بين الدعم الواسع والخلافات الحادة: كيف يُنظر إلى العلاقات الأميركية – الإسرائيلية؟
خبراء إسرائيليون يناقشون العلاقات الأميركية الإسرائيلية في ضوء المساعدات التي تقدمها واشنطن لـ"إسرائيل" في حربها على غزة، مُشيرين إلى أنّ خسارة الدعم الأميركي لـ"إسرائيل" خطر وجودي عليها، ولافتين إلى أنّ حرب غزة زادت من حدة الخلاف بينهما.
المكانة المهمة، التي تحتلها الولايات المتحدة الأميركية في مفهوم "الأمن القومي الإسرائيلي"، والتي ظهرت بصورة واضحة في أعقاب ملحمة "طوفان الأقصى"، حضرت في دراسات ومقالات متعدّدة، أعدها خبراء وباحثون إسرائيليون، حاولوا فيها تبيان أهمية الدور الأميركي في تعزيز الأمن في "إسرائيل"، وفي رفد الجهد العسكري الإسرائيلي في الحرب الدائرة حالياً في قطاع غزة.
وبالتوازي، سعى هؤلاء الباحثون والخبراء لتسليط الضوء على المشاكل والمخاطر التي تعرقل حسن سير العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، والتي يعود جزء منها إلى تعارض المصالح بين الطرفين.
المساعدات الأميركية لـ"إسرائيل" تخطت 130 مليار دولار منذ عام 1948
أعدّ الباحثان الإسرائيليان، عوفر شيلح وهداس شبطاي، دراسة نشراها في معهد أبحاث الأمن القومي، شرحا فيها بإسهاب طبيعة المساعدة العسكرية والمالية، التي تمنحها الإدارة الأميركية لـ"إسرائيل"، منذ بداية العدوان على غزة (عملية طوفان الأقصى)، والتي تشمل رزمة مساعدات مالية، تزيد قيمتها على 14.25 مليار دولار، أي خمسة أضعاف تكلفة تجديد المخزونات في "إسرائيل" بعد 51 يوماً من عملية "الجرف الصامد"، والتي تمّ تحديدها بالاتفاق بين الطرفين، بنحو ملياري دولار فقط.
وأشار الباحثان إلى أنّ هذه المساعدات ستسمح لـ"إسرائيل" بتغطية جزء كبير من تكاليف الحرب الحالية، بحيث خصص لذلك مبلغ 4.85 مليارات دولار بصورة مباشرة، بالإضافة إلى مبلغ آخر مقداره 4.4 مليارات دولار، تستطيع وزارة الدفاع الأميركية تحويله إلى "إسرائيل" لتمويل تجديد الموارد من الذخيرة للقوات البرية والاحتياجات الحالية الإضافية. أما المبلغ المتبقي فيوزَّع على بنود وعناوين متفرقة.
ولفت الباحثان إلى أنّ هذا المبلغ لا يشمل المساعدة السنوية المتفق عليها مسبقاً، والتي بلغت، منذ "قيام إسرائيل"، في عام 1948، أكثر من 130 مليار دولار، والتي كانت المحطة الأخيرة فيها هي الاتفاق على منح "إسرائيل" مساعدة أميركية سنوية بقيمة 3.8 مليارات دولار بين عامي 2019 و2028.
حرب غزة زادت من حدة الخلاف الأميركي – الإسرائيلي
نشر نائب رئيس "هيئة الأمن القومي" في "إسرائيل" سابقاً، تشاك فريليتش، دراسة في معهد أبحاث الأمن القومي، حذّر فيها من أنه على الرغم من أنّ الحرب على غزة وضعت جانباً الخلافات الصعبة والمُتراكمة في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، والتي زادت حدتها منذ الخلافات الداخلية في "إسرائيل" بشأن "التعديلات القضائية"، فإنه، في خلال الحرب على غزة، "تعمقت الفجوات" بين الحليفين بشأن إدارة الحرب، ولاسيما فيما يتعلق بـ"اليوم الذي يلي"، فواشنطن تُشكك في قدرة "الجيش" الإسرائيلي على تحقيق أهدافه العسكرية، وهي غير راضية عن إنجازات "إسرائيل" على المستوى العسكري. لذلك، خفضت توقعاتها بشأن نتائج الحرب، وتعمل على إنهاء القتال بصورة أسرع، والانتقال إلى العمليات المُركَّزة. بينما تعمل الإدارة الأميركية، في الوقت نفسه، على تركيز الجهود الرامية إلى تعزيز إنشاء دولة فلسطينية، كمفتاح لإبرام تسوية إقليمية جديدة، تضمن أمن "اسرائيل"، وتفتح الباب أمام تطبيع إقليمي معها، كمقدمة لتشكيل جبهة مؤيدة لواشنطن ضد إيران.
ورجّح فريليتش أن لا تحدث أزمة حقيقية في العلاقات بين الطرفين قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، نهاية العام الحالي، إلا أنه توقع أن تنفجر الأزمة خلال الولاية الثانية، سواء للرئيس السابق دونالد ترامب، أو لبايدن، الذي يحمل ضغينة ضد نتنياهو. وحذّر فريليتش من أنّ الخطر الكامن في ربط المساعدات العسكرية لـ"إسرائيل" بتغيير سياستها في التعامل مع القضية الفلسطينية أصبح يشكل تهديداً ملموساً على أمنها.
أهمية المناورة السياسية لـ"إسرائيل" في مقابل واشنطن
دعا الدكتور عومر دوستري، في دراسة نشرها معهد القدس للاستراتيجيا والأمن، حكومة الاحتلال إلى عدم الموافقة على كل ما يطلبه الأميركيون، مع الحرص، في الوقت نفسه، على الامتناع عن مواجهة مباشرة معهم، بحيث تعمل "إسرائيل" على المناورة بحكمة بين تعطيل المكونات الإشكالية جداً للمطالب الأميركية، وبين الحاجة إلى مواصلة تجنيد الدعم الأميركي الحيوي لمواصلة الحرب على غزة، وربما لتوسيعها (إلى حرب شاملة في الشمال مع حزب الله)، فالدعم الأميركي لـ"إسرائيل" له أهمية - مصيرية أحياناً - سواء في المجال السياسي، أو في مجال الإمداد بالعتاد الحربي.
وأشار دوسترى إلى أنّ العلاقات الأميركية – الإسرائيلية هي شراكة خاصة، أُسُسها متباينة عن تلك الموجودة لدى الطرفين مع دول أخرى في العالم، وهي تعتمد على قيم ومصالح وسياسة، وأنّ "إسرائيل" - خلافاً لبقية دول العالم - لديها القدرة على تجنيد دعم جهات سياسية أميركية شديدة القوة، في دوائر القرار الأميركي.
ولفت دوستري إلى أنّ المناورة السياسية لـ"إسرائيل"، في مقابل الأميركيين، يجب أن تشمل موافقة على مطالب أميركية معينة، بما في ذلك طريقة إدارة القتال في غزة، لكن من دون قبول إجراء تسويات تمسّ مصالح قومية إسرائيلية لا يمكن التنازل عنها، وعلى رأسها استمرار المساعي العسكرية في جنوبي قطاع غزة للسيطرة على محور فيلادلفيا، و"حسم" حماس.
هل الولايات المتحدة تساعد فعلاً "إسرائيل" في المعركة الاقتصادية ضد حماس؟
ورأى الخبير في الحرب المالية، أودي ليفي، في دراسة نشرها معهد أبحاث الأمن القومي، أنّ الولايات المتحدة الأميركية نفذت سلسلة خطوات في مجال الحرب الاقتصادية ضد حماس منذ بداية "عملية طوفان الأقصى"، شملت "إعلانات" كثيرة تتعلق بمؤسسات وأشخاص مسؤولين عن النشاطين الاقتصادي والمالي لحماس، ووضع مكافأة مالية في مقابل مسؤولين رفيعي المستوى في منظومة حماس المالية.
ولفت ليفي إلى أن الخطوات الأميركية ضد حماس، في هذه الحرب، تنضمّ عمليا إلى الاتجاه الآخذ في التسارع في الأعوام الأخيرة، والذي يشير إلى تراجع في قوة الولايات المتحدة وقدرتها على إدارة معركة اقتصادية أمام التنظيمات المسلحة، بحيث ظهر أنّ إحدى الأدوات الأكثر أهمية، والتي كانت في صندوق العدة الأميركي، منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2011، بدات تتلاشى، مضيفاً - ليفي - أنّ تراجع القدرة الأميركية على الحرب الاقتصادية نابع من سببين أساسيين:
أولاً، أن "أعداء" واشنطن تعلموا جيداً نقاط الضعف في طريقة استخدام العقوبات الأميركية.
ثانياً، أن المصالح السياسية لواشنطن تتغلّب، بصورة شبه دائمة، على الخطوات المرتبطة بحرب اقتصادية ومكافحة "الإرهاب".
لذلك، يشدد ليفي على أنه يمكن التقدير، مع أرجحية عالية، أنّ الولايات المتحدة لن تفعّل قدراتها ضد حماس، ولن تنفذ خطوة أكثر هجومية ضدها، فواشنطن لا تريد مواجهة قطر أو تركيا (الداعمتين لحماس)، بحسب ليفي.
وحذّر ليفي، في نهاية الدراسة، من أنّ ثمة دلالات استراتيجية على التراجع المهم في الرغبة الأميركية لإدارة معركة اقتصادية "فعّالة" (ضد الأعداء)، لأنه عندما يبدأ العدو معرفة نقاط ضعف خصمه جيداً، ولاسيما لجهة وجود مصالح سياسية تتغلب على المصلحة في إدارة معركة اقتصادية، يبدأ بالتعاطي مع الولايات المتحدة الأميركية على أنها ضعيفة، ويتعامل معها على قاعدة أنّ "الكلب الذي ينبح لا يعضّ".
خسارة الدعم الأميركي خطر وجودي على "إسرائيل"
وكتب يوسي هولندر، الذي يوصف في "إسرائيل" بأنه "مكافح ضد اللاسامية"، ومبادر في مجال "الهايتك"، مقالاً في صحيفة "إسرائيل هيوم"، نُشر يوم الاثنين، 12 شباط/فبراير الحالي، حذّر فيه من أنه من ضمن سلسلة المفاهيم التي تتحطم أمام أعين الإسرائيليين، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ثمة "مفهوم أعلى" انهار تماماً، وهو أنّ الولايات المتحدة ستدعم "إسرائيل دائماً، ومع ذلك يفضل الجميع تجاهل ذلك في "إسرائيل".
وحذّر هولندر من أنه يوجد في "إسرائيل" تجاهل كامل لعملية انهيار الدعم الأميركي لها، إذ على الرغم من التأكّل التدريجي في هذا الدعم، الذي يُعَدّ ذا أهمية وجودية لـ"إسرائيل"، بحيث يكفي أن تمتنع الولايات المتحدة من دعمها للأخيرة، في مجلس الأمن، من أجل إدخالها في "وضع فوضوي"، فإنهم في "إسرائيل" يتعاطون مع الأمر بلا مبالاة وغطرسة، وهذا الأمر خطأ فتاك وخطير بالنسبة إلى مصير "إسرائيل"، وهو يُعَد أيضاً "خطراً وجودياً" أكبر كثيراً من خطر إيران وحزب الله وحماس، فالولايات المتحدة هي المرتكز الاستراتيجي الوحيد لـ"إسرائيل" في هذا العالم.
ولفت هولندر إلى أنّ الجماعات المناهضة لـ"إسرائيل" في واشنطن عملت على تصنيف الفلسطينيين واليهود على أسس عرقية: الفلسطينيون هم "السكان الأصليون" و"الملونون"، في حين أنّ الإسرائيليين واليهود هم "أوروبيون بيض نبلاء ومستعمرون". وهكذا، نجحت هذه الحملات، بحسب هولندر، في تحويل "إسرائيل"، بالنسبة إلى كثيرين، إلى نموذج مكروه عن التفوق الأبيض الإمبريالي، واتحدت القضية الفلسطينية مع ضحايا "القمع" الآخرين، وبالتالي نشأت موجة ركبها أعداء "إسرائيل"، بينما غرقت حكومات "إسرائيل" المتعاقبة في العتمة و"مفهوم" تصنيف الفلسطينيين.
وختم هولندر مقاله بدعوة الإسرائيليين إلى حماية دعم الولايات المتحدة لـ"إسرائيل"، كون هذه المهمة "وجودية"، وكل ما هو مطلوب هو وجود رؤية وقيادة.