خطر مُسيّرات حزب الله على "إسرائيل".. "وجع رأس" لسلاح الجو
تقارير إسرائيلية تؤكد أنّ "الجيش" لا يوجد لديه حلّ رخيص الثمن لمعضلة مسيرات حزب الله القادمة من لبنان، الأمر الذي يؤثّر في قدرة سلاح الجو الإسرائيلي.
نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، تحقيقاً موسعاً حول خطر المُسيّرات التي يستخدمها حزب الله في معركته ضد "إسرائيل"، بعد أن تحوّلت هذه المُسيّرات إلى السلاح الهجومي المركزي بيد حزب الله، حيث أدّى استخدامها من قبله حتى الآن، إلى سقوط قتلى وجرحى إسرائيليين، إضافةً إلى إلحاق أضرار مادية فادحة، فضلاً عن التسبب بـ"وجع رأس" لسلاح الجوّ الإسرائيلي.
الأمر الذي دفع بالكثيرين في "إسرائيل" إلى طرح تساؤلات حول كيفية نجاح هذه "الأداة البطيئة والبسيطة" في تجاوز منظومات "الجيش" الإسرائيلي، وحول سبب عدم إلتفات "الجيش" الإسرائيلي طوال السنوات الماضية إلى خطورة هذا التهديد.
جنود إسرائيليون: نحن أمام المُسيّرات كالبط في حقل رماية
وورد في التحقيق الذي أعدته صحيفة "يديعوت أحرونوت" شهادات لجنود إسرائيليين تعاملوا مع خطر المسيرات، برز منها كلام لأحد هؤلاء الجنود، قال فيه: "شعرنا وكأنّنا بطّ في حقل رماية.. المسّيّرات كبّدتنا ثمناً دامياً". كما ورد في التحقيق أنّه ثمة في "إسرائيل"، من قال: "يشعرني بالتوتر أنّ آلة ثمنها 2000 دولار تقريباً، تحدث لنا مشاكل أكثر من كلّ الأسلحة باهظة الثمن".
الصحيفة أشارت في تحقيقها إلى أنّه بناءً على التقديرات، أطلق حزب الله، منذ بداية الحرب، نحو ألفي مسيّرة بإتجاه "إسرائيل"، إلا أنّه لا توجد معطيات رسمية إسرائيلية عن العدد الذي أصاب هدفه، على الرغم من أنّ هذه المسيرات أدّت إلى مقتل إسرائيليين وجرح العشرات. أمّا الأضرار في الممتلكات، فلا يوجد بشأنها تقديرات حتى الآن.
ولفتت الصحيفة إلى أنّهم في الجيش لا يستطيعون التطرّق إلى حلّ رخيص الثمن لمعضلة المسيرات، إذ أنّه على الرغم من أنّ منظومات القبة الحديدة، مقلاع داوود، و الحيتس تؤمن غلافاً دفاعياً جيداً جداً- رغم أنّه ليس كاملاً - (ضد الصواريخ) لسماء "إسرائيل"، إلا أنّ أداة صغيرة، بطيئة الحركة، غالباً غير ذكية، تتحوّل إلى تهديد مركزي، خصوصاً في الشمال".
وأضافت الصحيفة أنّه على الرغم من أنّ التلميحات بأنّ المسيّرات ستتحوّل إلى سلاح يجب أن تجد لها "إسرائيل" حلول، كانت واضحة قبل أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر بكثير، إلا أنّ المؤسسة العسكرية والأمنية في "إسرائيل" لا تزال "تركض الآن هناك وهناك، تحت النار، لتجد ضمادة لهذا الجرح، قبل أن يتحوّل رذاذ المسيّرات إلى طوفان".
ولفتت الصحيفة إلى أنّ ما كان ينبغي أن يحسم القرار في هذا الشأن هو الحرب التي تدور رحاها على مسافة 2000 كلم من "إسرائيل"، بين روسيا وأوكرانيا، والتي استخدمت فيها موسكو مسيّرات، بعضها انتحاري، اشترتها من إيران، وشكّلت بكلّ بساطة بديلاً رخيص الثمن من الصواريخ الروسية الباهظة، و"سرعان ما أدرك الاوكرانيون بأنفسهم كم هي فتّاكة وقاتلة هذه المسيرات".
ولفتت الصحيفة إلى أنّ حزب الله دخل إلى هذا المجال منذ مطلع الألفية الحالية، إذ بدأ باستخدام المُسيّرات قبل عشرين عاماً تقريباً، حين اخترقت إحدى مسيراته المجال الجوي الإسرائيلي، في العام من دون أن يتمّ كشفها.
إخفاق "إسرائيل" أمام تحدي المسيرات فضيحة
نقلت الصحيفة عن مصدرٍ إسرائيلي له علاقة بعالم المسيّرات قوله إنّ وصول "إسرائيل" إلى السابع من تشرين الأول/أكتوبر، من دون ردّ مناسب على تهديد المسيّرات، هو فضيحة لوزارة الأمن ولتشكيل الدفاع الجوي، لأنّه كان عليهم ببساطة أن يروا ما حصل في أوكرانيا، وأن يُسقطوه على الواقع الإسرائيلي. وبررت "جهات إسرائيلية" (معنية)، توجهت إليها "يديعوت أحرونوت" للحصول على أجوبةٍ حول تأخر الاستعداد في "إسرائيل" للتعاطي مع خطر المسيرات، بالقول إنّه يوجد "ضرورات موازناتية في إسرائيل، دفعت لأن يتمّ التجهّز بمنظومات أقلّ جودة، لا سيما في مجال الرادارات"، علماً أنّ المشكلة المركزية مع المسيّرات هي صعوبة كشفها من قبل الرادارات الإسرائيلية.
وأوردت الصحيفة سبباً آخر دفع بالجهات المعنية في "إسرائيل"، لتجاهل الاستعداد بشكلٍ كافٍ لتهديد المسيرات، حول وجود "مهمّات ملحّة أكثر في الشمال، مثل محاربة مشروع دقة صواريخ حزب الله ومنع التمركز الإيراني في سوريا"، لذلك لم تكن المسيّرات في مرتبةٍ عالية في سلّم الأهمّية. و"هذا كان خطأً بالطبع"، وفقاً للصحيفة.
قائد تشكيل الدفاع الجوي الإسرائيلي سابقاً (2018- 2021)، العميد احتياط ران كوخاف، قال إنّ "سلاح الجوّ حدّد أن موضوع المسيّرات ليس تهديداً وجودياً"، لذلك في كـ"أولوية ثانية"، فهو وإن كان يُشكّل تحدّياً، إلا أنّه ليس تهديداً وجودياً، على الرغم من أنّه يتسبب بضرر كبير في مجال الوعي. وأشار كوخاف إلى أنّ "إسرائيل ليست مستعدة للمسيرات، لأنّ أولويتها كانت الصواريخ".
وأشار كوخاف إلى أنّه في موضوع المسيرات، المشكلة الأساسية هي الكشف، "لأنّ من لا يرى، لا يطلق نيرانه"، مضيفاً بأنّ المسيرات تحلّق على علوّ منخفض تحت الرادار.
ولفت كوخاف إلى أنّ كشف المسيرات ممكن بواسطة الرصد، بأن تُجلس جنديّاً أو جنديّة، أو بواسطة الصوتيات، كما في الحرب العالمية الثانية، أو عبر الحرب الإلكترونية، لكن هذا صعبٌ جداً.
"الثقب" في سماء "إسرائيل" سيبقى مفتوحاً أمام المسيرات
رئيس برنامج المنظومات الذاتية الحركة والروبوت في "التخنيون" (المعهد العالي للتكنولوجيا)، البروفسور دانيئل فايس، الذي "يأكل، يتنفّس ويضع مخططات مسيّرات منذ خمسين عاماً"، وفقاً لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، يقول صراحة أنّه لم يفهم التهديد إلا مؤخراً: "لا أحد، وأنا منهم، فكّر أنّهم يستطيعون استخدام هذا ضدّنا. فقط خلال الأشهر الأخيرة أدركت وفهمت. رأيت أنّ هذا بدأ يصبح شيئاً ما حقيقياً وليس عَرَضياً.. ونحن الدولة التي طوّرت طائرات من دون طيّار ومسيّرات أكثر من أيّ أحد آخر، مشكلتنا أنّنا اعتقدنا أنّنا نحن فقط نفعل هذا، ولم نتحضّر لهجوم".
ولفت فايس إلى أنّ أيّ حلّ للمسيّرات يجب أن يأخذ بالحسبان معياراً جوهرياً هو المال، لأنّ المسيّرة التي تكلّف آلافاً معدودة من الدولارات، ليس صحيحاً اعتراضها بكلّفة تبلغ عشرة أضعاف قيمتها، أيّ عبر طائرات حربية أو القبة الحديدية، لأنّ هذه الأشياء تكلّف مالاً كثيراً.
وختمت الصحيفة تحقيقها بالتشديد على أنّه حتى الآن، "يبقى الثقب في سماء إسرائيل مفتوحاً"، إذ ليس لدى المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، ردّ كامل على المسيّرات، إلا أنّهم في "مبات"، إدارة بحث وتطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية التكنولوجية، وهي هيئة خاضعة لوزارة الأمن، يؤكدون أنّهم غير مستفزون كثيراً من أنّهم يبحثون عن "حلول تحت النار"، لأنّهم، وفقاً لكلامهم، "فيما ظهرنا إلى الحائط، نحن نعمل أفضل".