد، ويبدو أن الرد سيكون باستمرار العمليات بتصاعد أكبر مما كان، وبأهداف جديدة مؤلمة وموجعة، وإن كان العدو عاش خلال كانون الأول/ديسمبر أسابيع بلا نوم، قد يدخل في حالة من الأرق المزمن من يدري؟

وينسحب الأمر على الأميركي. عام كامل من العدوان على اليمن، وفي المحصلة، كلف باهظة، فشل في الردع، تهشيم لنظرية التفوق، وهروب مذل لثلاث حاملات طائرات، وأربع عمليات ضد حاملة الطائرات الأخيرة (إس إس هاري ترومان) وفق ما أعلنه المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع من ميدان السبعين بعد دقائق من العدوان الثلاثي، وأجبرت على الهروب إلى شمال البحر الأحمر، بل كان تكتيكها الجديد هو كيف تهرب بسرعة أكبر كما كشف السيد القائد في خطاب الخميس الماضي، وترومان اليوم تعيش وطاقمها معادلة صعبة، إن اقتربت ضربت وغرقت، وإن ابتعدت أدخلت القوات البحرية الأميركية أمام مشكلة إذلال جديدة.

فشل معادلات توازن الرعب

ما لفت انتباه الكثير من المراقبين داخل اليمن وخارجه أن بعض غارات عدوان ثلاثي الشر، كانت على مسافة بضعة أمتار من ميدان السبعين، في لحظة تدفق الحشود المليونية إلى ميدان السبعين، ومعلوم أن الهدف من ذلك، كما صرّح مسؤولون صهاينة، هو إرعاب الجماهير المليونية، وفض جموعهم وإفشال المسيرة الأسبوعية المليونية، لكن ما حصل كان على العكس تماماً، فبينما كان العدوان يصب نيران حقده في محيط السبعين، لم يتوقف تدفق الحشود، بل إن من كان في بيوته خرج للالتحاق بالمسيرة، مشكلة مشهدية غير مسبوقة من التحدي، تلك الغارات ما زادت الجماهير المليونية سوى غضب وصمود وإصرار على الموقف، وثبات مع غزة، وهذا يثبت فشل كل خيارات ثلاثي الشر، وهي رسالة تحد شعبية أبهرت الجميع، وصدمت العدو، وأوصلت رسالة عكسية إلى العدوان الثلاثي بأن الشعب اليمني، لا يمكن أن يرتدع أو يرتعب أو يتراجع عن موقفه المساند لغزة.

المفارقة هنا، أن أكثر من أربعين غارة توزعت على العاصمة ومحافظتي عمران والحديدة، لم تدفع فرداً أو حتى طفلاً للهروب من الساحات، فيما صاروخ يمني واحد أو مسيرة يمنية واحدة في سماء "تل أبيب" أو "حيفا" أو غيرها من المغتصبات، كفيلان بأن يدخلا نصف سكان الكيان الغاصب والمؤقت إلى الملاجئ، تحت سابع أرض، مرعوبين في ملاجئهم، في حالة من الأرق بلا نوم، والقلق والخوف الشديد، وهذه المفارقة تسقط معادلة توازن الرعب التي أراد ثلاثي الشر فرضها على اليمنيين.

ما حصل في السبعين، والجماهير تهتف بالتحدي، وتنتفض غضباً، وهي تلوح بسلاحها، ليس سوى أنموذج مصغر للحالة اليمنية التي لم يفهمها هذه الثلاثي على مدى أكثر من عشر سنوات، ويبدو أن هذا التحالف لم يقرأ عن اليمن واليمنيين وتاريخهم الذي دفن الإمبراطوريات، وأحلامها في رمال اليمن المعروف تاريخياً بـ "مقبرة الغزاة". وبعيداً من التاريخ، كان على ثلاثي الشر أن يأخذ الدروس والعبر من العشرية الماضية، فمثل هذه المشهدية حصلت خلال تشييع الرئيس صالح الصماد، إذ شت غارات في محيط السبعين، لم تهتز معها شعرة مواطن في الميدان بل أكملوا برنامجهم ومسيرتهم وتشييعهم وكأن شيئاً لم يحصل.

وإن كان العدو يراهن على الغارات العدوانية، فعليه أن يقرأ تجربة العشرية الماضية، أكثر من نصف مليون غارة لم تزد اليمنيين سوى صمود وثبات وصلابة، بل خرج من ذلك العدوان قوة إقليمية تستطيع فرض معادلاتها في الإقليم والعالم، وأقرب مثال لهم أنهم يطوون عاماً من الفشل بعد أن شنوا أكثر من ألف غارة منذ أن أعلنوا تشكيل "تحالف الازدهار" في 12 كانون الثاني/ يناير العام الماضي، وهددوا ورفعوا السقوف، في المحصلة ماذا حققوا؟

المحصلة تفكك ذلك التحالف، هروب حاملات الطائرات، انسحاب القطع واحدة تلو أخرى، والأمر ينسحب على العملية الأوروبية "سبيدس"، وقبل هذا وذلك تحالف العدوان الأميركي- السعودي.

اليمن يفشل التحالفات

إن فكرة تشكيل التحالفات فشلت بالتجربة، وستفشل في الميدان بإذن الله أمام بأس اليمنيين وصمودهم وإصرارهم، وبالتالي فإن الشراكة الأميركية- البريطانية- الإسرائيلية في العدوان، بما تحمله من إيحاء بتشكل تحالف، ستفشل حتماً، حتى لو انضم إليها من انضم، تماماً كما فشل تحالف الدفاع عن الملاحة الإسرائيلية باعتراف معظم مراكز الأبحاث، لقد أصبحت أميركا أضحوكة في الصحافة الغربية، لقد كتبوا نهاية تاريخ حاملات الطائرات بناء على العمليات والمعادلات التي فرضها اليمن، اليمن الذي امتلك من بين عدد محدود من الدول تقنيات كسرت نظرية التفوق الدفاعي الإسرائيلي، سواء بالصواريخ الفرط صوتية أو بالطيران المسير.

الأمر الآخر، فكرة الرهان على الحروب بالوكالة التي ظهرت في دعوة بعض قادة المجرمين الصهاينة بتقديم الدعم لما يسميها "حكومة عدن" في إشارة إلى مرتزقة العدوان، وما كشفته صحيفة "التلغراف" البريطانية نقلاً عن مسؤول أمني صهيوني، من أن حكومة المرتزقة بدأت بالفعل، تعمل استخبارياً لجمع معلومات من اليمن لصالح العدو الصهيوني، وقد تمكنت الأجهزة الأمنية اليمنية من تفكيك وإفشال عدد كبير من شبكات التجسس الأميركية والبريطانية آخرها شبكة تم تجنيدها وتدريبها في السعودية بإشراف ضباط بريطانيين وسعوديين.

ومثلما فشلت التحالفات والحروب العسكرية والاستخبارية، وحروب الوكالة، والحروب الاقتصادية والإنسانية ستفشل أي عقوبات أو تصنيفات محتمل أن يفرضها ترامب في ولايته الجديدة، ولن تنجح كل أساليب الحرب والضغط أمام اليمنيين بإذن الله.

هناك مسار وحيد يمكن أن ينجح في وقف عمليات الإسناد اليمنية، كممر إجباري، وهو وقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها، وإلا فلا نستبعد أن تحصل عمليات مزلزلة داخل كيان العدوان لم تكن تخطر على بال أحد، ولا نستبعد أيضا أن تغرق ترومان في البحر، وتغرق معها ما تبقى من بقايا هيبة البحرية الأميركية.